برشلونة و ريال مدريد .. الفار يخطف الأنظار ..!

(كريتر سكاي):خاص
تحليل- محمد العولقي:

كلاسيكو الأرض بين الغريمين المتوثبين برشلونة وريال مدريد .. شغل الناس وملأ الدنيا ضجيجا وصخبا .. ربما من المرات النادرة جدا في تاريخ الفريقين أن يطل موعد الكلاسيكو وهما في حالة تشابك في صدارة لاليجا ..

ربما كانت من المرات القليلة التي يخرج فيها الكلاسيكو عن سكة الواقعية .. نتيجة المباراة النهائية ضاعفت من الغموض .. ليس لانها لم تمنح ريال مدريد نقاط الفوز الكاملة فقط .. ولكن لأن برشلونة نال نقطة بيضاء .. وحرم ريال مدريد من نقطتين .. وبقي الوضع على ما هو عليه .. برشلونة أولا .. وريال مدريد ثانيا .. ودائما بفارق الأهداف فقط..

ريال مدريد برشلونة، ذهاب الدوري الإسباتي، موسم 2019

مهما يقال عن انحياز ملعب كامب نو لفريقه برشلونة .. ومهما قيل من أن برشلونة سيذل ريال مدريد في ليلة الانفصاليين الصاخبة جدا .. جاءت نتيجة المباراة الصفرية لتؤكد أن التوقعات كانت مجرد طحالب فاترة .. لا تحركها سوى نزعة العاطفة .. جاءت النتيجة لتعمق عقدة زيدان .. فحتى الآن عجز برشلونة عن الفوز على الريال في كامب نو تحت قيادة زيدان .. وهو أمر استدعى أحد الظرفاء لأن يطالب بتسمية الملعب كامب زو.. نسبة لزيزو ..

كانت كاتالونيا كلها تغلي على مرجل الكلاسيكو .. حشدت كل رساميها لأجل الخروج بتيفو جديد .. تيفو يزلزل الريال نفسيا قبل أن تنطلق مواجهة الذهاب المؤجلة بأسابيع ..

لم ينجر ريال مدريد نحو هذه الدائرة الملتهبة سياسيا .. لم يخض في تفاصيل وجزئيات الصراع .. بدأ وكأن زين الدين زيدان قد سيج حول فريقه سياجا فولاذيا يستحيل أن تمر منه شائعة واحدة ..

بالضبط أيها السادة .. حشد برشلونة كل الشائعات الزاحفة و الطائرة .. أخرج من فوهة الأرشيف ما هو أبعد من صراع الأقلام و الأقدام بين المعسكرين الثائرين كرويا ..

لم يهمل جديبة ولا نقيصة سابقة الا وعراها الإعلام الكتالوني وأحصاها و محصها .. منهم من نفخ في كير الأرقام لتصدير الشك للاعبي الريال .. ومنهم من ذهب إلى ما هو أبعد من حقبة الجنرال فرانكو ..

كانت المباراة بالنسبة لكاتالونيا معركة حربية .. وقودها التصريحات والشحن الإعلامي الزائد .. والناس التي تغلي كبركان ثائر .. لم يكن أحد يتوقع أن تسرق تقنية الفار جميع الأنظار في الكلاسيكو الكبير ..

وسط هذا الطوفان من الترقب .. ووسط هذا الضجيج الذي أشعل معركة الكلاسيكو قبل أن تبدأ .. لم يعر ريال مدريد سماء برشلونة الملبدة بالاحتقان أدنى اهتمام ..

ظل زيدان ثابتا .. يفكر في صياغته البشرية .. وفي قدرة البدلاء على تعويض الغيابات المؤثرة ..

زيدان وفالفيردي، ريال مدريد برشلونة موسم 2019

لم ينشغل زيدان بقوة برشلونة في الكامب نو .. ولا بثبات أعصاب مدرب برشلونة آرنستو فالفيردي.. الذي لا يشكو من الغيابات المؤثرة .. على العكس.. كان فائض جهوزية عناصره يقلق بالفعل .. هل يزج بسيرجيو روبيرتو في الوسط .. ويمنح فرصة الظهور للبرتغالي نيلسون ساميدو في اليمين ..؟

