أكتوبر لم تكن ثورة ضد الإنجليز

لم تكن ثورة الرابع عشر من أكتوبر ثورة تهدف إلى التخلص من المستعمر البريطاني وحسب  بقدر ما كانت ثورة تحمل مشروع وطني يبحث عن استعادة اليمن موقعها ومكانتها بين الأمم .

فمناضلي أكتوبر وعلى رأسهم المناضل غالب راجح لبوزة والمناضل سيف مقبل الاخرم وغيرهم من مناضلي الجنوب اليمني يحملون رؤية وفكر قومي تجاوز الجغرافيا اليمنية ليجعلو من ردفان منطلقا الشرارة الاولى لثورة لتخرج البراكين الخامدة حممها تكتسح تلك البراكين جبروت الإنجليز وتمحي اسطورتهم وتجبرهم على الرحيل يجرون ذيول الهزيمة .

مدركين أنهم يقاتلون رجال لا يمكن شرائهم بالمال لكونهم يقاتلون وفق قضية لا مساومة فيها ولم يكن أمام المستعمر غير الخروج من الجنوب ليجنب قواته الموت التي يتلقفها من كل جانب  

ومع قدم الذكرى السنوية لثورة أكتوبر وبعيدها 59 تجعلنا نقف أمام تلك الثوار وماضيهم وكأننا اقزام في ظل غياب رؤية سياسية ننطلق من خلالها فجيلنا وللأسف يعاني من التقزم والتذبذب عاجزين أن نجعل من مشروعهم منطلق لنا.

كل من يطلع على تاريخ أكتوبر وعظمة أبطاله من ساسه ومقاتلين وما حملت من فكر سياسي يتحسر على ما وصلنا إليه فمن دحروا الإنجليز هم أنفسهم من سحقو جيش الإمامة عند حصارهم لصنعاء عاصمة ثورة سبتمبر وبنادقهم من اقتحمت نقيل يسلح حتى باب اليمن ليكونو اول من يصل ابواب صنعاء لتعلن صنعاء بوصولهم انتهاء الحصار ودحر جيش الإمامة .

لم يكن قتالهم وتضحياتهم بلاهوية ولم يقدموا أرواحهم بحثا عن مكاسب أو مناصب أو من أجل مال أو جاه ولهذا كان النصر حليفهم لانه وحده من يقف وراء اندفاعهم ومن يقاتل من أجل وطن لا يمكن هزيمته.

يصعب أن تحاكي واقعنا المعاصر بواقعهم فنحن اليوم لا فكر قومي ولا اممي ولا رؤية وطنية توحد صفوفنا فالقوى السياسية اليمنية فشلت بالحفاظ على الثورة وتركت مبادئها وتخلت عن أهدافها لتسقط صنعاء بيد الإمامة دون أن تتحرك تلك القوى التي ظلت غارقة في نظيراتها الجوفاء ومن لكفتهم العمياء .

لينتهي بهم الحال مشردين في أزقة القاهرة والرياض واسطنبول مكتفين بإلقاء الخطابات والمداخلات من على شاشات  القنوات الفضائية بينما لا وجود لهم على الأرض ولا يحزنهم أن يقدمون أنفسهم كأوراق تساوم بهم الدول على مصالحها .

ماذا لو يعود ثوار سبتمبر واكتوبر إلى الوجود فأين سيكون موقعهم وكيف ستكون نظرتهم لنا وهم يشاهدون بأي حال نعيش فيه كل منا يحمل الحقد والكراهية للآخر نهدم وطننا بأيدينا ونساوم على كرامته ونبيع سيادته .

وطن يتنازع عليه محيطنا الإقليمي لتتفرد طهران بصنعاء وتضيع عدن تائهة تنتظر مالذي يقرره اللاعب الدولي والإقليمي لتخديد شكل نظامها السياسي  دون أن يكون لنا راي فيما يقررون وكأننا قصر  .

فمن هزم الإنجليز والإمامة لا يمكن أن يرى أننا بالفعل احفادهم فهم لا يساومون ولا يقبلون أن تكون بنادقهم للبيع ولا يقبلون أن يكونوا حدائق خلفيه وأما نحن فلا وطن لنا لا جيوبنا وهويتنا لمن يدفع أكثر .

فهل توقظ فينا أرواح شهداء اكتوبر وسبتمبر هوية الانتماء للأرض والإنسان بعيدا عن المشاريع الصغيرة التي نلاحظ خطورتها و باتت تهدد مستقبل اليمن شماله وجنوبه في ظل خطاب مقيت يدعو إلى انفصال حضرموت عن الجنوب و اليمن .

وهو خطاب ليس عفويا وانما تقف خلفه ايادي شيطانيه حاقدة تبحث عن تفيت كل شبر بهذا الوطن أما يكفيكم عودة الإمامة إلى صنعاء نتيجة سياسة الكراهية التي مارستها تلك القوى تجاه خصومهم منذ انقلابهم على مبادئ ثورة سبتمبر وهو الانقلاب المعروف بخمسة نوفمبر لتعيدو جيش الامامة ب67 لتكون النتيجة سقوط صنعاء بيد الحوثي .

ومن يتخيل أن هذا الخطاب  المقيت الذي نادى به بعض الشواذ في حضرموت  الداعي لانفصالها عن الجنوب واليمن هو نكية بالانتقالي فإنه أحمق ساذج غير مدرك أن مايقوم به هو تأسيس لتمزيق اليمن بكل مكوناته.

فإن نكون إقليمين خير من أن نكون بلا وطن وان نعود الى ماقبل تسعين خير من العودة إلى زمن السلطنات والإمامة  ومن يتخيل أن حضرموت معضلة الجنوب عليه أن يدرك أن تهامة والمناطق الوسطى في الشمال أيضا معضلة الشمال  في ظل تاريخ حافل بالصراع مع الهضبة الزيدية  كما يطلق عليها الحمقاء ويؤسس لها من لايريد لليمن أن تعود دولة طالما ثقافة الكراهية هي ما تعمل على تكريسها .

يجب أن نتعلم من أكتوبر وثوارها كيف نحافظ على هوية الأرض تلك الثورة العظيمة التي استطاعت أن توحد واحد وعشرين سلطنة ومشيخة فلن تكون مجرد ثورة وانما مدرسة حمل روادها ومناضليها لنا دروس بالوطنية يجب أن نعود إلى مدرستهم لعلنا نتعلم منها ونفكر كما  كان يفكرون

مقالات الكاتب