الجنوب ليس معنياً بالخطاب النزق

لا شك أن من يتبنّى مضمون خطاب البعض الجنوبي بمفرداته غير الإيجابية والفاقدة لأبسط القواعد السياسية، سواء كان في الداخل الجنوبي أو خارج حدود الجنوب، يدرك أبعاد تأثير مثل هذا الخطاب، وبالتالي يجتهد للوصول إلى ثمار هذا الخطاب من خلال وضع الجنوب وشعبه وقضيته في مواجهة المجتمع الدولي لغرض القضاء على هذه القضية إلى الأبد.


ويظهر أن تلك العقول السوداوية تناست في خضم أحلامها التملّكية، أن الجنوب اليوم ليس حكراً عليها، بل تحتل ساحته العديد من المكونات الجنوبية التي تشكّل ثقلاً سياسياً وشعبياً معترفاً به دولياً بموجب قرارات دولية واضحة، وعلى رأس هذه القوى «الحراك الجنوبي» السلمي، وغيره من المكونات السياسية والثورية.


إن الإقليم والمجتمع الدولي مطالب اليوم أن يعي حقيقة الصراع في الجنوب، فالبيانات التي يسعى أصحابها من خلالها إلى استعداء المجتمع الدولي ضد قضية الجنوب وشعبه، ليست صناعة جنوبية خالصة ولا تمثّل الجنوب وقضيته، وإذا كان أرباب مثل هذه الخطابات يتعمدون استغلال تجمعات أبناء الجنوب المعبرة عن مطالب شرعية وحياتية في أوقات ومناسبات مختلفة، ويقومون بهوايتهم في نشر خطابهم الخبيث هذا بالتزامن مع تلك المناسبات والأحداث؛ فإن هذا لا يعني دليلا مقنعا بقناعة شعب الجنوب الصابر والمرابط بما تحمله تلك البيانات من سموم وأهداف تعبر عن الباطن الأسود لمن يقف خلفها.


لقد بات الطفل الصغير في الجنوب، اليوم، يدرك انه ليس من مصلحة الجنوب وقضيته، ولا من مصلحة الحامل الشرعي للقضية الجنوبية (الحراك الجنوبي السلمي)، ولا من مصلحة شعب الجنوب المضي خلف خطاب يعلن فك ارتباطه بـ«الشرعية»، تلك «الشرعية» التي سواء اختلفنا معها أو اتفقنا تعتبر المرتكز الأساسي والقانوني «للشرعية» الدولية والتدخل العربي في اليمن، الذي مازال الجنوب يشكّل جزءاً جغرافياً منها، الأمر الذي يصعب مهمة أرباب هذا الخطاب في إيجاد قاعدة شعبية واعية تتماهي مع مفردات خطابهم.


لقد شهدنا بالأمس أين أصبح الحوثي حين حاول فرض نفسه على «الشرعية» بالقوة، وما حجم الدمار والمعاناة والقتل الذي تسببت به تلك الشطحات للشعب وللبنى التحتية وللدولة عامة، وإننا نستغرب أن تكون ذاكرة البعض ضعيفة لدرجة نسيانه لأحداث لم تمضِ عليها سوى سنوات معدودة، ونراه يضع الجنوب وأهله على أول طريق الدمار والقتل والمعاناة من جديد، ليس لشيء سوى إرضاء أحلامهم في السلطة!


ستظل الوطنية في الجنوب تعاني من انيميا في الصدق طالما يتشدق دعاتها بالثورة والتحرير وهم في الغرف المغلقة جل ما يضعونه على الطاولة  طلبات تصب في صالح معركة إقليمية يقودها طرف إقليمي ضد تيار إسلامي بإيعاز دولي لا علاقة للجنوب بها، ملفوفة بطلبات أخرى تهفو إلى الشراكة بمقاعد الحكومة، وهو الأمر الذي لا يحتاج لتحريض البسطاء الذين طحنهم الفقر لاقتحام وتخريب مؤسساتهم، ولا يحتاج لإقامة المتاريس والثكنات العسكرية في جبل الكسارات في منطقة الخساف في مدينة كريتر، وفي غيرها من مناطق عدن المنهكة والمتعبة جراء ثخانة وثقل مثل هذه العقول.


إن أبناء الجنوب يؤكدون للعالم أجمع بأن ثورتهم وقضيتهم براء من دعوات المكونات المستوردة والمصنعة إقليمياً، وأن تلك الدعوات وتلك المكونات ليست سوى كومبارس يؤدي أدواراً باسم آخرين لا يريدون الظهور في مثل هذه المواقف المخجلة.

مقالات الكاتب