الجنوب... الحاجة إلى خطاب سياسي مقنع

شهدت الساحة الجنوبية في الأسابيع الماضية عدداً من التطورات والأحداث والظواهر التي أزاحت الكثير من الضباب عن حقيقة وضع القضية الجنوبية في هذه المرحلة الهامة. فالساحة الجنوبية التي يفترض، وفقاً للخطاب الثوري الذي تتبناه قواها وأهداف ثورة ذلك الخطاب، أن الخصم والعدو الرئيسي لها هو نظام عفاش الذي أنتجته حرب العام 1994م، باتت أطرافها المتناقضة والمتنافسة والمتنافرة تخوض غمار معارك لا علاقة لها بذلك الخصم، بل إن ذلك الخصم أو بقاياه بات حليفاً استراتيجياً لبعض قوى تلك الساحة التي اقتنعت بإملاءات قوى الدفع الخارجي لها أن لا خيار أمامها للحفاظ على دعمها مستمراً إلا بقبولها بالتعاطي مع قاتل شبابها الأول، وسفاح أحلام وطنها في الحرية.


لن يجد المتابع العادي صعوبة في التعرف على حال القضية الجنوبية اليوم من خلال الأحداث التي شهدتها الأسابيع الماضية على امتداد محافظات الجنوب الست، فعدن العاصمة الجريحة وأخواتها شهدن ومازلن يشهدن أعنف عملية تعطيل للحياة فيهن لم يمارسها معهن حتى عفاش في قمة صلفه وجبروته، لا لشيء سوى لتعطيل خروج البسطاء للمطالبة بحقوقهم، وتجيير ذلك الخروج لأهداف ممارسة الضغط على شرعية الرئيس الجنوبي هادي وحكومته من قبل بعض القوى التي رهنت أهدافها لأهداف الدول المتبنية لها مالياً، وذلك للفوز بعدد من مقاعد الحكومة القادمة، في خطوة لا تهدف إلا للحفاظ على ماء الوجه بعد النكبات والسقطات التي تعرضت لها تلك القوى، كما شهدت عدن وأخواتها ومازالت تشهد خطاباً تخوينياً عدائياً بين رفاق الخندق الواحد وصل في بعض المحافظات إلى حد المواجهة الشبيهة بالمواجهة الجنوبية الجنوبية التي شهدناها نهاية يناير 2018م، والتي ذهب ضحيتها عشرات الشباب دون هدف ولا رسالة واضحة، في عملية حملت من الرجز ما يجعل الثورة الجنوبية تحتاج إلى سنوات كثيرة للتطهر منه.


لقد كان لاستبعاد الجنوب عن المشاركة كطرف رئيس، وكذلك لتصريحات المبعوث الأممي حول لقاء جنيف الأخير، انعكاساته السلبية على القضية التي أظهرها خطاب البعض الجنوبي مهزوزة، بل وفاقدة لأهم عناصر قوتها المتمثل بعدالتها التي تقيها الحاجة لتزييف خطاب المجتمع الدولي واتباع مفردات الخطاب المبني على التدليس لتحقيق انتصارات فئوية وللإساءة لتلك القضية ولمصداقية خطابها، وهو الأمر الذي يلحق الضرر بالقضية ويظهرها هزيلة بهزالة من يتبنى ذلك الخطاب ويلقي بظلاله على جهود أبناء الجنوب التي تبذل هنا وهناك، والتي شكلت نافذة ضوء في أحداث مظلمة شهدتها هذه الفترة والتي أبرزها الخطوة الإيجابية للمناضل المحامي علي هيثم الغريب، القيادي في «الحراك الجنوبي»، والنائب لرئيس «مجلس المقاومة الجنوبية» في عدن، الذي أدرك أن الشراكة السياسية مع «الشرعية» هي أثمر للجنوب وقضيته من المساومة على عدد من مقاعد الحكومة، والذي نجح أن يمثل حضوراً إيجابياً للقضية الجنوبية من خلال تواجده في إطار الوفد الممثل لطرف «الشرعية» كممثل لـ«للحراك الجنوبي» إلى جانب بقية القوى، وهي الخطوة التي أزعجت البعض وأخرجته عن سياق الاتزان، وهو الذي يرى أنه إن كان هناك انتصار للجنوب فلا يجب أن يأتي من خارج جماعته.


لاشك أن كل ما شهدته محافظات الجنوب في الأسابيع الماضية يعد مؤشراً خطيراً يهدد القضية الجنوبية وعدالتها ويسيء إلى مصداقية خطابها ويخرجها عن الاهتمام الدولي، فالعالم يقيس أي قضية من خلال واجهتها ومن مصلحة القضية الجنوبية، أن تكون لها واجهة تقنع العالم بسلوكها وبخطابها، ولن تأتي هذه الواجهة إلا من خلال مؤتمر جنوبي يقوم على التمثيل الوطني المتساوي لمحافظات الجنوب الست وفقا للمساحة والسكان، وهي الدعوة التي تبنيناها ويتبناها أغلبية أبناء الجنوب ونخبه.

مقالات الكاتب