علي ناصر يخرج عن صمته ويكشف نوايا العقيد القذافي في الهجوم على سوريا

كريتر سكاي/خاص:

إعداد/ د. الخضر عبدالله:
القذافي والقيادة البديلة لياسر عرفات

يكمل الرئيس علي ناصر محمد حديثه حول القضية الفلسطينية.. ويتحدث اليوم بخصوص  العقيد القذافي والرئيس ياسر عرفات وقال مستدركا :" كان نداء الواجب تجاه القضية الفلسطينية ينادينا دائماً. ففي منتصف عام 1983م حدثت انشقاقات مؤسفة في حركة فتح، وأعلنت مجموعة من قادتها تشكيل ما سمّوه حينذاك «فتح الانتفاضة». تلقيت اتصالاً هاتفياً من الزعيم الليبي معمر القذافي وأخذ يقنعني بفكرة استوحاها من أحداث ذلك الانقسام، هي تغيير القيادات الفلسطينية «المشتبه فيها» حسب تعبيره، وصهر المنظمات الفلسطينية جميعاً في منظمة واحدة، وتحت قيادة واحدة. بذل جهده لإقناعي بذلك، وقد حاولت إفهامه بخطأ هذه الفكرة وقلت له: «إنني ضد هذا التفكير، وأعدّ هذه النظرة خطيرة ومؤثرة في منظمة التحرير». وأفهمته أنْ «ليس من حق أي أحد تدمير ما يعتبر إنجازاً تاريخياً لكفاح الشعب الفلسطيني على مدى سنوات عديدة»، وكنت أعني بها منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبح لها صفة دولية معترف بها على المستوى العربي والعالمي. وقد تحقق ذلك الاعتراف عبر سنوات طويلة وبجهود كبيرة. قلت للقذافي: «إننا لا نقدم بذلك أية خدمة إيجابية للشعب الفلسطيني وقضيته في حال تدخُّلنا غير المشروع في شؤون منظمات تمتلك الشرعية.. وقياداتها منتخبة هي الأخرى بصورة شرعية. حاول العقيد القذافي أن يستفزني قائلاً: «وماذا يعني ذلك؟ فقد كانت حكومة الاتحاد في عدن أيضاً شرعية». وقد أجبته بهدوء: «لا. لا أجد أي مجال للمقارنة هنا. فشرعية عن شرعية تختلف.. ثم إنه ليس من حقنا التدخل في الشؤون الداخلية للمقاومة الفلسطينية»، وأكدت له أن أي انشقاق جديد، حتى ولو كان على الطريقة التي تدعو إليها لن يكون سوى رقم جديد يضاف إلى قائمة المنظمات الفلسطينية القائمة. وعودة إلى تاريخ كل الانقسامات التي حدثت في الماضي جميعها تؤكد بالفعل أن كل انقسام لا يضيف سوى المزيد من التشرذم والتفرق، وأخبرته بأن من مصلحة القضية الفلسطينية الحفاظ على وحدتها، وإذا كان هناك حقاً نية جادة ومخلصة في إجراء أي تغيير أو تجديد يجب أن يكون ذلك داخل أطر حركة المقاومة نفسها، لأن أهل مكة كما يقال، أدرى بشعابها». وأضفت: «إن مثل هذه الأمور الخطيرة لا تناقش عبر التلفون، فضلاً عن أن هذا ليس وقت الحديث عنها، ونحن لا نملك حتى الحق في مناقشته نيابة عن الشعب الفلسطيني». عندئذ قال لي القذافي: «سأبعث لك بطائرتي الخاصة، أو تعال بطائرتك»، واعتذرت. فقال القذافي: «سوف أصدر بيان تأييد باسمي واسمك». فقلت له: «إذا فعلت فسوف أصدر بياناً في المقابل وأنفي علمي ببيانك أو المشاركة فيه. استشاط القذافي غضباً من ذلك، وأوقف بعدها مباشرة المساعدات التي كانت بلاده تقدمها إلى اليمن الديمقراطية وهي مبلغ ثلاثمئة مليون دولار لتمويل مشاريع مختلفة، منها كلية الطب، وترميم مستشفى الجمهورية، وبناء مطار في الغيضة ووحدة عمر المختار السكنية التي ارتبط اسمها باسم المجاهد الكبير عمر المختار ولم يحترموا اسمه ولا تاريخه ولا العلاقات النضالية بينه وبين رفيقه في الجهاد علي بن مبارك  الذين كانوا يشيدون بنضالهما دائماً ضد الاستعمار الايطالي، وحتى لا تتوقف هذه المشاريع بسبب هذا القرار الليبي الأحمق اضطررنا إلى تغطية نفقاتها من ميزانيتنا، إلى حد أننا سحبنا مبالغ من احتياطي الدولة من العملة الصعبة، وما ذاك إلا نموذج واحد فقط لما كنا نعانيه نظراً إلى ثبات مواقفنا، وكيف أن التمسك بالمواقف التي نعتقد بصحتها تضطرنا في أغلب الأحيان إلى دفع ثمن باهظ لها. والمثير في الأمر أن موقف «العقيد القذافي» قد تغير بعد مرور سنة من تلك المكالمة التي استمرت بيني وبينه نحو ساعة كاملة.

