تعميم حكومي بمنع المنتجات الجنسية
اصدر مكتب الاوقاف بشبوة تعميم هام الى محلات الرقية الشرعية.وجاء بالتعميم:بناء على ما وصلنا بعض...
في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، وصل وفد رفيع المستوى يُمثل جماعة الحوثيين إلى العاصمة السعودية الرياض في أول زيارة علنية من نوعها منذ بدء الصراع. انطلقت المحادثات الثنائية بين السعودية وجماعة الحوثيين بشكل جدّي عقب فشل جهود تمديد الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة العام الماضي، وسرعان ما اكتسبت المحادثات زخماً بعد الانفراجة التي حققتها الوساطة الصينية بين السعودية وإيران في ربيع العام الجاري. بدأ نوع من الجمود في المحادثات خلال فترة الصيف، إلا أن هذه الزيارة الاخيرة تشير إلى وجود نوع من التقدم في المسار التفاوضي قد يتكلل باتفاق يُعلن عنه قريبا.
لا تزال التفاصيل المحددة للمفاوضات غير واضحة المعالم، إلاّ أن تطلع السعودية لإنهاء انخراطها في حرب اليمن يغذي الشواغل إزاء تخليها عن الحكومة المعترف بها دوليا وتجاهل مخاوف وأولويات الأطراف اليمنية الأخرى في ظل تعجّلها لنفض يدها عن الملف اليمني، وهو ما قد يخلق دوامة من حالة عدم الاستقرار في اليمن. رغم هذا، فإن التوصل لاتفاق قد يتيح متنفساً لتوفير قدر من المساعدات الاقتصادية ووصول الإغاثة الإنسانية لسكان اليمن العالقين تحت وطأة ظروف قاسية لقرابة عقد من الزمن.
فيما يلي قراءة لتطورات المشهد اليمني من خمسة خبراء بمركز صنعاء: ماجد المذحجي، ميساء شجاع الدين، حسام ردمان، عبد الغني الإرياني، و توماس جونو، والمبنية على ضوء المحادثات السعودية- الحوثية وما قد تعنيه بالنسبة لمستقبل الصراع في اليمن.
يميل الحوثيون عادة إلى انتزاع التسويات الجيدة التي تصب في صالحهم بدون تقديم المقابل، وطبع هذا مسار السلام في اليمن فعلياً حيث شكل الاندفاع الدولي سابقاً والسعودي حاليا لاسترضاء الحوثيين الأرضية الملائمة للجماعة للحصول على أكبر قدر من المكاسب من هذه المحادثات وبأقل قدر من التنازلات من ناحيتهم.
هذا النهج التفاوضي طويل المدى يُراكم المكاسب الجزئية وبدون تقديم تنازل في القضايا الأساسية للنزاع، وهو تكتيك تعلمه الحوثيون غالباً من الإيرانيين. ولذا، وبقدر ما يشكل تواجد وفد حوثي رسمي وبشكل معلن في الرياض اختراقاً مثيراً للاهتمام و فرصة نادرة للدفع بالنقاشات حول السلام إلى الأمام، قد يبدو الأمر من زاوية أخرى تسوية بين الأقوياء يُستبعد منها غالبية اليمنيين، حيث تتملق فيها المملكة خصومها السابقين بالمال والتنازلات، بينما تفرض الجماعة سلام المنتصر في الداخل. مجددا، وبأقل قدر من التنازلات، كان يكفي إيماءة من الحوثيين بعدم إطلاق المزيد من مسيراتهم وصواريخهم صوب الأراضي السعودية لتليين مقاومة الرياض التي لم تعد تريد أن ينزعج نجوم الدوري السعودي الجُدد القادمين من الأندية الأوروبية من صوت الانفجارات في سماء المُدن السعودية.
إجمالاً، انطلق هذا المسار الجديد والمُندفع على أرضية التسوية التي رعتها بكين بين الرياض وطهران، وبعد أن شهدت عملية السلام تحت المظلة الأممية جمودا منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. تُفصح المحادثات السعودية – الحوثية عن الثقل الإيراني الفعلي على الحوثيين والذي ساعد في تحسين استجابتهم للمسار التفاوضي، إلا أن أي عائد سياسي لأي اختراق يوقف الحرب في اليمن سيُنسب فضله إلى بكين، وهذا لن يكون مريحاً لواشنطن كونه يمهد الطريق لدور صيني جديد في منطقة لم يكن للصين فيها نفوذ يُذكر على مدى التاريخ. لا تستطيع واشنطن الاعتراض بشكل علني على أي تطور مسار السلام في اليمن، ولكنها بالتأكيد ستكون قلقة من تسوية سياسية في الخليج تتشكل على قاعدة أساس صينية.
