عدن..من هالك الى مالك الى قابض الأرواح(1)

بعض المدن لايمكن أن تقف على قارعة زمن واحد لفترة طويلة لكنها دائمة الحركة والتغير .. كثيرة الأحداث ،كثيرة المحن . وقد تصنع منها تلك الأحداث المدينة الملجأ التي يأتي اليها البشر من كل مكان ليحتموا بقوتها وصبرها وشدتها وقت الشدائد . لكن الأكيد أن تلك المدن الصامدة الصابرة لاتكون كذلك إلا بساكنيها . وهذا لاينافي صدقها و سلميتها وحبها للخير .
عدن إحدى تلك المدن التي عاصرت الكثير والكثير من المحن والشدائد والوجوه التي فرضت نفسها على ديمومتها وأصولها الى جانب فروعها . تلك المدينة المناضلة التي ماجنحت لمتسلط قط وما رضيت بالضيم أبد .
عدن مدينة السلام أم الجائع والفقير سيدة التاجر والسياسي مقبرة البلطجي والسارق . لم تكن يوما في حالة شتات و وجع وألم على مايحدث لها على أيدي من فتحت لهم أبوابها و أوتهم وحنت على أوجاعهم ولملمت شتاتهم كما يحدث لها اليوم على يد الغزاة الجدد ولن أبالغ أن قلت غزاة . فلا يمكن أن نسمي الوافدين العابثين الناهبين الذين يحتالون على سلمية المدينة وسلامها الذين يتعمدون نكأ جراحها ويتلذذون بسماع نحيبها وهي تتلوى من الوجع .

الغزاة هنا ليسوا فئة بعينها ضد أخرى بل هم جميعا غزاة يطرقون رأسها حتى يقضون عليها . ويتكاومون فوق جسدها المتعب المنهك وكل منهم يحلم باغتصابها والنيل من عفتها .

غالبا ما يتعمد الغازي السيطرة وفرض ثقافته ووجوده بقوة السلاح والقتل ودفن حضارة وثقافة المدينة تحت ركام الدمار الذي خلفته عنجهيته و سطوته وشره . ومايحدث في عدن لايبعد كثيرا عن تلك الأخلاق السلطوية العنجهية الهادفة الى خلق مناخ آخر يتيح للغزاة السيطرة الفعلية . لكن الحقيقة أن الغزاة ليسوا طرف واحد لكنهم عدة أطراف وكل منهم يقدم مايستطيع من مهاراته في التخريب والقتل لتخلوا له الأرض ويسيطر على عدن وابنائها البسطاء الذين ليس لهم حول ولا قوة ..

ذلك القتل والتنكيل الحاصل في عدن لايحمل عنوان واحد ولا أجندة واحده .فكل منهم يحمل عناوينه وكل منهم له أجنداته وإيدلوجياته التي سيعمل جاهدا على فرضها بطريقة الترهيب مع من يعارضه والترغيب مع أصحاب القلوب الضعيفة ..

تلك المشاهد الدموية التي تتكرر على أرض عدن كل صباح ومساء من قتل وتفجير وتشريد لايمكن أن يكون سيناريوا لمسرحية واحدة أو طرف واحد فكل منهم يستخدم قدراته البهلوانية ليتخلص من الآخر وكل منهم يحاول خلط الأوراق وأرباك المشهد دون أن يظهر على المشهد أو ان يترك خلفه أي شواهد تدل عليه . طبعا لايخل الأمر من بعض المشاهد الفردية التي تتحد مع مشاهد الأطراف الأخرى فتنصهر حتى تصبح جزء منها .

لكن العنصر الأهم في تلك المشاهد هو غياب الأخلاق و موت الضمير الأنساني . وهذا شيء لم يحدث بين ليلة وضحاها لكنه نتاج لإعداد طويل كانت بدايته في ١٩٩٠ واتى أُكله مع بداية حرب ٢٠١٥ ووجد الأرض السبخة التي ترعرعت فيها مكروبات الجهل والتخلف والعادات والتقاليد والخرافة تحت مسمى الدين الصوري الذي يستخدمونه لأجل تمرير أغراضهم الدنيئة وزرعها في عقل جيل لم يجد من زمانه الا الإنحراف والبلطجة والتجهيل المتعمد وأهل غفلوا وتغافلوا ..

ولا يستطيع أحد أن ينكر أننا تأملنا خيرا في ذلك المجلس الأنتقالي الذي كنا نظن أنه بداية البداية للجنوب القادم واننا على الطريق الصحيح الذي سيصل بنا الى أحلامنا التي لطالما تكاومت على زوايا أمالنا وان محطة الوصول باتت قريبة . لكننا ومع الأسف لم نجد منه سوى قوائم تذهب و قوائم تأت ومجموعة من المتشدقين على صفحات الفيس بوك وجروبات الواتساب وغيره . ووجد مكانه هو أيضا على قائمة الأحتراف التي كانت تضم الشرعية والأصلاح وعدد من الأحزاب الى جانب جماعة الحوثي والمؤتمر لتزداد عناصر الشر عنصر جديد وتصبح القسمة أكبر لكن مع قادمين لا يسد جوعهم شيء فشراهتهم أكبر من الجميع . وأصبح الوضع كما يقال من هالك الى مالك الى قابض الأرواح .. .. و للحديث بقية
*مادة خاصة بقسم التحليلات بموقع كريتر سكاي