ذكريات لا تنسى و عمر سيف مقبل بطلها

غادرت اليمن سنة ثمانية وتسعين متوجها إلى ليبيا كان وضع ليبيا صعب في ظل حصار بحري وجوي وحدها الحدود المصرية والتونسية من كانت تمد ليبيا بالمواد الغذائية لتمر الايام ثقيله على وبينما كنت أقف على ساحل البحر افكر كيف سيكون وضعي وأنا بلا عمل وما لدي من أموال اوشكت على النفاذ وقف شاب عراقي   كان يقيم بالغرفة المجاورة لغرفتي وهي غرف مخصصة لمرتادي البحر من العوائل فترة الصيف لتتخذ منها مساكن لها عند.السباحة وكان يفرغ المصيف من ساكنيه مخصص للعوائل فقط .

كنت أدرك أن الصيف بات قريب وان علي مغادرة الغرفة ولكن إلى أين فليس لدي القدرة للإقامة بالفندق وانا لا عمل لي وهنا حدثني  الشاب العراقي الذي كان ينتظر الفرصة للتوجه الى إيطاليا عبر البحر او في حال وجد من يمر بحالتي يقتنص الفرصة لسفر باسمه وكل ما يحتاجه  تغيير صورته  يتمكن من السفر الى اي بلد اوروبي شكوت له مخاوفي من القادم واذا به

يعرض على مبلغ 800 دولار كان المبلغ مغري ولم اجد امامي فرصة لرفض خاصة أنه بلغني أن بإمكاني الحصول على جواز بدل فاقد كل ما عليك هو التوجه الى مبنى السفارة لا سجله لتحفظ صورته بأرشيف السفارة ولم اكن حينها أعرف أين مقر سفارة اليمن.

ليخبرني انه يعرف موقعها وأنها بجوار سفارة مالطا طلب مني  الذهاب معه الى عراقي اخر يمتلك خبرة بتعديل بيانات الجوازات قبل ان نتوجه الى السفارة لاسلمه الجواز و يسلمني المبلغ على شرط أن لا أبلغ عن فقدانه لا بعد أن يغادر هو مطار طرابلس .

سألته كيف تسافر والسفر بفيزة لنا نحن اليمنيين ليقول لي انا كل ما اريده من جوازك هو استخراج تذكرة مرور باريس صنعاء وعند اقلاع الطائرة من المدرج اقوم بتمزيق الجواز اليمني واقدم جوازي العراقي بمطار باريس وعندها انال حق اللجوء الانساني .

ومع الصباح أيقظني الشاب وأدخلني مطعم لتناول الفطور ومنها التوجه الى مبنى السفارة اليمنية لاستكمال المتفق عليه وهو تسجيل الجواز لاضمن الحصول على جواز بدل فاقد .

استقبلني الحارس واوصلني   إلى شباك السفارة هناك حيث تعمل موظفة فلسطينية قدمت لها الجواز ولكنها قامت بعرضه على القائم بأعمال السفارة ولم اكن اعرفه ليطلب منها دخولي عليه دخلت مكتبه استقبلني وبدأ يطرح على عدد من الاسئلة .

كنت متحفظ بحديثي معه ولكنه كان ذكي ويتمتع بحس إنساني ليقول لي اين تعمل  اخبرته باني عاطل ولم يقبل احد يشغلني لصغر سني وعدم توفر العمل .

ابتسم وقال ومن هذا الشاب الذي ينتظرك بالبوابة قلت صديق، كان يعرف ما يقوم به الشباب العراقيين وكيف يستغلون حاجة بعض المهاجرين خاصة من لا مال يمكنهم من تحمل الإنفاق فترة طويلة حتى يجدون عمل .

ليقول لي سوف اوفر لك عمل على أن توعدني أن لا تفكر ببيع جوازك فأنت من سرة مشهود لها ليتضح لي أنه يعرف بعض الأقارب .

طلب مني الانتظار في حوش السفارة حتى ينتهي الدوام لم يكن امامي غير الانتظار انصرف الشاب العراقي على امل منتظر عودتي فجوازي مازال لدى القائم بالأعمال.

طال الوقت وكان يمر ببطء ولكن لم يكن أمامي غير الانتظار مع الحارس الخاص بالسفارة ومع الساعة الواحدة خرج القائم بالأعمال واسرع الحارس ليفتح له بوابة السفارة بقيت انا انتظر خارج المبنى  وعند خروج السيارة ناداني وقال اركب ركبت معه لمسافة لم تكون طويلة ليقف امام عمارة كبيرة يركن سيارته وطلب مني النزول لنصعد إلى الدور الثالث حيث تقع شقته المتواضعة كان وحيدا فزوجته توجهت الى بلدها تشيك لزيارة عائلتها أجلسني في الصاله وفتح لي التلفاز بينما توجه هو إلى المطبخ لتمر دقائق ويأتي بطعام الغداء وبعد اكمل تناول الغداء قال لي تابع التلفاز بينما أنا اخلد الى قيلولة ومع العصر نخرج بقيت في الصاله اتابع القنوات حتى ارتفع صوت الاذان واذا بالقائم بالأعمال يصحو.

