اتفاقيات جنيف.. بين التنظير والواقع!

يعرف القانون الدولي  نفسه بأنه (مجموعة من القواعد التي تحمي الإنسان في مناطق النزاعات ويسن قوانين ردعية لمن يقوم بانتهاك حقوق الإنسان سواء أسرى الحرب أو الاعلاميين أو مكونات المجتمع بشكل عام).. بهذه الطريقة بدأ الأستاذ مجدي حلمي، رئيس تحرير صحيفة الوفد المصرية، شرحه لبنود الاتفاقية، ماجعلني أتسائل: اين هي اتفاقيات جنيف مما يعانيه الصحفي باليمن؟.

في الواقع تظهر القوانين للقارئ مدى اهتمام المجتمع الدولي بحماية الإنسان من الانتهاكات، أبرزها التعذيب الذي تمارسه المليشيات المسلحة بحق من يرفض سياستهم التدميرية للدولة، ويتخيل الإنسان أن هذه القوانين تمتلك القدرة على حمايته من اي ممارسات قد تعرض حياته للخطر، لتكتشف مدى هشاشة تلك القوانين وعجزها مع من يعيش تجربة الحرب، فرغم البلاغات التي تقدم من نقابة الصحفيين ومن المنظمات الحقوقية، والتي تحتوي في مضمونها آلاف الانتهاكات، الا أنها تظل حبيسة الإدراج بانتظار الوقت المناسب لاستخدامها كأوراق سياسية لترغيب وترهيب مرتكبيها..

وأبرز تلك الحقائق على غياب فاعلية القانون الدولي، والذي ينص على حماية الإنسان في مناطق النزاع، هو تعرض عشرات الصحفيين لحكم الإعدام، ليس لجرم ارتكبوه، وانما لرأي عبروا عنه في وسائل الإعلام المتاحة لهم، لينتهي بهم المصير في زنازين مليشيات الحوثي ليتجرعوا كل أصناف التعذيب، وهو مالم يعد خافيا، بل بات معروفا لدى المبعوث الأممي، وكل ما يفعله المبعوث الأممي ومن خلفه مجلس الامن هو مطالبتهم بإطلاق سراح الصحفيين المحكوم عليهم دون أن نجد قوانين الأمم المتحدة تطبق تشريعاتها ضد من يعتقلهم ويعتقل غيرهم وهم كثر. 

التعسفات اليومية والانتهاكات التي يعيشها الصحفي في اليمن، وغيره من البلدان العربية، تجعل الإنسان يتساءل عن فاعلية اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية؟، وكيف لهذه الاتفاقيات أن تمنع الطغاة من ممارسة انتهاكاتهم بحق الصحفيين؟، وما هو الهدف الحقيقي منها طالما لا فاعلية لها ولا تأثير لدى مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية  في اليمن والعراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان العربية ودول ما يسمى بالعالم الثالث؟.

تختفي اتفاقية جنيف بكل بنودها وسلطتها القانونية في الكثير من الدول التي شهدت حروبا أهلية أو بين متمردين والدولة؛ لأنها اتفاقية مهمتها حماية العالم الاول فقط ولا تفعل في دولنا نحن من نوصف بالعالم الثالث الا لانتزاع مصالح وهي غالبا ما تفعل ضد السلطات ولا تجد طريقها إلى الميليشيات المسلحة، فجرائم المليشيات المسلحة تظل بعيدة عن الملاحقة الدولية، ما لم يكن لها بعد سياسي تجنيه القوى النافذة بالمجتمع الدولي تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية.

بالنسبة لي، ولمن يعيش في بلدان النزاع، لا اجد لاتفاقية جنيف أي أهمية، فبرغم ما تحمله من أهداف سامية لحفظ كرامة الإنسان الا انها للأسف لا تزيد عن كونها  نظرية إنسانية فقدت طريقها لتصبح حقيقة ملموسة تجعل المجرم يكف عن جريمته خوفا من العقوبات التي تتضمنها نصوصها القانونية .

لا أخفي مدى الاستفادة التي سعى الأستاذ الصحفي مجدي حلمي خلال محاضرته التي امتدت نحو 120 دقيقة وهو يشرح بنود اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة، ويحدد أبرز القوانين التي نصت عليها في سعي منه لتعريف 38 مشاركا صحفيا ما توفره لهم الاتفاقيات من حماية تجعل منهم محصنين من أي انتهاكات قد تطالهم  في بلدانهم اليمن والعراق والمغرب وتونس وغيرها من البلدان التي شارك ابناؤها بالدورة التدريبية، ما يجعلهم يخرجون منها وهم يحملون معرفة جيدة، الا أنها ستظل معرفة تفتقر الى ابسط مقومات التنفيذ في بلدانهم.

مقالات الكاتب