تمنح زيارة وفد الحوثيين إلى الرياض شكلاً من أشكال الاعتراف والندية يسعون إليه (الحوثيون) بشدة، ويبدو خطاب الحوثيين ليّنا وإيجابيا حتى الآن. إلاّ أن هذه الزيارة تطرح العديد من الأسئلة: ما هو الدور السعودي الآن؟ لقد حرصت السعودية في بيان وزارة خارجيتها على تأكيد دورها كوسيط وصاحبة مبادرة، وأكدت على شراكتها مع سلطنة عمان في إدارة الوساطة، ولم يسجل الحوثيون أي اعتراض علني على هذا التوصيف كما كانوا يفعلون في الماضي، وبالتالي قد يكون صمتهم علامة رضا كما يبدو تعكس تنازلا ضمنيا منهم حول هذه النقطة، على الأقل في الوقت الحالي.
فضلا عن ذلك، تأتي زيارة الحوثيين فعلياً وهُم في وضع ضعيف نسبياً، في ظل تزايد الضغوط الاقتصادية في الداخل. أتاح وقف الأعمال العدائية – بعد توقيع الهدنة – فرصة للناس للمطالبة برواتبهم المستحقة التي عُلّقت بذريعة الحرب ويشكل تصاعد الانتقادات السياسية والاحتجاجات الشعبية في مناطق سيطرتهم حول هذه المسألة قلقاً حقيقياً للجماعة، ويأتي بالتزامن مع ضغوط إيرانية وعمانية لدفع الحوثيين للاستجابة للمسار التفاوضي وخفض سقف مطالبهم المتطرفة. وكما يبدو، لم يعد بالإمكان ربط ملف إيرادات النفط والغاز الحكومية بتحقيق اختراق في ملف دفع رواتب الموظفين العموميين، لكن يُتوقع أن تدفع المملكة رواتب جميع الموظفين العموميين الحاليين في اليمن لفترة ستة أشهر، بينما ستُدير الأمم المتحدة مفاوضات بين الأطراف لمناقشة مسألة تخصيص العائدات لدفع الرواتب، بما في ذلك عائدات النفط والغاز بعد استئناف عملية تصديرها. وفي حال وافق الحوثيون على ذلك – كما تقول المؤشرات – فسوف يمثل تقدماً ملموساً في سير المحادثات.
بالتأكيد تبقى عدد من التحديات المقلقة، وأهمها ألا ضمانة على إمكانية حدوث حوار سياسي بين أطراف الصراع اليمنية، واحتمالية تجدد القتال بعد فترة تكون فيها جماعة الحوثيين قد ضمنت دفع الرواتب لفترة معقولة تكفل إسكات الانتقادات الشعبية في مناطق سيطرتها، وترتيب وضعها عسكرياً للتحرك مجدداً من أجل بسط سيطرتها على مناطق جديدة هامة، وعلى رأسها مأرب التي استهدفها الحوثيون بحملة عسكرية واسعة في ٢٠٢٠ – ٢٠٢١م وتكبدوا فيها خسائر فادحة.
يظل اتفاق إستكهولم (٢٠١٨) – الذي فشل المجتمع الدولي في الدفاع عنه – نموذجاً لاستراتيجية الحوثيين بتقديم تنازلات مرحلية لتجنب أزمة داخلية، ومن ثم التراجع ورفض تنفيذ الشروط المتفق عليها. وهذا أقرب إلى التكرار الآن، ما لم يتزامن التفاوض على الموارد والقضايا الاقتصادية مع التفاوض السياسي. صحيح أن التفاوض السياسي سيستغرق وقتا طويلا للغاية، لكنه بحاجة لأن يبدأ الآن، في هذه اللحظة – فأي تأجيل له سيتيح للحوثيين إجهاض العملية بمجرد حصولهم على الأموال.
