مقال ل عبدالرحيم الفارسي.. بلا مساحيق

قالها الرئيس الفرنسي قبل نحو أسبوع من الآن: "نحن في حرب صحية!". 

نظرات إمانويل ماكرون كانت مختلفة عن المألوف. كأني أرى فيه روح الجنرال شارل ديغول حين كان يعلن بيانات إطلاق مقاومة الاحتلال النازي من منفاه في بريطانيا.

أورد ماكرون عبارة "الحرب الصحية" عدة مرات في خطابه. وكحال أي حرب فإنه ثمة عدو، ولرئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحية إعلان حالة الطوارئ. وقد أعلنها.

نظرات ماكرون كانت تشي بشيء ما غير طبيعي.

كأني به يقول: إني أعلم ما لا تعلمون!

تحدث بوريس جونسون، بعد تردد، عن انتشار فيروس كورونا وعن كيفية التصدي له.

لم يعلن رئيس الوزراء البريطاني عن أي إجراءات فورية كبرى. فبرودة دم البريطانيين الأسطورية سادت هذه المرة أيضا.

لكن ومن خلال معرفتي الشخصية والقريبة لملامح جونسون لحوالي عقد من الزمن، أستطيع القول إني رأيت فيه شخصا آخر.

لأقلها بصراحة: إنه يبدو في الداخل مذعورا من شيء ما. لقد صار أقرب إلى شخص يبلغ من العمر 65 عاما أو أكثر.

حصل له هذا التحول في بضعة أيام.

أصداء لغة جسده تقول:

إني أعلم ما لا تعلمون!.

حينما تحدثت المستشارة أنغيلا ميركل قبل أكثر من أسبوع عن احتمال إصابة ما بين خمسين وسبعين في المائة من سكان ألمانيا بفيروس كورونا، رأيت التجاعيد ترتسم على  جباه عدد من زملائي في غرفة الأخبار بمقر القناة في أبوظبي.

قال أحدهم "إن هذا التصريح غير مسؤول".

تركته يتجادل مع المحيطين به، وشرعت في البحث عن التصريح، وعن المناسبة.

لكن طوال تلك اللحظات كان صوت خفي في داخلي يقول لي: هل عهدت الكذب في ميركل؟.

جوابي كان : لا والله. فالسياسيون عموما في ألمانيا أمْيَل ممارسي هذه المهنة إلى الصدق في القول.

أجل. المستشارة التي تجرأت فكانت السباقة لإطلاق نداء الاستغاثة والضمير في أوروبا، تخضع حاليا للحجر الطبي بعد أن فحص صحتها طبيب مصاب بفيروس كورونا.

لسان ميركل كان يقول ضمناً:

إني أعلم ما لا تعلمون!.

في الجزائر والمغرب تابعت عدة مقاطع فيديو تسخر من الوباء وتدعو الناس إلى مواصلة حياتهم كأن شيئا لم يكن.

وكانت البداية مع مغربية قروية جاهلة يتبعها على موقع يوتيوب أكثر من ثلاثة ملايين من محبي التفاهة و"الروتين اليومي".

هذه السيدة التي تُلقَّب ب"مي نعيمة" لم يسبق لها أن دخلت كُتّابا ولا مدرسة ولا تصفحت كتابا، خاطبت "جمهورها الكريم" في مقطع فيديو تحرض فيه على عصيان أوامر السلطات، ومؤكدة أن فيروس كورونا غير موجود. كل هذا كان بلسان الواثقة من نفسها.

وهي أيضا تقول: إني أعلم أكثر مما يعلمه الآخرون.

من حسن الحظ لقد أوقفتها السلطات وحققت معها ولا أدري هل ستفرض عليها "حجرا كلاميا".

لكل أمة ما تستحق من "قادة"، وبعض شعوب "السوشيال ميديا" عندنا صار لهم قادة مؤثرون من طينة "مي نعيمة".

أوليست هذه فرصة للتصالح بين ماسكي السلطة في بلداننا والمثقفين الحقيقيين لسد الفراغ الذي تسيده الجاهلون؟. 

(الصور الملحقة بالتدوينة هي لماكرون وميركل وجونسون و... "مي نعيمة")

مقالات الكاتب

وتلك الأيام نداولها

انتابني شعور صامت بالحزن وأنا أقترب من طائرة فخمة كانت رابضة بالمطار وتحيط بها رائحة الدخان. شجعني...

الحقد في زمن الكورونا

بدأ  في وسائط التواصل الاجتماعي ما يشبه تيارا يبرر التخلي عن كبار السن المصابين بفيروس كورونا،...