البيت المهجور(قصة قصيرة)

كريتر سكاي/صالح بحرق :

‏كانت عائلة حسني تعيش في منزل تحيط به مزرعة كبيرة .. وليس بجانبه اي بيت.. لأي ساكن.. فالارض كلها ملكهم.. وجميع أولاده وبناته ولدوا في هذا البيت
 الذي يبدو الان.. بعد انتقال العائلة إلى المدينة.. بيتا مهجورا تستوطنه الغربان والاشباح.
 وغدت جدرانه متصدعة بعض الشيء.. تقاوم الزمن.. وهناك في زاوية أحد الغرف.. وضعت عكاز السيد حسني... وبعض اوان فخارية. وكان هناك في الداخل  قط متوحش لا يراوح المكان.
 وتبدو على المنزل من الداخل الروح الاستقراطية والثراء.. فالسيد حسني من الاقطاعيين.. والأسر ذات النفوذ.. وحتى عندما انتقل إلى المدينة ظل محتفظا بمكانته وسمعته.
 كان تبدو على سقف المنزل النقوش الخلابة والأشكال الجبسية والطراز المعماري الحضرمي.. ويشرف المنزل عامة على المزرعة المترامية الأطراف.
 وكانت هناك على اليمين مرجيحة لبنات السيد حسني تبدو إسلاكها قوية غير متآكلة تحكي زمن الثراء والوجاهة.. وكانت ارض المزرعة قد اكتسحها الجفاف.. وكنت تشاهد سيقان بعض الأشجار التي لم تمت.. والشقوق في الأرض والساقية التي غادرتها المياه.. واتخذتها الكلاب موطنا لها.
 وإذا يممت وجهك شطر المنزل ابصرت ذلك القط المتوحش السمين. لم تكن أسرة حسني قد تركت شيئا من المتاع.. سوى مذياع عاطل كان السيد حسني يسمع به الاخبار.. كان لم يزل متواجدا في غرفة نومه.. وبجانبه جاكيت روسي غليظ وغليون. وهناك في اليسار سرير النوم الخشبي ذو الديكور البرجوازي المرصعة جوانبه بزخارف جميلة وطواويس.. ولم تكن هناك صور على الجدران سوى صور بناته الأربع واكبرهن غادة وهي اجملهن ذات الاهداب الطويلة وشفتيها المكتنزتين  وطولها الفارع. أما زبيدة فكانت الصغرى وقد أخذت من السيد حسني ملامحه المتسامحه ووقاره وذلك الجمال اليوسفي على محياه 
.ويبدو البيت من الخارج كتحفة غارقة في الخضرة والجمال لايعكر صفوه الاأصوات الغربان ومواء القط الكبير والوحدة والصمت.
 وللوهلة الاولى لاتستطيع أن تدخل ذاك المنزل.. وعندما تكون في وسطه.. ترى الأشباح الليلية.. تمتزج أصواتها مع اصوات الحشرات في المزرعة ونباح الكلاب ومواء القط.
وقد حاول السيد حسني أن يتخلص من هذا البيت لكن أولاده أصروا على عدم بيعه.. وفي الإجازات يتخذونه مرتعا للعب واللهو.. لكن بعد أن استوطنه ذلك القط لم يكن بمقدور احد أن يهوي إليه.
صالح بحرق
البيت المهجور