الانقسام اليمني يطغى على الذكرى الـ34 للوحدة

عبدالرحمن انيس: "النهار العربي"

أمام سارية طويلة بمحاذاة نقطة تفتيش أمنية في مديرية خورمكسر في عدن، وقف محمد عصام (50 عاماً) قبل بضعة وثلاثين عاماً متأملاً علم جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية وهو يرفرف عالياً. رفع بصره على مدى طول العلم، قبل أن يقدم بطاقة هويته الى رجل الأمن الجنوبي الذي كان هو الآخر يحمل العلم على كتف بزته العسكرية.

محمد عصام مواطن من شمال اليمن، زار عدن مرة واحدة بعد اعلان الوحدة اليمنية في 22 أيار (مايو) 1990، ويزورها حالياً للاستقرار فيها للتجارة. لكن شتان بين الزيارتين "فالناس في عدن كانوا وحدويين أكثر منا لكنهم كفروا بهذه الوحدة الآن"، يقول.

علم الوحدة "استفزاز"
"لا وجود لعلم الجمهورية اليمنية في عدن إلا في قصر معاشيق الرئاسي ولا يمكنك هنا أن ترفع علم الوحدة، سيعدّ هذا استفزازاً للناس وقد تتعرض الى ما لا يحمد عقباه"، يضيف عصام.

ويشرح أن الجنوبيين "كانوا يرددون قبل عام 1990 في الطابور الصباحي في المدارس والمعسكرات شعارات تحقيق الوحدة اليمنية، وكان نشيدهم الوطني قبل الوحدة هو النشيد الحالي للجمهورية اليمنية، أما الآن فيرددون نشيداً انفصالياً في طابور المدرسة لا علاقة له بالنشيد الجمهوري الرسمي، ولا يشبه حتى نشيد دولتهم الجنوبية السابقة، لقد كرهوا الوحدة تماماً وهم الذين كانوا سباقين لها".

مسيرة الوحدة والانفصال
تصادف اليوم، 22 أيار 2024، الذكرى الـ 34 لتوقيع اتفاقية اعلان الوحدة اليمنية عام 1990 بين جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية وكان يمثلها آنذاك الأمين العام للحزب الاشتراكي علي سالم البيض، والجمهورية العربية اليمنية وكان يمثلها آنذاك الرئيس علي عبدالله صالح.

وقعت الوحدة اليمنية بشكل سلمي وطوعي وبمبادرة من الشريك الجنوبي، الذي تنازل عن عاصمة البلاد وعملتها وعن منصب الرئيس مقابل وحدة فورية اندماجية تذوب فيها شخصية الدولتين في دولة واحدة تسمى "الجمهورية اليمنية"، وما هي إلا سنوات قليلة حتى بدأ تذمّر الشريك الجنوبي معتبراً أن الشمال لا يمارس سياسة وحدة بل سياسة "ضمّ وإلحاق".
 


بلغ ضيق الشريك الجنوبي مبلغه بعد انتخابات 1993 البرلمانية والتي حاز فيها الحزب الاشتراكي مقاعد قليلة في البرلمان وسط اكتساح حزب المؤتمر الشعبي العام غالبية المقاعد، وتراكمت التوترات والاحتقانات لتنتج لاحقاً حرب صيف 1994 عندما اجتاحت الجنوب القوات الموالية للرئيس صالح وبمشاركة من بعض القيادات الجنوبية المناوئة للحزب الاشتراكي اليمني.

تمكن صالح من تطبيع الأوضاع بعد الحرب، لكن الامتعاض من سياسات ما بعد الحرب كان يتراكم شعبياً في الجنوب إلى أن اندلعت انتفاضة الحراك الجنوبي في 7 تموز (يوليو) 2007 مطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية السابقة قبل عام 90.

واجهت السلطات احتجاجات الجنوبيين بالقمع وسقط المئات بين قتيل وجريح، إلى أن جاءت حرب 2015 لدى اجتياح ميليشيا الحوثي المحافظات الجنوبية قبل أن تتمكن مقاومة الجنوبيين من طردها.

الانقلاب والانفصال
يرى الصحافي اليمني نائب مدير تحرير صحيفة "14 اكتوبر" أيمن عصام اليافعي في حديث إلى "النهار العربي" أن الوحدة اليمنية لم يبقَ لها وجود على الأرض إلا في تشكيلة مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم ثمانية أعضاء بالمناصفة بين الشمال والجنوب.

ويقول: "الممارسات الانفصالية ليست في عدن فقط التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل سياسي لقضية الجنوب، بل وحتى في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثي، فالطرقات مغلقة بين الشمال والجنوب، وثمة ضرائب جمركية على أي سلع تتجه من الجنوب الى الشمال، واليوم هناك حكومة شرعية في الجنوب وأخرى غير معترف بها في الشمال وعملتان منفصلتان ومنهجان دراسيان مختلفان".

وحدة منتهية
ويعتقد رئيس تحرير موقع "خليج عدن" وائل القباطي أن استمرار الوحدة بصيغتها الحالية الاندماجية أصبح أمراً مستحيلاً نتيجة لما عاناه الجنوبيون بعد حرب صيف 1994.

ويقول في حديث الى "النهار العربي": "كان خيار الوحدة الاندماجية الفورية من الأساس خياراً خاطئاً، نظراً إلى اختلاف النظامين في الشمال والجنوب قبل الوحدة، وكان يفترض البدء بوحدة كونفيدرالية أو فيدرالية وصولاً بعد ذلك الى الاندماج الكامل، لكن تم البدء بالاندماج الفوري من دون تهيئة حقيقية تضمن استمرارية بقاء الوحدة، الأمر الذي نتجت منه أخطاء ومظالم كانت سبباً في مناداة الجنوبيين بالانفصال".

ويرى القباطي أنه "ليس هناك من حل لتجنب الانفصال سوى إعادة صوغ الوحدة وفق نظام آخر يضمن شراكة في السلطة والثروة، عدا ذلك فإن الانفصال بات أمراً واقعاً ولم يتبق سوى إعلانه رسمياً".