بائع التمر

صالح بحرق

ليس له مهنة الا بيع التمر.. يستخدم مصباحا كهربائيا يسلطه فوق أكوام التمر.. لتبدو براقة.. وأمامه إناء فيه ماء.. يدخل فيه يده ويخرجها.. بعد كل كيلة او وزنة من التمر .
يبدو محله مثل محلات الاكشاك العدنية الصغيرة.. إذ تظلل أكوام التمور مظلة خرقية بالية.. مليئة بالاخزاق.
 ولم يكن يرتدي اي طاقية تحميه من الشمس.. وجهه مستطيل أملس.. وشواربه خفيفة.. وصمته أكثر من كلامه. يلبس ساعة يد قديمة ..تحتل ساعده الأيمن.. بجانبه بائع الفجل والكرات.. يجلس في وقار واحتشام..  وعلى شقه الأيسر.. يقف بائع الخبز الفرنسي.. بجسمه السمين.. وملامحه البارزة.
واكثر زبائنه من الرجال الذين يمتهنون الحرف العضلية ويعرفون قيمة التمر  كغذاء.. إلا أن هؤلاء الزبائن لايخلون من النساء.. وخاصة العجائز اللواتي يظللن يستطعمن التمور.. قبل وزنها.. للتأكد من جودتها. وتتراوح الاسعار بين المرتفع والهابط لكنها لاتصل إلى قيمة تمور المحلات الراقية.
وقفت إلى جانبه ابحث عن تمرات يقال لها الحاشدي وأخرى يقال لها الزجاج وأخرى يقال لها قليزمية ..وقد وجدت بغيتي فاشتريت منها دفعات.. وكنت اراقب الساعة السيكو في معصمه.. وقد اكتشفت أن له سنا ذهبية.. عندما كان يبتسم مبديا ارتياحه ومشيرا إلى أهمية هذه الأنواع من التمور.. وقد تمكنت من رؤية عظام صدره وعلبه التدخين التي تركها على المنضدة الخشبية العتيقة.. وهو يهمس بكلمات اغنية قديمة.. وينش الذباب متى ما خيم على ا كوام التمور.
وفي الاوقات التي تهدأ فيها السوق ويكون بمنأى عن الزحام.. فإنه يجلس صامتا يراقب المارة.. ولم يكن ليستهويه شيء من الفضول.. وقلما كان يضع في فيه شيئا من التمر.. ولو حبات يسيرة.. كان اسير مهنته فقط.
ناولته ثمن التمور التي اشتريتها.. وقبل ان يتناول الدراهم سعل طويلا.. وقد جحظت عيناه.. واحمرت.. وتغيرت سحنته.. فجلس قبل أن يستلم النقود.. لاسترداد توازنه.
 وإذ ذاك كنت انصرف حاملا القليزمية واخواتها.. إلى منزلي.. في وسط المدينة.