هل يعتمد على جوردي ألبا في اليسار من البداية ..؟

هل يراهن على راكيتتش على حساب بوسكيتش ..؟

فقط هذا ما كان يزعج فالفيردي .. في النهاية وافق على الحل .. بنفس السيناريو أعلاه .. لكن ليس قبل أن يمنحه ليونيل ميسي الضوء الأخضر ..؟ ربما كان إشراك راكيتتش لدواع نفسية بحتة .. لكن .. هل كان إشراك جوردي ألبا ضرورة بالنسبة لميسي ..؟

الإجابة بكل وضوح نعم .. ميسي يرى أنه يتجانس هارمونيا مع ألبا في اليسار .. وهو من دون شك يتذكر كل الهدايا السابقة التي قدمها له ألبا .. لم تكن حالة اللاعب البدنية مثار نقاش .. طالما رغب السيد في ذلك .. لا مفر من الطاعة يا فالفيردي ..

زيدان لم يرهق نفسه ببديل البلجيكي الممتاز آدين هازارد ..

لم يتوقف كثيرا عند المعوض الفعلي للبرازيلي المخضرم مارسيلو .. كان فقط يفكر في كسب معركة الأروقة .. وكان فقط يضع معادلات لمنع برشلونة من التفكير في ثلث ملعبه ..

هل نجح زيدان في تقزيم برشلونة في ليلة الغضب الشعبي ..؟

هل نجح في توريط فالفيردي تكتيكيا ..؟

بعيدا عن هذين السؤالين التقليديين .. يبرز السؤال الأهم الذي يخالف كل معطيات المباراة بنتيجتها السلبية: لماذا رفض زيدان الفوز في كامب نو؟ لماذا لم يحرك قوالبه الهجومية.. وقد كان يمتلك فرصة إذلال برشلونة في معقله ..؟

هل كان جاريث بيل هو الخيار الهجومي الأمثل في شاكلة 4/3/1/2 ..؟

الضغط العالي .. فلسفة زيدان ..

تشكيلة مباراة كلاسيكو الذهاب بين برشلونة وريال مدريد لموسم 2019

عندما أرسى زيدان قواعد فريقه على أسس متينة ..بالتأكيد كان هدفه المباشر من الضغط العالي الذي مارسه طوال المباراة.. هو إعدام الجزئيات الصغيرة .. جزئيات تتطلب مرونة تكتيكية فوق العادة .. وحضورا بدنيا في أعلى منسوب ..

لطالما ارتبطت تلك الجزئيات باللاعب الكبير ليونيل ميسي .. الرجل الذي يغطي مساحة واسعة في شاكلة لعب فريق برشلونة ..

كان زيدان يرغب في تهميش ميسي أو على الأقل ضمان حياديته .. بحكم أنه لاعب يراوغ كما يتنفس .. يصنع العجب في لحظة استرخاء بعد أن يخدرك .. ويشعرك بعدم وجوده .. لهذا لجأ زيدان إلى محاصرة وشنق كل بناءات الرواقين .. وكانت بالفعل ضربة معلم .. لأن ميسي ظهر بأقل من مستواه .. لم يظهر إلا في لحظات عابرة رغم خطورتها ..

بحدسه كلاعب كبير خبر فلسفة الخبث الكروي و التكتيكي .. كان زيدان يعلم أن ميسي لوحده قادر أن يسرق المباراة في رمشة عين.. سرقة مشروعة طبعا ..

لهذا لم يشغله تكتيك برشلونة أكثر من انشغاله بتهميش ميسي ..كان خيار الضغط العالي على بناء برشلونة يتم في ليونة مدهشة من العمق تحديدا ..

كانت خطوط برشلونة تختنق وتعاني طيلة المباراة من مشاكل في التموين .. وطالما و إن ميسي الذي يمثل لبرشلونة بنك إمداد و تموين متحرك للمهاجمين بكراته المسمومة .. فلا حل أمام زيدان سوى اعتقال المساحات .. وتفخيخ كل شبر في الملعب بألغام الضغط العالي.. لمنع ميسي من التفكير أو التنفس في الثلث الأخير من ملعب ريال مدريد ..

لعب زيدان بتوازن كبير في الوسط .. وهو عندما فضل ثلاثي ارتكاز مهاري كاسيميرو و فالفيردي و كروس.. فلأنه كان يرى مهارات المراوغة و التمرير السلس من لمسة واحدة سلاحا فعالا استغله لإخراج لاعبي برشلونة عن تركيزهم .. هذا ما فعله ريال مدريد فتفوق فنيا و تكتيكيا باكتساح على برشلونة ..