تبقى الإمارات وحلفاؤها حاليا الطرف الوحيد الذي يستطيع تعطيل هذا المسار، في ظل تهميش دور مجلس القيادة الرئاسي (المدعوم من السعودية) وباقي الأطراف اليمنية. فالانقسامات البينية داخل المجلس الرئاسي قوضت دوره تماماً ولم يكن لدى السعودية أي حرج من دعوة الحوثيين للتفاوض من دون إشراك الحكومة اليمنية. ومع تآكل القوة السياسية لحزب الإصلاح، يبقى المجلس الانتقالي الجنوبي الطرف الوحيد القادر على قول لا لمسار التنازلات السعودية للحوثيين، إلاّ أن الصدع السعودي -الإماراتي يحمل في طياته مآلات خطيرة ووخيمة على عملية السلام في اليمن.
الحديث عن الحوثيين كجماعة خرجت من رحم حرب ليس فيه قدر كبير من المبالغة. فالجماعة تشكلت وظهرت بُنيتها أثناء حروب صعدة الممتدة بين ٢٠٠٤و ٢٠١٠. وبعدها بفترة وجيزة، انخرطت الجماعة في الانتفاضة الشعبية عام ٢٠١١، ثم في مؤتمر الحوار الوطني، لكنها لم توقف بتاتاً عملياتها العسكرية شمال صنعاء – سواء ضد السلفيين في دماج أو تمددها شرقاً نحو الجوف وغربا حجة. صاعد الحوثيون وتيرة معاركهم مع نهاية مؤتمر الحوار الوطني بدايات عام ٢٠١٤، زاحفين نحو العاصمة صنعاء التي سقطت في أيديهم في ٢١ سبتمبر/ أيلول من نفس العام. استمر توسّعهم حتى وصولهم عدن، لتندلع الحرب بإعلان السعودية تدخلها العسكري في اليمن يوم ٢٦ مارس/ آذار ٢٠١٥.
إذن، الحرب هي من شكّلت جماعة الحوثيين وبلورت طبيعتها المتوجسة والمرتابة وبُنيتها العسكرية. لم تُوقف الجماعة آلتها العسكرية على مدار تسعة عشر عاماً، وكانت جميع إنجازاتها مرهونة بنجاحاتها العسكرية – وبالتالي، يُعدّ السلام أكبر تحدٍ تواجهه الجماعة منذ نشأتها.
منذ بدء سريان الهدنة في أبريل/ نيسان 2022، واجهت الجماعة تصاعد حدة الغضب الشعبي ضدها بسبب الفساد وجمع أموال هائلة من الضرائب والزكاة والخمس والجبايات، دون تقديم أي خدمات أو مرتبات بالمقابل. بالسلام، فقدت الجماعة شمّاعات فشلها، فالحرب والعزلة المفروضة على مناطق شمال اليمن في ظل الواقع العسكري كانت أعذاراً جاهزة لتبرير تردّي الأوضاع المعيشية.
منذ النشأة، تبنى الحوثيون خطاب المظلومية كجماعة اضطهدتها حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لكن لاحقا – منذ عام ٢٠١١ وحتى استيلائهم على العاصمة صنعاء – تبنت الجماعة خطابا ثوريا يتغذى على مظالم الناس المتعلقة بالفساد. وسرعان ما وفّر التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية غطاء شرعيا لسلطتهم تحت ذريعة الدفاع عن اليمن ضد العدوان الخارجي، وبالفعل أثبت هذا المنطق نجاعته بشدة خاصة في المناطق التي تعرضت لقصف سعودي مكثف.
اليوم، بنى الحوثيون دولتهم الخاصة بالفعل حيث يطبقون فيها معتقداتهم الأيديولوجية، وبالتالي لا شيء قد يُقنعهم بالتنازل وتشارك السلطة مع بقية القوى اليمنية. لكن مع استمرار ضعف كفاءتهم واستشراء فسادهم وسوء حُكمهم، ستواجه الجماعة أزمة شرعية جديدة. قد يواجه الحوثيون تحدياً في الحفاظ تماسك الجماعة، في ظل تنامي الخلافات بين أفرادها على الأموال والنفوذ. فهناك جناح حوثي يميل للتقارب مع السعودية بغية الاستفادة اقتصادياً، في حين ينظر جناح آخر متأثر عقائدياً بإيران لأي تقارب مع السعودية بتوجس عميق. وأخيراً، قد يظهر انقسام بين فئة ظلت تخدم سلطة الحوثيين أثناء فترة الحرب وجنت بذلك ثروة ونفوذا، وبين فئة العائدين من جبهات القتال الذين تعتريهم الغيرة من رؤية من ينعمون بمكاسب دون وجه حق.
