ما بعد البغدادي .. ماذا عن دواعش اليمن؟
نجاح الولايات المتحدة في تصفية زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، أثار السؤال عن مستقبل التنظيم، ويبد...
نجاح الولايات المتحدة في تصفية زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، أثار السؤال عن مستقبل التنظيم، ويبدو أن هذا التنظيم سيجد نفسه عند الصعوبات ذاتها، التي واجهها من قبل تنظيم القاعدة، بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن.
ومع هذا التقاطع يبدو من المهم النظر إلى مستقبل تنظيم داعش في بلد كاليمن، نظراً للحالة الفريدة التي قدمها تنظيم القاعدة هناك ما بعد بن لادن، في استثناء لم يعرف له مثيل في المحطات الأخرى.
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يصر الباحثون على نشأته في 2009 بينما كان ظهوره الفعلي، منتصف التسعينيات، بعد أن استهدف منشآت عسكرية داخل السعودية، ومن بعدها ظهرت معسكرات التنظيم في المحافظات الجنوبية اليمنية، وكان أول معسكر للقاعدة في محافظة شبوة، وكان امتداد التنظيم وانتشاره، نتيجة من نتائج حرب صيف 1994.
وفرت السلطة السياسية الغطاء اللازم للجماعات المتطرفة، في إطار الصفقة بين نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتنظيم الإخوان فرع اليمن، ذلك الغطاء أوجد البيئة الحاضنة لاستيعاب مجاميع من المتطرفين، الذين وزعوا أنشطتهم على مستويات واسعة، مما أدى إلى استقطاب أعداد غير معروفة من الذين تشربوا بالأفكار المتشددة، وأخذت تحولهم إلى مفخخات وأحزمة ناسفة، كانت خلال عشر سنوات، قاعدة استهداف مباشرة للأراضي السعودية.
في الفترة ما بين 1995 و2011 كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أكثر الأفرع القادرة على توجيه الضربات، خاصة أن التنظيم استطاع امتصاص هجوم قوات المارينز الأميركي في يناير 2002 ورغم اعتقاد الأميركيين أنهم نجحوا في قطع ذراع تنظيم القاعدة، فإن السنوات اللاحقة أثبتت خطورة القاعدة، مع تصاعد عمليات الإرهاب التي تضاعفت في 2003 تجاه المنشآت العسكرية والمدنية السعودية، حتى أنها بلغت ذروتها في 2009 بمحاولة اغتيال وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف.
اهتزاز النظام السياسي اليمني في 2011 أدى لفرض تنظيم القاعدة وجوده على محافظة أبين، كما أنه وجد في محافظات البيضاء ومأرب والجوف وشبوة مراكز تمدد لنفوذه، واللافت أنه مع ظهور تنظيم داعش في سوريا والعراق، كان اليمن استثناءً آخر لم يلتفت إليه الباحثون والمراكز البحثية المهتمة بالإرهاب، ففي بلد كاليمن نشأ فيه تنظيم القاعدة ومع ظهور داعش لم تحدث مواجهات مباشرة بينهما، بعكس ما حدث في سوريا أو العراق أو غرب إفريقيا، لم يشهد اليمن تسجيل أي حادثة تصادم ببين القاعدة وداعش في صورة تبدو غير مألوفة.
ارتبطت عمليات تنظيم القاعدة من 1995 بالتصفيات الجسدية للكوادر السياسية والعسكرية والأمنية، وحتى الدعاة والنشطاء المدنيين الجنوبيين، وحتى في حادثة اغتيال جار الله عمر في المؤتمر العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح عام 2003 كان الاستهداف المدفوع من جهة متطرفة، وتحت سقف وتنظيم الإخوان كواحدة من أجرأ عمليات التصفية الجسدية والتي ترسم الخطوط الواضحة للعلاقة بين الأحزاب السياسية والتنظيمات الإرهابية.
من غير المعروف، مدى العلاقة بين تنظيمي القاعدة وداعش في اليمن، فالتداخل بينهما يعد من أعقد ما يمكن اكتشافه، ففي حين مازال تنظيم داعش يتحرك من زاوية التقاطعات فإن تنظيم القاعدة وتحت ما أطلق عليه (أنصار الشريعة) عاد ليبسط نفوذه في ساحل حضرموت بعد أسبوع واحد فقط من عملية عاصفة الحزم في مارس 2015 مما يطرح أيضاً تساؤلاً آخر في قدرة الإرهابيين على السيطرة السريعة على مساحة تتجاوز جغرافياً ما بسط عليه تنظيم داعش سيطرته في سوريا والعراق عندما أعلن دولته المزعومة.
في المقابل فإن عمليتين محددتين سجلهما تنظيم القاعدة في صنعاء (مجزرة مستشفى العرضي ومساجد صنعاء 2014) بينما سجل التنظيم مئات العمليات في المحافظات الجنوبية، كذلك تنظيم داعش الذي أعلن قيام (ولاية صنعاء وكذلك ولاية البيضاء) من دون عمليات ضد المدنيين أو العسكريين، بينما سجل إعلان التنظيم، قيام ولاية عدن أبين، وشهدت تلك المرحلة ضربات عنيفة، تزامنت مع عمليات تحرير عدن، وتصاعدت بعد التحرير وبلغت الاستهداف المباشر لشخصيات سياسية كالرئيس خالد بحاح ومحافظ عدن جعفر محمد سعد وشخصيات عسكرية سقط معها مئات العسكريين، وكذلك طالت العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية.
كطبيعة التعقيدات اليمنية، تظل العلاقة الملتبسة بين تنظيمي القاعدة وداعش جزءاً من تعقيدات أكبر، ارتبط فيها النظام السياسي بالتنظيمات الإرهابية ودارت الشبهات حول هذه العلاقة، التي استفادت فيها الأطراف لتحقيق مصالحها، في واقع تغول تنظيم الإخوان في السلطة، وتوفيرها للغطاء اللازم للجماعات والأفراد المرتبطين بالقاعدة وداعش، هذه التشابكات تعزز حقيقة أن اليمن سيظل بيئة خصبة للإرهابيين، الذين سيجدون صيغة الولاء عند الظواهري أو الخليفة المزعوم للهالك البغدادي، ففي اليمن تظل الولاءات مجرد غطاءات، حتى وإن تغلفت بمسوغات عقائد الانتماء لتنظيمات جهادية، قد تتصارع خارج اليمن، لكنها داخله تنسجم مع طبيعة المستهدف، في حرب لم تخرج من دائرة فتاوى تكفير الجنوبيين في 1994.