لماذا تفوق ريال مدريد بدنيا على برشلونة ..؟

مباراة برشلونة وريال مدريد في ذهاب الدوري الإسباني موسم 2019

ببساطة لأن الإعداد النفسي كان مثاليا .. ولأن تركيز اللاعبين كان في القمة .. ولأن اللاعبين انشغلوا بتنفيذ مهامهم .. لا بمطاردة ميسي كما كان يحدث سابقا ..

في مباراة من عيار الكلاسيكو من الضروري أن تحافظ على تركيزك بنسبة مائة في المائة طيلة تسعين دقيقة .. لأن اللعب أمام فريق مهاري وفني يقوده الحاوي الكبير ميسي ومعه سواريز و جريزمان.. لا يحتمل الخطأ أو لحظة شرود .. وفي هذه النقطة تفوق ريال مدريد على برشلونة باكتساح ..

أين أخطأ زيدان ..؟

زين الدين زيدان

وعندما اعتمد زيدان على نهج تكتيكي يزاوج بين توازن مجموعته البشرية فنيا و تكتيكيا.. فلأنه كان يرى في إغلاق المنافذ وعدم التفريط في أي شبر من المساحات الحساسة في العمق تحديدا .. حلا يمكن أن يبطل اللعب الآلي عند برشلونة.. مستخدما طريقة الضغط العالي ..

اندهشت حقيقة من جرأة زيدان بالاعتماد على شاكلة فلسفتها الضغط العالي.. لأن شاكلة ريال مدريد من الناحية العملية غنية بحسها الهجومي ..

تحول لاعبو الريال إلى مجموعة شغوفة بالمغامرة .. مجموعة متماسكة مشدودة دائما بسلك تكتيكي متين .. مجموعة متماسكة تشعل كل المساحات ولا تفرط في جماعيتها.. سواء في المناورة الهجومية أو في التحولات الدفاعية ..

كان زيدان مستعدا لأن يمنح هدافه كريم بنزيمه حرية السقوط مرة إلى الرواقين .. ومرة إلى عمق الوسط .. حتى لو كانت هذه الواجبات تبعده عن صندوق جزاء برشلونة ..

كان هدف زيدان المباشر تملك كل المساحات .. تنظيم الخطوط وترابطها .. كان زيدان يفكر في تجنب الخسارة بالدرجة الأولى .. ولم يكن تفكيره ينصب على تحقيق الفوز للأسف الكثير ..

ومع أن برشلونة بتركيبته الغريبة كانت تستدعي زيدان كي يلعب بمهاجم ثابت.. مهمته فقط صندوق جزاء برشلونة .. إلا أن الفرنسي لم يكن ليفرط في التوازن حتى لو كان الثمن عدم اهتزاز شباك العملاق تيرشتيجن ..

تكتيكيا ربما قدم جاريث بيل واحدة من المباريات الكبيرة .. لكن تموضعه دائما على الرواق أفرغ منطقة جزاء برشلونة من مهاجم يخرب كل بناءات الثنائي البطيء بيكيه ولانجليت ..

كان زيدان قد وضع إيسكو في تموضع مثالي خلف بنزيمه وبيل .. كان هدف زيدان من هذا التحايل التكتيكي الصرف مباغتة دفاع برشلونة من الخلف.. من خلال سحب بنزيمه وبيل لبيكيه ولانجليت ..

كان إيسكو أبعد من أن يحتوي تصور زيدان .. نعم قدم إيسكو مردودا كبيرا في فتح اللعب وفي الضغط على ديونغ .. لكنه لم يقدم الإضافة الهجومية المطلوبة ..

فالفيردي .. سقط تكتيكيا ..

فالفيردي

عجز برشلونة عن تليين طريقة لعبه التقليدية 4/3/3 .. وعجز عن تفعيل أسلوب لعبه .. ولهذا الإفلاس التكتيكي سبب منطقي ..

بدأ خط وسط برشلونة المؤلف من فرانكي ديونغ و إيفان راكيتتش و سيرجيو روبيرتو مخنوقا ومرتبكا .. متثاقلا و بطيئا.. إلى الحد الذي لم يستطع آرنستو فالفيردي تحريك الآليات الهجومية على نحو مدروس .. فقد ترك الأمر برمته لاجتهادات ليونيل ميسي فقط ..