بالتالي، أي محاولة لضبط الجماعة على إيقاع محادثات السلام قد يؤدي لنتائج عكسية، كون السلام بحد ذاته يشكل تهديداً وجودياً للجماعة، مما قد يؤجج مزيدا من العنف.
لذا ليس أمام الحوثيين سوى خيارين: الإصلاح الذاتي للتأقلم مع وضع السلام، أو افتعال حرب جديدة. يبدو الخيار الأول مستبعدا لجماعة عقائدية لطالما جنت مكتسباتها بقوة السلاح عوضا عن الكفاءة السياسة أو الإدارية، وبالتالي الإصلاح قد يعني التخلص من دوائر النفوذ وشبكات الفساد التي بنوا عليها سلطتهم وضمنوا من خلالها ولاء أتباعهم. كما أن قرار الإصلاح يُعد خطوة محفوفة بالمخاطر في بيئة مجتمعية معادية. بيد أن السلطة والنفوذ غيرت سلوكيات بعض الجماعات العقائدية فيما مضى، وقد تتيح مناخا جديدا من البراغماتية السياسية.
الخيار الأخر للحوثيين هو افتعال حرب جديدة لتحشيد المجتمع والحفاظ على تماسك الجماعة وكبح جماح المعارضة الشعبية، والسيطرة على المجتمع بإثارة الشعور بعدم الأمان واستغلال الخوف المتجذر. لا يُستبعد – في حالة تجدد المعارك القتالية – أن نشهد تناميا في نشاط تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في اليمن، وهو ما سيمنح الحوثيين ذريعة لإعادة تشغيل آلتهم العسكرية والعودة إلى البيئة المألوفة بالنسبة لهم. فهُم لطالما أجادوا الحروب لكنهم أخفقوا كلياً في استيفاء المتطلبات والمسؤوليات التي يُمليها السلام.
في حين يبدو الطريق سالكاً الآن أمام الحوثيين لإبرام اتفاق مع الرياض، تتزايد العقبات أمام الدور السعودي في جنوب اليمن. في يناير / كانون الثاني 2023، كثف السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر المحادثات المباشرة مع الحوثيين في مسقط، ورتّب لزيارة سرية إلى صنعاء. أتبع السعوديون ذلك بزيارة علنية إلى صنعاء في شهر أبريل/ نيسان، حظيت بتغطية إعلامية كبيرة. ورغم أن كلتا الزيارتين لم تسفرا عن تقدم سياسي ملموس، فقد نجحتا في استفزاز المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن عن إعادة هيكلة بنيته التنظيمية واستقطاب عضوين من مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني وعبدالرحمن المحرمي. وقد فُهمت هذه الخطوة على أنها إجراء استباقي من المجلس الانتقالي في حال عرضت عليه الرياض مبادرتها للتسوية مع الحوثيين كأمر واقع.
تزامناً مع ذلك، كثّف المجلس الانتقالي الجهود لتوسيع رقعة نفوذه إلى حضرموت – المحافظة الغنية بالنفط شرقيّ اليمن. وردا على ذلك، قامت الرياض برعاية حراك سياسي وقبليّ في حضرموت انتهى بالإعلان عن تشكيل مجلس حضرموت الوطني. ورغم أن هذا المجلس لم ينجز شيئا يُذكر حتى الآن، إلا أنه أكّد في المحصلة توجه الرياض إلى عزل المجلس الانتقالي الجنوبي سياسيا.
استمرت موجة التصعيد المتبادل في الجنوب منذ مايو/ أيار وحتى يوليو/ تموز، حين شهدت المحادثات السعودية-الحوثية جموداً. حينها اتضح أن “مجلس حضرموت الوطني” كان مجرد إجراء دفاعي سعودي، ولم يكن مشروعا استراتيجيا لإعادة تشكيل الجنوب اليمني. بالتالي، فضل الطرفان الجنوح إلى التهدئة؛ وعاد عيدروس الزبيدي إلى عدن ليمارس منها نشاطه كنائب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي.