القذافي.. وعرفات

ويستطرد الرئيس ناصر بقوله :" اتصل بي «القذافي» مرة أخرى. وهذه المرة طلب مني تحديد موقف إلى جانب ياسر عرفات ضد سورية. كان ذلك خلال «حرب المخيمات» في منتصف عام 1984م، وقد أوضحت له أن علينا أن نتجنب ردود الأفعال، وأن الأمور لا تحل بالهجوم على سورية، ولا يمكن حلها إلا بالتفاهم والحوار وتقديم التنازلات من قبل كل الأطراف، وأنه لا بديل لسورية، وخصوصاً في مسائل تضطلع هي فيها بالمهمات الصعبة والعبء الأساس في المعركة مع العدو الصهيوني. كنت وأنا أحدثه أتعجب كيف تغيرت مشاعره فجأة هكذا من الهجوم قبل عام فقط على القيادة الفلسطينية، بمن فيهم ياسر عرفات وجورج حبش، إلى التعاطف الكلي معهم واعتبارهم «مناضلين» حسب وصفه إياهم هذه المرة، وهم كذلك فعلاً.

عندما رفضت مقترحه، انفعل العقيد القذافي وقال: يبدو أنك لم تعرف القيادة السورية تماماً؟

لكني أجبته: يبدو أنك لا تعرف سورية والسوريين، وتتجاهل تعقيدات الوضع في المنطقة، وليس بالضرورة إن يكون هناك تطابق في وجهات النظر في بعض القضايا، وخصوصاً في ما يتعلق ببعض القيادات الفلسطينية في منظمة التحرير.

كان المهم لي أن نظل على موقفنا المبدئي من القضية والثورة الفلسطينية، فلا نغيره أو نبدله حسب الظروف والأحداث. ولهذا كانت آراؤنا ومواقفنا تلقى التفهم والقبول عند مختلف الأطراف الفلسطينية. وهذا لا يعني التقليل من دور الزعيم الليبي الذي قدم الكثير من الدعم والمساندة إلى الثورة الفلسطينية، لكن المشكلة أنه سريع التقلب في مواقفه.

ومضى يقول في حديثه :"كانت عدن على الدوام محطة للمناضلين الفلسطينيين، يجدون فيها الدعم والمساندة بقدر ما تستطيع. وكان لقاؤهم التالي في عدن مرة أخرى لتأكيد ذلك، عندما انعقدت فيها أعمال «الدورة الثالثة» للحوار الوطني الفلسطيني الذي بدأ في الجزائر، وقد سادنا جميعاً شعور بالاعتزاز والثقة بأن تجاوز الخلافات في صفوف الثورة لن يكون على حساب علاقتهم بسورية، وهو ما كنا نحرص عليه.

