الكثيرون وخصوصا من غير اليمنيين (عرب واجانب) لا يدرون طبيعة المليشيات الحوثية الحقيقية وطبيعة معاناة اليمن واليمنيين منها بسهولة، ويعتبرونها طرفا يمنيا عاديا، أو يتصورنها أقلية مثل بقية الأقليات المظلومة، والبعض يراها مجرد نظام حكم ملكي وراثي كبقية الملكيات الوراثية في العالم، وهذا تصور خاطئ وغير صحيح مطلقا وبعيد عن الواقع تماما، واذا كنا نجد صعوبة في الإقناع بحقيقتها سابقا فهاهم اليوم يقدمون دليلا عمليا موثقا على أنفسهم ببعض طقوسهم وما يعتقدونه في الولاية أو السلطة والحكم خصوصا، فهذه جماعة وضعها خاص جدا ولم يعايش مثلها العالم ابدا ولم يكتووا بمثل نار فكرها وممارساتها مطلقا، وليس عند الناس مثل ما عندنا أو ما هو قريب الشبه بها أو منها، أما نحن اليمنيون فنعرفها جيدا وخبرناهم طويلا ولذا رفضناها وحاربناها أبا عن جد، رفضها وحاربها الآباء والأجداد واليوم الأبناء والأحفاد، لأننا ذقنا منها الويلات والمرارات والشقاء والدماء والبلاء والعناء للبلاد والعباد لعقود وقرون.
فهم يعتبرون مثلا ( العروبة ) مسبة ومنقصة، ويعيرك أحدهم (بأنك إلا عربي!) وحصلت معنا كثيرا وكنا نضحك من هذا زمان، ونعتبره مجرد هراء وهرطقات، حتى وصلنا لأن نبكي دما منه اليوم، وبعد أن تمكنت مليشياتهم من بعض مناطق اليمن أصبح يقتلك ويفجر دارك وينهب مالك إن خالفته في معتقده ذلك، أو أنه أفضل وأشرف منك وسيدك وتاج راسك، ويعتبرون أنفسهم وسلالتهم أرقى من جنس العرب عموما وليس فقط من اليمنيين، وأكثر تحضرا وعراقة وقداسة من ذلك العربي البدوي البسيط الذي كان يأكل الفئران في الصحراء، فهم امتداد ونسخة مطورة من ( الشعوبية) التي كانت تظهر وتختفي بصور متنوعة أدبية وسياسية واحيانا عسكرية إذا امتلكوا القدرة، ويعتقدون أن فيهم خصائص وعندهم قدرات بشرية ولهم أحقية الهية (نص ووصية) على فهم الدين وحكم الناس، وهو ما لا يحق لغيرهم على الاطلاق، وهذا ما يحتفلون به اليوم ( حقهم في الولاية ).
والإمام عندهم هو الاقوى جيشا، والأكثر عنفا وسفكا للدم، والأقدر بطشا بالناس، وليس الأصلح ولا الأكفأ، وغالب الأئمة كانوا جهلة فسقة لكنهم أقوياء مسرفين بالدماء، وهذا مؤهلهم الوحيد للحكم وليس خدمة وماينفع الناس، والأغرب أن من كان عالما بزعمهم يكون أكثرهم اجراما، بل وتنظيرا للإجرام أمثال ( الهادي الرسي يحيى بن الحسين، وأحمد بن سليمان، وعبدالله بن حمزة، والقاسم العياني، ومحمد بن القاسم، والمطهر بن شرف الدين، والمتوكل على الله اسماعيل...)، وهؤلاء هم أساتذة القتل وعناوين الإجرام في تاريخ اليمن كله.
واليوم ها نحن نراهم كيف اجتمعوا على السيئ عبدالملك الحوثي وهو لا يفقه شيئا؛ لكن امتلك الجرأة على سفك الدم، والتنكيل باليمنيين المسلمين المسالمين، وعلى هدم مساكنهم، وتفجير المساجد والمدارس ودور القرآن، وقتل الأسرى والتعذيب والتنكيل بالمختطفين المدنيين، وتصفية كل المعارضين حتى ولو كان اخوه!! الشقيق إذا خالفه، حتى لو كانت المخالفة مجرد نصح له أو حرص عليه، وكما نعايشه عيانا فهو قاتل لا أكثر، قتل حلفاءه قبل معارضيه، ونكل بهم أشنع تنكيل وابشع تشريد... وليس فيه أي صفة من مواصفات الإمامة أو الزعامة مما يزعمون، سوى واحده أنه من السلالة المنوية، ومذهب العترة الطاهرة كما يروجون، وغير أنه رضيت عنه ايران وامدته _ ومن خلفها جميعا _ بالقوة من مال وسلاح وخبراء، فباشر المهمة وقتل اليمنيين بلا هوادة، طالبا للملك والسلطة بالبطش والقوة، ومنفذا لتلك الأفكار الظلامية العفنة، ولهذا الفكر الامامي العنصري الخبيث الضال.
نقطة أخيرة ومسألة عجيبة مهمة:
نظام الإمامة عندنا يختلف عن نظام الملكية المعروفة في قضية أخرى ايضا، فالإمامة تجمع على عدم جواز العهد ( النص )، أو ما يسمى ( ولاية العهد)، من الإمام السابق إلى الإمام اللاحق، بل عندهم أن الإمامة تقوم على بحر من الدم، وأنه على مدعي الإمامة بعد موت الامام أو سقوط إمامته إن كان حيا؛ أن يعلن الدعوة لنفسه وأن يشهر سيفه ( سلاحه)، ويجيش رجاله، وأن يستولي على الحكم بالقوة المسلحة، سواء أكان نجل الإمام الهالك أو أخا له أو من أبناء عمومته قرب أو بعد...
وللعلم حاول يحي حميدالدين كسر هذه القاعدة بتعيين ابنه أحمد وليا للعهد، وكذلك فعل احمد حميد الدين، إلا أن كبار علماء المذهب لم يكونوا راضيين ابدا، وتقاتل احمد حميد الدين مع سيوف الاسلام إخوته فقتل منهم وشرد بهم، وتجلت هذه الحقيقة أكثر بعد موت أحمد حميد الدين حيث انقسم الملكيين إلى فريقين فريق يتبع البدر وآخر يتبع عمه الحسن بن يحي حميدالدين، وهو الانقسام الذي ساعد الثوار الجمهوريين الاحرار كثيرا في هدم الإمامة باليمن.