هذه التهدئة الهشة تبدو مهددة الآن مع الإعلان عن زيارة وفد من جماعة الحوثيين إلى الرياض. فتركيز السعوديين المفرط على استرضاء الحوثيين، وتهميش حلفائهم المحليين في معسكر الحكومة الشرعية عزّز القناعة السياسية لدى المجلس الانتقالي الجنوبي بأن الرياض تحترم الخصم صعب المراس أكثر من الصديق الملتزم. وعليه ومن وجهة نظره، فإن الطريقة الأنسب لفرض المجلس الانتقالي كلاعب رئيسي في أي مسار تفاوضي مرتقب سيكون بالعودة إلى سياسة الأمر الواقع؛ حتى وإن كان ذلك يهدد بتصنيف المجلس الانتقالي ككيان مارق من قبل السعودية وحلفائها الغربيين. بالنسبة للمجلس الانتقالي، ما جدوى أن ينال مشروعية قانونية وينضم إلى المؤسسات الرسمية للحكومة الشرعية، إن كان سيتم تهميشه سياسيا في أي تسوية نهائية؟!
أظهر سياق الأحداث منذ العام الماضي أن المحرك الرئيسي لجهود السلام في اليمن لم يكن التوافقات الوطنية أو المحلية، بل التفاهمات الإقليمية – انطلاقا من التقارب السعودي-الإيراني ومرورا بـالوساطة العمانية. وعليه، من المنطقي أكثر أن يتموضع المجلس الانتقالي سياسيا مع داعمه الأساسي (الإمارات) وأن يتبنى سياسة تعطيلية ردّا على إقصاء أبوظبي من المحادثات الجارية.
هذا ويشير كل ما تسرب إلى العلن عن مقترحات وشروط التسوية إلى استعداد السعوديين للمساومة على حقوق وموارد الجنوب في مواجهة مطالب الحوثيين المتطرفة، وهو ما قوبل برفض وعناد شديد من الجنوبيين، كما عبر عنه أحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي حينما قال في اجتماع عُقد مؤخرا: “لقد ناضلنا في الجنوب لسنوات كي ننتزع مواردنا من مركزية صنعاء وهي في عهد الجمهورية… ثم يُراد منا الآن أن نسلمها لصنعاء وهي في زمن ولاية الفقيه؟!”.
على صدى أنباء زيارة وفد جماعة الحوثيين إلى الرياض، تجدّدت آمال السلام لدى الشعب اليمني الذي عانى الأمرّين خلال السنوات التسع الماضية. محاولتنا لضبط مستوى هذه التوقعات هي خطوة لا تبعث السرور في أنفسنا، لكنها ضرورية لتسليط الضوء على العناصر التي لا تزال مفقودة لإعداد وصفة سلام ناجحة. شخصيا، لا يسعني إلا أن آمل أن تبذل الأطراف جهودها وتُقدم التنازلات المطلوبة لتحقيق السلام.
بالمجمل، لم تطرح أي من الأطراف المتحاربة داخل اليمن رؤية واضحة للتعايش السلمي، وشهدنا طوال فترة الحرب تمسكهم بأسلحتهم مطالبين باستسلام الجانب الآخر. إن الصِيَغ الجاهزة التي تعتمدها الأمم المتحدة لتحقيق المصالحة الوطنية لا تحظى بسجل حافل بالنجاح – فكُل بلد لديه ظروفه وسياقه الفريد، وتعاني العديد من الدول في مختلف مناطق العالم من الهشاشة أو الفشل لأنها لم تجد الترتيبات المناسبة لسياقها وظروفها.
حتى إن وُجدت الإرادة السياسية للتوصل إلى تسوية واسعة، فإن فرص نجاحها ستظل صعبة. لا تملك الأطراف اليمنية المتصارعة ولا الداعمون الإقليميون خبرة في صياغة اتفاقيات دائمة لتقاسم السلطة (أو الثروة). فَترتيبات تقاسم السلطة التي شهدها اليمن – كتلك التي أدت إلى توحيد شطري اليمن عام ١٩٩٠، أو اتفاق السلم والشراكة بين جماعة الحوثيين (أنصار الله) والمكونات السياسية اليمنية الأخرى في عام ٢٠١٤، أو حكومة الإنقاذ الوطني المعلن عن تشكيلها بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء عام ٢٠١٦ – انتهت جميعها بإراقة الدماء. من جهة أخرى، تتمتع الجهات الفاعلة الإقليمية بِخبرة متواضعة في صياغة ترتيبات دائمة لتقاسم السلطة، وأبرز مثال هنا اتفاق الطائف لعام ١٩٨٩ الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية لكنه فشل في إنتاج حكومة فعالة. مع غياب اتفاق شامل يستحيل إرساء سلام مستدام في اليمن، ولا يوجد في سجلات اللاعبين بالرياض سبب يدفعنا للاعتقاد بأننا سنخرج بأمر مختلف هذه المرة.