بين عدن والجزائر

ويتطرق الرئيس علي ناصر في  حديثه ويقول  :"بعد عدد من جولات الحوار في العاصمة الجزائرية التي بدأت في 18 آذار/مارس 1984، انتقل المتحاورون إلى اليمن الديمقراطية لاستكمال الحوار الوطني الفلسطيني. افتتحت «الدورة الثالثة» في عدن في التاسع من حزيران/يونيو 1984م وشارك فيها إلى جانب ممثلي المنظمات الفلسطينية ممثلو الحزب الاشتراكي اليمني، وممثل حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية محمد شريف مساعدية، وقد مثّل حركة فتح خليل الوزير  «أبو جهاد». فيما مثل الجبهة الديمقراطية ياسر عبد ربه ، والجبهة الشعبية عبد الرحيم الملوح والحزب الشيوعي الفلسطيني سليمان النجاب وجبهة التحرير الفلسطينية «أبو العلاء». وقد أقمت للمشاركين في الدورة حفلة استقبال وإفطاراً، حيث كنا في شهر رمضان المبارك. أبديت ثقتي بقدرة المشاركين على إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني، بما يكفل وحدة منظمة التحرير الفلسطينية على أساس برنامجها السياسي المُقَرّ في الدورة السادسة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني ودوراته اللاحقة.

اتفاق عدن - الجزائر

ومضى الرئيس ناصر يقول :" بعد أسبوع من النقاش تمكن المشاركون من إقرار وثيقة سياسية وتنظيمية لتحديد مسيرة «منظمة التحرير الفلسطينية» واستراتيجيتها، واتخذوا هذه الوثيقة أساساً للحوار الوطني الشامل لتعزيز وحدة المنظمة وضمانها، وتنشيط مؤسساتها الشرعية.

في الجزائر، خلال مؤتمر صحافي في يوم 18 تموز/يوليو 1984م، أعلن البيان النهائي لاتفاق عدن التاريخي الذي كان بحق اتفاق الوحدة الوطنية الفلسطينية. أثار الاتفاق الارتياح والترحيب الجادين داخل الأراضي المحتلة، وعبّر عن ذلك مناضلون وطنيون من أمثال «بسام الشكعة» رئيس بلدية نابلس، الذي عدّه اتفاقاً «طال انتظار جماهير شعبنا له، وسيعزز العمل الوحدوي على مختلف الصعد، ويوطد تحالفاتنا العربية والعالمية، وخصوصاً إعادة تصحيح العلاقات الفلسطينية السورية اللبنانية الوطنية»، وعبّرت الهيئات والمؤسسات الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عن غبطتها بالاتفاق، وقالت في بيان أصدرته في صحيفة «الشعب» المقدسية:

«إن اتفاق الوحدة في عدن أعاد لمنظمة التحرير وحدتها، وسيمكن مؤسساتها الشرعية من استعادة دورها وفاعليتها». وكان مندوبون عن أكثر من عشرين مؤسسة قد عقدوا اجتماعاً تمثيلياً في القدس أشادوا من خلاله بالاتفاق، وأكدوا تمسكهم بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.

في دمشق وقبرص وقّع أكثر من مئة وعشرين كاتباً وصحافياً وأديباً فلسطينياً، منهم الشاعر الكبير محمود درويش، بياناً أعربوا فيه عن تأييدهم لاتفاق عدن، ما عنى أن الاتفاق قد امتلك القاعدة الشعبية التي ستشكل له الضمان والحماية ليصبح قاعدة يلتزمها الكل. في الواقع كنت سعيداً بتلك النتيجة. وكنت من موقعي وتجربتي وتجربة ثورتنا أدرك مخاطر الانشقاق عن الثورة، وهو ما لم نكن نرضاه للثورة الفلسطينية العظيمة.

اتفاق أوسلو

واستطرد الرئيس علي ناصر  في حديثه  قائلا  :" في عام 2010 قمت بزيارة لبعض البلدان الأوروبية والإسكندنافية، وفي هذه الزيارة التقيت السيد عمر كتمتو الذي حدثني طويلاً عن اتفاقية أوسلو التي كان له دور كبير في التنسيق والإعداد لها. اتفاقية أو معاهدة أوسلو هي اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأميركية في 13 أيلول/سبتمبر1993، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو التي جرت فيها المحادثات السرّية عام 1993م.

اتفاقية أوسلو أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلةً بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الحالي والذراع اليمنى للرئيس الراحل ياسر عرفات.