قدم برشلونة شوطا كارثيا من النواحي التكتيكية والفنية .. ويمكن لمدرب برشلونة أن يشكر الأقدار أنها منحته حارسا عظيما مثل تيرشتيجن.. فلولاه لمني برشلونة بثلاثة أهداف لم يكن ليسأل عنها إن ولجت شباكه ..

وما لم يستطع شتيجن فعله في الشوط الأول .. فعله الفار الذي لم يتدخل في لعبتين مثيرتين للجدل .. كان خلفهما رافائيل فاران الذي طالب مرتين بركلتي جزاء لاعتقاده أن لانجليت و راكيتتش ارتكبا بحقه خطأين من الأخطاء العشرة ..

وعندما اتضح لمدرب برشلونة أنه يلعب بالنار أمام فريق يعرف كيف يخرج الشعرة من العجينة .. قرر فالفيردي تحريك أسلحة الطوارئ لعله يفلت بجلده من هزيمة محققة ..

عاد فالفيردي إلى رشده .. نزع من تشكيلته سميدو .. وأنزل المحارب فيدال في عمق الوسط .. على أن ينتقل سيرجيو روبيرتو إلى خانة الظهير الأيمن ..

كان فالفيردي يهدف من هذا التغيير إلى منح شاكلة فريقه الحمولة الفنية المطلوبة .. خصوصا و إن الفريق اختنق ولم يجد الطريقة المناسبة للتواصل .. وتحريك آليات الهجوم للخروج من مأزق الضغط المتقدم الذي مارسه زيدان بدهاء كبير ..

الفار .. لماذا لم يتدخل ..؟

الواقع .. قدم زيدان مباراة تكتيكية من الطراز الرفيع جدا .. فقط أغفل جزئية المباغتة من العمق .. بدلا من حصر الخطورة في تحركات الراوقين ميندي يسارا و كارفخال يمينا ..

أفهم طبيعة المباراة .. فلو أن زيدان لعب بمهاجم ثابت .. سيكون هذا على حساب التوازن.. و على حساب الكثافة العددية في الوسط .. وأمام فريق يعشق الاستحواذ واللعب الآلي ( الأوتاميتزوم) من الخطأ أن تفرط في شبر واحد من الملعب ..

ومع ذلك كان خروج إيسكو متأخرا .. لأن الزج بالشاب رودريجو جاء بعد أن تفهم برشلونة لخطورة الأروقة ..

لزيدان قناعاته التكتيكية في نزع المتألق فالفيردي من المجموعة.. وإدخال الكهل لوكا مودريتش .. لكن هذا التبديل منح وسط برشلونة رئة للتنفس .. هذا لأن فالفيردي حيوي .. قوي .. يعطي التوازن في العمق .. كما يعطي الإضافة كلما احتاج الريال إلى الزيادة العددية في الهجوم ..

الخلاصة .. ريال مدريد استحق الفوز في هذه المباراة ألف مرة .. وأظن لاعبيه الآن يشعرون بمرارة التعادل ..

كثرت شكوى لاعبي الريال بعد نهاية المباراة بالتعادل السلبي من دور الحكم هيرناديز في هذا التعادل .. فهم يرون ركلتي جزاء.. لا يراهما الحكم ولا الفار ..

الحكم الدولي جمال الشريف محلل قنوات بي إن سبورت .. شرح اللقطتين على مائدة التشريح .. توصل إلى أن الحكم والفار حرما ريال مدريد من ركلتي جزاء .. وهو ما أكدته صحيفة موالية لبرشلونة .. فهل فعلا سرق ريال مدريد ظلما وعدوانا تحت أنظار الفار ..؟

بعض المتابعين ذهبوا أبعد من ذلك عندما أشاروا إلى أن الحكم لو احتسب واحدة من الركلتين لاحترقت كاتالونيا عن بكرة أبيها في ظل نزعة الانفصاليين السياسيين .. وحتى لو كان ذلك صحيحا.. فليس من حق الحكم أن يتفلسف في التعامل مع روح القانون .. هذا لأن القانون والعدالة فوق كل فريق .. حتى لو كان هذا الفريق هو برشلونة ..!