جلب الاستقرار في السياسة، مثله في ذلك كمثل الاستقرار في البُنيان، يتطلب تحقيق التوازن المناسب. رغم حديثها عن اللامركزية، لم تتمكن الأحزاب اليمنية من تطبيقه أو حتى التعبير بوضوح عما تعنيه بذلك. أسّس الحوثيون مستوى من السيطرة المركزية لم يشهد اليمن مثيلا له من قبل، كما أظهرت أطراف أخرى مستوى من الاستبداد لا يتماشى مع مبادئ تقاسم السلطة. في واقع الأمر، الحوثيون والجماعات المسلحة المنضوية تحت مجلس القيادة الرئاسي، ناهيك عن داعميهم السلطويين، هم الأطراف الأكثر استبدادا في اليمن. تم تجاهل الأطراف غير المسلحة من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية، وإلى حدٍّ ما من قبل الأمم المتحدة، وكذلك تجاهل الدعوة إلى اتباع نهج “الخيمة الكبيرة” الذي يجمع كافة أصحاب المصلحة في منتدى واحد لمناقشة جوانب السلام وهيكل الدولة، بينما تناقش الجماعات المسلحة تدابير خفض التصعيد ووقف الأعمال العدائية. وبالتالي، لا ينبغي الاستهانة هنا بحجم المخاطر التي تشكلها الطبيعة الاقصائية لهذه المحادثات الجارية.
إذن، السبيل الوحيد لتحقيق التوازن هو خلق وسائل ردع متعددة لتجاوزات الجماعات المسلحة. ومع ذلك، لا يتضح بعد كيف يُمكن للأطراف الأضعف الدخول في ترتيبات لتقاسم السلطة مع جماعة الحوثيين الأكثر قوة بمراحل. على هذا الأساس، صاغ الخبراء المشاركون في النسختين الأولى والثانية لمنتدى اليمن الدولي اللذين نظمهما مركز صنعاء في ستوكهولم عام 2022 وفي لاهاي يونيو/ حزيران هذا العام، رؤية لقطاع أمني لامركزي يُتيح مستوى معقول من التوازن بين الجماعات المسلحة والسلطات المحلية والحكومة المركزية. من شأن هكذا توازن، إذا ما دعمته الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية، أن يُرسي الأساس اللازم لتحقيق سلام دائم. بخلاف هذا، لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأنه سيتم التوصل إلى نفس النتيجة في الرياض.
أدت موجة من الحراك الدبلوماسي في منتصف سبتمبر/ أيلول، تضمنت زيارة لوفد من جماعة الحوثيين إلى الرياض إلى تجدّد التكهنات بشأن تقدم العملية السياسية بين السعودية والحوثيين إلى نقطة مفصلية، مما يثير التساؤلات حول ما إذا كانت إيران، الداعم الأساسي للحوثيين، تسنِد ظهر هذه المحادثات وأهدافها للقيام بذلك.
قرار السعودية بالتدخل عسكريا في اليمن عام ٢٠١٥ أحدث تغييرا عميقا في نهج إيران، فرُغم تزايد دعم الجمهورية الإسلامية للحوثيين باطراد، لم تكن العلاقة مع الجماعة أولوية حتى ذلك الحين. بمجرد أن رأت طهران منافستها السعودية غارقة في وحل حرب مُعقدة بدا واضحا أنها لا تستطيع الفوز فيها، سارعت (أي إيران) الى تعزيز تواجدها في اليمن، حيث زوّدت الحوثيين في السنوات التي تلت بقطع غيار أسلحة متطورة – بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة – فضلا عن تقديم المساعدة التقنية والفنية لتجميع وتركيب قطع هذه الأسلحة محليا واستخدامها بفعالية. بالتالي، مثّلت المأسسة الكبيرة لهذه الشراكة بين إيران والحوثيين عائدا استراتيجيا هائلا مقابل استثمار مادي متواضع: فقد اكتسبت طهران موطئ قدم قوي على الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية ، بتكلفة منخفضة، وساهمت في دفع منافستها السعودية إلى مستنقع حرب مكلفة تحاول الأخيرة جاهدة تخليص نفسها منه.