ورغم أن التفاوض بشأن الاتفاقية حصل في أوسلو، إلا أن التوقيع كان في واشنطن، بحضور الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والرئيس الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل إسحق رابين، ووزير خارجيته شمعون بيريز، ووزير خارجية روسيا أندريه كوزيريف.

وتنص الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية  الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لإتمامها في أقرب وقت ممكن، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.

ونصت الاتفاقية على أن هذه المفاوضات ستشمل القضايا الباقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، علاقات التعاون مع جيران آخرين.

ولحفظ الأمن في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية، نصت الاتفاقية على إنشاء قوة شرطة فلسطينية قوية، من أجل ضمان النظام العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية.

في إسرائيل نشأ نقاش قوي بخصوص الاتفاقية؛ فاليسار الإسرائيلي دعمها، بينما عارضها اليمين. وبعد يومين من النقاشات في الكنيست حول تصريحات الحكومة بشأن الاتفاقية وتبادل الرسائل، جرى التصويت على الثقة في 23 أيلول/سبتمبر 1993، حيث وافق عليها 61 عضو كنيست، وعارضها 50 آخرون، وامتنع 8 عن التصويت، كان من بينهم رئيس الوزراء الأسبق الذي رأس الوفد الإسرائيلي في مؤتمر مدريد في تشرين الأول/أكتوبر 1991م.

المواقف الفلسطينية

ويتابع  الرئيس ناصر  حديثه ويقول :" كانت المواقف الفلسطينية منقسمة أيضاً، فـ«فتح» التي مثلت الفلسطينيين في المفاوضات قبلت إعلان المبادئ، بينما اعترض عليها كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (المنظمات المعارضة) لأن مواثيقها الداخلية ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود في فلسطين.

كان هناك على كلا الجانبين مخاوف من نيات الطرف الآخر، وفهموا تلك المقولات على أنها محاولة لتبرير توقيع الاتفاقية باتفاقيات مرحلية للوصول إلى الهدف النهائي. وكذلك عارض الاتفاقية فلسطينيون، ومنهم مثقفون مثل الشاعر الكبير المرحوم محمود درويش، والمفكر الكبير المرحوم إدوارد سعيد.

بناءً على ادعاء حكومة إسرائيل، فُقدت ثقة الإسرائيليين بالاتفاقية لأن الهجمات على إسرائيل تكثفت بعد توقيع الاتفاقية، الأمر الذي فسره البعض على أنه محاولة من قبل بعض المنظمات الفلسطينية لإفشال عملية السلام. آمن آخرون بأن السلطة الفلسطينية لم يكن لديها رغبة في إيقاف تلك الهجمات، بل كانت تشجعها. وكدليل قالوا إنه عندما تفجرت الانتفاضة عام 1996، أدارت الشرطة الفلسطينية أسلحتها باتجاه الإسرائيليين في الصدامات التي أدت إلى سقوط 51 فلسطينياً و15 إسرائيلياً.

خشي العديد من الفلسطينيين أن إسرائيل لم تكن جادة بخصوص إزالة المستوطنات من الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة من المناطق المحيطة بالقدس، وخشوا أنهم حتى قد يزيدون من وتيرة البناء على المدى الطويل ببناء مستوطنات جديدة وتوسيع الموجود منها، وهو ما حدث فعلاً.

بدأت القصة في السنوات السابقة لتوقيع الاتفاقية...

واضاف :" يقول السيد عمر كتمتو: في منتصف عام 1991 حدث أن كنت في تونس حاملاً معي بعض الأفكار الخاصة بالعلاقة الثنائية الفلسطينية النرويجية بصفتي سفيراً للمنظمة في أوسلو، وخصوصاً أن النرويج بدأت تتعامل معنا بنشاط واضح ومنذ شهر شباط/فبراير 1989 في أعقاب الزيارة التي قام بها السيد تورفالد ستولتينبيرغ Thorval Stoltenberg وزير الخارجية حينذاك، والتقى الرئيس أبو عمار في العاصمة التونسية، وشهدت أول مباحثات رسمية فلسطينية نرويجية."

عدن الغد