الهويات القاتلة !

لا بأس أن أستعير من الروائي العالمي، أمين معلوف، هذا العنوان لكتابه "الهويات القاتلة"، لأعبر من خلاله على الوضع في بلادنا، بعدما تحولت الانتفاضة الشعبية التي يعيشها الشارع الجزائري منذ 22 فيفري الماضي، بل ما قبله، من المطالبة ببناء دولة القانون، وقبلها بإبعاد العصابة التي مكنها الرئيس السابق،  بوتفليقة، من مفاصل الدولة، ومنع عهدة خامسة، كانت ستقضي على ما بقي من مؤسسات، ومن  هب المال العام الذي تقاسمته العصابة، ورهنت بعدها البلاد في أزمة اقتصادية ستغرق الجزائر والجزائريين في الفقر المدقع، إذا لم نتصد لها الآن، ونتجاوز الخلاف السياسي الذي القائم منذ أقدم الرئيس المستقيل من  الغاء الانتخابات الرئاسية وفتح البلاد على الفوضى.

 قلت.. تحولت من المطالبة بدولة القانون والديمقراطية إلى الصراع على الهوية، بل الى صراع جهوي قزم الثورة السليمة التي أبهرت العالم وجعل منها صراع على راية، كانت تسمى راية للهوية الأمازيغية يرفعها الأمازيغ من جزر الكناري في المحيط الأطلسي، وحتى واحة سيوة في مصر، قبل أن يحاول البعض فرضها كراية للفدرالية التي تطالب بها بعض الأحزاب في منطقة القبائل، وتحولت الراية الثقافية إلى راية خاصة بالقبائل وحدهم، أو هكذا انحرف النقاش حولها، عندما حذر رئيس الأركان في خطابه مما سماه بخطر رفع رايات غير العلم الوطني.

لم تكن الراية الأمازيغية في البداية تشكل أي خطر، لأنها برزت في الشارع كراية هوية، لتتحول بعد تحذيرات رئيس الأركان من راية هوية، إلى راية تمثل مطالب سياسية، عندما تبنتها بعض الأحزاب السياسية التي تسمي نفسها بالتيار الديمقراطي، وهو التحذير الذي  كاد أن يفجر الشارع الجزائري، عندما رفعها بعض المتظاهرين في تحد واضح لتحذيرات رئيس الأركان، وانحرف، قلت، الحراك ومطالبه من مطالب يلتقي فيها كل الجزائريين إلى صراع بين منطقة القبائل والجيش، مع أن الراية تخص كل أمازيغ الجزائر، وليس القبائل وحدهم.

نعم، صارت الهويات في بلادنا قاتلة، وهي تتجه الى تقسيم الجزائريين الذين خرجوا موحدين في بداية الحراك في المطالب وتحت راية واحدة، وما زاد الطين بلة هو اعتقال من رفعوا الراية، اثنان منهم فتاتان في مقتبل العمر، ما يوحي بانحراف الحراك عن سلميته، وعن مطالبه. 

 لكن المخيف في كل ما يحدث، وبعيدا عن الحرب على الفساد التي باشرتها الدولة بتشجيع وبمطالبة من الحراك الذي رفع صور رموز الفساد وطالب بمحاكمتهم، وهو ما تقوم به العدالة حاليا بمباركة من الشارع الجزائري الذي خرج فرحا باعتقال وسجن الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى.

 المخيف اليوم، قلت، هو موجة التخوينات التي صارت تطال الجميع، من شخصيات وطنية وسياسية، ومن مثقفين، وليس المجاهد، لخضر بورقعة، وحده من كان ضحية للتخوين، فعندما ير فع الحراك تخوينا لرئيس الأركان ويتهمه  اتهامات خطيرة، فهذا يعني أنه خون مؤسسة الجيش كلها، ويعني أن ضباط الجيش وعناصره قبلت أن يقودها خائن، وهي تهمة خطيرة، وزادت من خطورتها تصريحات، المجاهد بورقعة، باتهامه بأن الجيش الجزائري هو مليشيات، وليست سليلا لجيش التحرير الوطني، وهي طعن في المؤسسة الجمهورية الوحيدة التي بقيت قائمة في وجه أعداء الخارج والداخل، وفي كرامة رجالها المرابطون على طول الحدود يحرصون الوطن ويحمونه بحياتهم وراحتهم.

لا أشكك في جهاد الرائد بورقعة، ولا في وطنيته، وأتألم أن يكون مصيره في هذا السن المتقدم السجن بسبب تصريحات غير مسؤولة، لكن أليس هناك  من حل آخر للمشكلة ؟ 

واجبنا الآن هو الالتفاف حول مؤسسة الجيش بكل مكوناتها، لأنها الوحيدة الضامنة لحماية البلاد، حتى تتخطى هذه المرحلة الخطيرة، لكن من واجبنا، بل من حقنا أيضا أن نطالب السلطة أن تعيد النظر في أمر الاعتقالات السياسية، وخاصة في قضية سجن الفتيات والمطالبة بإطلاق سراحهن في أقرب الآجال، فالأمر يتعارض مع اليد الممدودة للحوار، وقد يعمق الأزمة، ونحن في حاجة الى  رص الصفوف قبل الذهاب الى حوار وطني، السبيل الوحيد للخروج من المرحلة التي تنذر بمخاطر لا قدر الله.

مقالات الكاتب

هنيئا يا جزائر !

كل شيء فيك جميل هذه الأيام يا جزائرنا، انتصارات الفر يق الوطني التي أعادت الأمل للشباب بعد سنوات من...

هلموا إلى الحوار !

لا أدري إن كانت المجاهدة، جميلة بوحيرد، ستقبل أن تكون ضمن الهيئة التي اختارتها منظمات من المجتمع الم...

الهويات القاتلة !

لا بأس أن أستعير من الروائي العالمي، أمين معلوف، هذا العنوان لكتابه "الهويات القاتلة"، لأعبر من خلال...