إيران لا تُعارض عملية السلام في اليمن، بل في الواقع هي على استعداد لدعم العملية بنشاط ولكن بدافع واحد يجب الانتباه له: وهو أن تؤدي (أيّ عملية) إلى ترسيخ نفوذ الحوثيين والمكاسب الإيرانية. هذا ما يحدث الآن، و رُغم المزاعم المتناقلة على وسائل الإعلام بأن المحادثات تهدف إلى إنهاء الحرب في اليمن، فإن الرياض والحوثيين لا يتفاوضون على سلام مستدام. تحاول السعودية منذ سنوات تقليل التكاليف المترتبة على انسحابها من حرب أصبحت منذ فترة طويلة قضية خاسرة وميئوس منها. وفي حال نجاح المحادثات السعودية- الحوثية، ستكون النتيجة إضفاء طابع مؤسسي على سلطة الحوثيين وبقاء اليمن كدولة مجزأة في ظل عدم حلّ الدوافع المحلية الجذرية للحرب الداخلية، والدوافع التي أدت إلى ظهور أعمال العنف قبل التدخل السعودي. حتى الآن، لا توجد مؤشرات على إمكانية معالجة هذه الأسباب بنجاح على المدى القريب.
مع إنتصار الحوثيين في الحرب، لم يعُد لديهم حافز كبير لتقديم تنازلات جدّية للسعودية، ناهيك عن تنازلات للحكومة الضعيفة والمشرذمة المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية. هدف الحوثيين هو انتزاع الاعتراف الدولي لسلطتهم وتعزيز هيمنتهم على شمال غرب اليمن. ولأن هذه أهداف تؤيدها وتشاطرها إيران تماماً، لدى الأخيرة مصلحة كبيرة في المساعدة على تهيئة مساحة سياسية لنجاح المفاوضات. لكن بمجرد أن ترى إيران أن المفاوضات لا تسير في هذا الاتجاه، لن تتردد في إجهاض العملية وتشجيع الحوثيين على التمسك بمطالبهم المتطرفة. بالنسبة لإيران، فإن إطالة أمد العملية السياسية يعني استنزاف السعودية، وبالتالي تبني طهران تقديراتها – بشكل صحيح – على ما تمتلكه من نفوذ يكفي لتحلّيها بالصبر.
كانت هناك تكهنات بأن السعودية ربما تهدف إلى إبعاد جماعة الحوثيين عن إيران، وإقناعهم بالتخلي عن العرّاب القديم مقابل السلام والتنمية. هذا وارد، وهناك بالتأكيد سابقة في التاريخ اليمني لمثل هذه التحوّلات المفاجئة في التحالفات. إلا أن القول يظل أسهل من الفعل، فَالشراكة بين إيران والحوثيين راسخة بعُمق في مقابل قدر عالٍ من الثقة المعدومة بين الحوثيين (وخاصة الجناح المتشدد الصاعد الآن داخل الجماعة) والسعودية. علاوة على ذلك، في حال قبلت جماعة الحوثيين بزيادة التقارب مع الرياض، يُتوقع أن تنفذ إيران تكتيكها المعتاد المتمثل في تشجيع العناصر المتشددة الموالية لطهران على الانشقاق عن الجماعة والحفاظ على شراكة وثيقة معها، وهو على الأقل سيُمكّن الجمهورية الإسلامية من الحفاظ على قدر من نفوذها.
هذا التحليل هو جزء من سلسلة إصدارات ينتجها مركز صنعاء بتمويل من الحكومة الهولندية. تستكشف السلسلة قضايا ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وبيئية، بهدف إثراء النقاشات وصنع السياسات التي تعزز السلام المستدام في اليمن. الآراء المعرب عنها في هذا التحليل لا تعكس آراء مركز صنعاء أو الحكومة الهولندية.