لصلاة العصر ومنها توجهنا الى الشارع بعد تأكد من قفل باب الشقة  وقفت امام باب سيارته الامامي وفتحت الباب وجلست على المقعد أدار محرك السيارة ورجع الى الخلف قليل كان الجو ممطر وكان المطر غزير كانت السيارة تمشي ببطء فهو لا يحب السرعة وان كانت الخطوط غير مزدحمة انه يتمتع ببرود اعصاب عند القيادة معتبرا التحرك بسرعة يعد تهور يقود الى الموت .

وماهي الا نصف ساعة واذا بناء نتوقف امام بيت مكون من طابقين ويبدو عليه حديث البناء يقابله مسجد كبير اوقف محركة السيارة وطلب مني النزول نزلت ونزل معي واذا بشاب كان يرتدي ملابس مهترئة يفتح الباب ونظر الى الاستاذ عمر ورفع صوته مرحبا اهلا وسهلا استاذ عمر تفضل حمود موجود في الداخل .

كان المنزل يقيم فيه عمال من منطقة واحد وتجمعهم قرابه وكان حمود هو كبيرهم رجل قصير وله كرش ولكنه لطيف ويتمتع باحترام كل منهم داخل المنزل رغم انه لم يكن أكبرهم سنا ولكنه ذكائهم وأكثر حنكة خرج حمود الى الممر ليستقبل القائم وهو يقول يا مرحبا بالاستاذ عمر سيف مقبل في بيتنا المتواضع كنت أتبعه ونظر للبيت الذي يغوص بعشرات العمال لم يطيل القائم بالأعمال كثير كان مستعجل ليبادر هو قائلا هذا الشاب يحتاج الوقف معه واتمنى أن تجدون له عمل معكم بما يتناسب مع سنه وأنا اضمنه وما بدر منه انا مسؤول عنه .

رحبو بي وخرج أحدهم ليشتري فرشا ورداء لي وقالوا من الصباح تعمل معنا بتنظيف الاخشاب من المسامير وما عليها من اثار البناء.

كان القائم بالأعمال ياتي الي كل جمعة ليتفقدني وياخذني بسيارته لنعمل جولة داخل مدينة طرابلس ليعيدني الى المنزل بعد صلاة العشاء كان يدرك أن امامي عمل شاق الصباح الباكر ولهذا لم يكن يطيل وقت العودة لاتمكن من النوم مبكرا كان يقول لي لا تهمل دراستك ادرس لتتمكن من الخلاص من هذا العمل الشاق فلا تجعل منه مهنة ابدية تعتاش منها طيلة حياتك حاول تكمل دراسة المعهد وان كانت الظروف مرهقة فانا ارى فيك نضوج مبكر واتوقع لك مستقبل.


لم يطول بقائه حتى اكمل دراسة المعهد.فقد اوشكت على نهاية الخدمة بالسفارة وعليه بيع ممتلكاته قبل عودته الى صنعاء لياتي موظف اخر ليحل محله شعرت بحزن وانا اشاهد كيف يقوم بعرض سيارته للبيع وبعض المقتنيات التي يصعب حملها  فهي مكلفة الشحن بالطائره .

ادركت ان ايامه معدودة وكنت مصرا على  الحضور لتوديعة بالمطار كان موعد الطائرة الساعة الثانية وكان علينا التواجد مع الساعة الواحدة ظهرا مشيت انا والمقاول حمود خلف السيارة التي تحمله كانت سيارة السكرتير الأول لسفارة محسن صالح .

انتظرنا قليل من الدقائق كانت تمر بسرعة فائقه كنت اشعر بالحسرة فهذا آخر يوم اراه تمنيت ان يظل فترة أطول بكثير ولكن لم يكون باليد حيلة عدت الى منزل كان المقاول حمود يراقب بصمت ويتفحص ملامح وجهي القاتم والصمت المطبق وانا المعروف بكثرة الحديث ليقول لي كل هذا الزعل على عمر سيف وانت لم تعرفه لا هنا ولم تعرفه من قبل ولا يعرف من اي قرية انت من اب وهو من ردفان لم التفت لحديثه معي  .

وإذا بيده تنزل على قدمي كصاعقة قائلا بصوت مرتفع خبير نحن هنا.

وبعد.ثلاثة وعشرين سنة من الفراق تمكنت من الوصول إليه بعد حصولي على رقم هاتفه سألته هل يذكر اسمي رد علي قائلا انت الشاب الذي تعرفت عليه بطرابلس لم انساك واحدث عنك دائما فأخبرني عن حالك وما الذي غيرت الدنيا فيك .

رددت عليه كل وعودي لك حققتها فقد كنت اراك امامي كل يوم وانت تخاطبني اعمل من اجل تتعلم ولا تجعل من العمل اليدوي مصدر عيشك الأبدي وإنما اتخذه وسيلة لتتاجوزة للافضل

مقالات الكاتب