لبنان تحت النيران
لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...
فقدت اليمن في ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٢ رمزا أدبيا كبيراً فارقنا عن عمر بلغ الخامسة والثمانين عاما. وبداية أتقدم بخالص التعازي إلى أسرة الأديب الكبير د. المقالح وإلى الشعب اليمني والى النخب الأدبية اليمنية والعربية التي ستفتقد فيه نموذجا ثابر طول حياته لكي يضع الأدب اليمني والعربي في خريطة الإبداع الثقافي العربي والعالمي. لم تمنع مشاغل الفقيد الكبير في إدارة جامعة صنعاء والمركز اليمني للبحوث وإحباطات لاتعد و لا تحصى من تخصيص وقت وجهد كافيين للكتابتين الأدبية والسياسية والإطلالة المنتظمة على القراء في أكثر من مطبوعة صحفية سياسية وأدبية يومية وأسبوعية يمنية وعربية ومن رعاية متواصلة للأدباء الشابات والشبان الذين كانوا يواجهون صعوبات في الاعتراف بعضويتهم في قبيلة الأدباء وفي الاندماج في الوسط الأدبي وكانت تعوزهم الشخصية التي توجههم وترعاهم وتأخذ بأيديهم في بيئة اجتماعية و سياسية لا تزال حتى اليوم تخاف من الحرف ومن الكلمة ومن القصيدة و لا مناص من القول بأن للتخلف الشامل ولمن يعشق استدامته دوره في النظر إلى الثقافة كرفاهية لا حاجة لها لأنها لا تسبب سوى المتاعب التي يستحسن تجنبها وعدم السير في طريقها الوعر. تجاوزت مؤلفات الأديب الراحل الستين مؤلفا وقد بزغ كغيره من اليمنيين في هذا المجال مما أكسبه موقعا ريادياً على المستويين اليمني والعربي. ولقد ساعدت الخلفيتين الأدبية والسياسية للأديب الكبير على بلوغه هذا المقام الرفيع الذي يسلم به له أدباء اليمن والوطن العربي. ومن منا لا يعرف دوره الاعلامي في الأيام الأولى لثورة ٢٦ سبتمبر ثم كتاباته وقصائده المنحازة للثورة اليمنية في شمال وجنوب الوطن ووفاءه الصادق للدور المصري في الدفاع عن ثورة سبتمبر ودعم ثورة اكتوبر. الذي كتب عنها قصيدته (نشيد الذئاب الحمر) التي يصور بها عدالة قضيته الذي آمن بها ويقول فيها:
" ذئاب نحن فوق جبالنا المشدودة القامة
نصيد الفجر، ننسج للضحى لنهارنا هامة
وننقش في جبين الشمس موكبه وأعلامه
ونحفر للدخيل القبر نسحقه وأصنامه ".
وتقديراً لإبداعاته منح عدة جوائز أدبية عربية وعالمية ومنها وسام الفنون والآداب في عدن عام 1980 ومن جهته أنشأ "جائزة المقالح" السنوية لتشجيع الأدباء الشبان وغير الشبان على الإبداع وهي توازي الجائزة السنوية للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ في مصر.
ودعنا فقيدنا الكبير بقصيدة عبرت عن نقده ورفضه لما حل باليمن من حرب وخراب ودمار وترجى فيها من الله أن يعجل باستعادة أمانته ومما جاء فيها:
أنا هالك حتما
فما الداعي لتأجيل موتي
جسدي يشيخ
ومثله لغتي وصوتي
ذهب الذي أحبهم
وفقدت أسئلتي ووقتي
أنا سائر وسط القبور
أفر من صمتي لصمتي.
وعن الحرب وما جرته على اليمن من كوارث ونكبات تتطلب وقتاً طويلاً لمعالجتها ولموارد كبرى لتعويض خسائرها ولجيل جديد خال من أمراض العصبية والأنانية يُخلص نواياه وعمله لخدمة الوطن ولرفع شأنه..
قال المقالح في نفس القصيدة:
أنا ليس لي وطن
أفاخر باسمه
وأقول حين أراه
فليحيا الوطن
وطني هو الكلمات
والذكرى
وبعض من مرارات الشجن
باعوه للمستثمرين وللصوص
وللحروب
ومشت على أشلائه
زُمر المناصب والمذاهب والفتن..
وبهذه الأبيات ودع المقالح وحوطنه المثخن بالجروح وكأنه يقول إن دواءه على يد أبنائه الرافضين للفتن وحب المنصب على حساب حب الوطن.
وقد تعرفت الى الفقيد الكبير المقالح في صنعاء وكنت أتمنى أن يزور عدن لما يتمتع به من حب كبير في أوساط المثقفين والمفكرين والمسؤولين في عدن ولكنه لم يتمكن من السفر خارج صنعاء الى عدن أو إلى أي مكان آخر منذ تخرجه من جامعة عين شمس لأسباب خاصة به يعرفها بعض المقربين منه. وبعد مغادرتي لعدن وصنعاء لم ينقطع التواصل معه للاطمئنان على أخباره وصحته ومنها اتصالنا به يوم ٤ ديسمبر٢٠٢١ وصدر عن هذا الاتصال الخبر التالي:
"أجرى الرئيس علي ناصر محمد ظهر اليوم اتصالاً هاتفياً بالدكتور عبد العزيز المقالح للاطمئنان على صحته، وهو امتداد للاتصالات بينهما، وتمنى له الصحة والشفاء والعمر المديد.
وقد تعرف الرئيس الى الأديب والشاعر الكبير من كتاباته ومواقفه ثم التقى معه في صنعاء في الثمانينات لأكثر من مرة في جامعة صنعاء التي كان رئيسها بين عامي 1982 و2001م، وتطورت الجامعة في عهده وتحت قيادته كما هو معروف وتخرج منها الآلاف من الكوادر والقيادات السياسية والادارية التي رفدت الدولة ومؤسساتها.
وقد كان الاستاذ عبد العزيز المقالح مستشاراً للمركز العربي للدراسات الاستراتيجية عند تأسيسه عام 1996م في صنعاء وساهم في إقامة علاقات بين المركز العربي ومركز الدراسات في جامعة صنعاء.
وقد سخر الدكتور عبد العزيز وقته وحياته للأدب والعلم والثقافة في اليمن والعالم العربي ويُعد في مقدمة شعراء اليمن المعاصرين، وأحد أبرز الشعراء العرب في العصر الحديث، وقد ارتبط اسمه بالثورة والدولة والوحدة اليمنية وكان ثابتاً في مواقفه ودفاعه عنها حتى اليوم وهو علمٌ من أعلام هذه الأمة ويحظى باحترام وتقدير على المستوى اليمني والعربي والدولي".
المجد والخلود لفقيد الوطن والشعب الأديب الكبير عبد العزيز مقالح
علي ناصر محمد