هل سيكون الرئيس ناصر رجل المرحلة

بعد إن أضحت اليمن في مهب الريح،كريشة تتقاذفها رياح عواصف المصالح الدولية، والإقليمية،والسلالية والمناطقية، والمصالح الشخصية لطبقة الطفيليات التي طفت على سطح المياة الأسنة ممن يسمون أنفسهم اليوم قادة،وساساه،ومثقفين ونخب سياسية وإعلامية، وغيرها من فئام تجار المصالح، وقطعان الجياع المتسولين،من أولئك الذين يحاولون إقامة الأمجاد من طين الوحل،على قاع الرذيلة .
تأرجحت المواقف، وتذبذت، القناعات لتتحول من النقيض إلى النقيض على وقع صريف الدراهم المتدفقة من خلف الحدود حتى قايض الناس بكل شيء حتى الثوابت والقيم...عقد من الزمان لم يسلم أحد من وحل الدنس،ولا من تبعات المواقف المدفوعة الثمن،وظل الرئيس علي ناصر وحده ثابتًا على موقفه،متمسكًا بقناعته ،لم تهزه أعاصير المتغيرات،ولم يستسلم للمغريات .
الرئيس ناصر السياسي اليمني الذي أوشك على مغادرة عقده الثامن؛فكان شاهدًا على كل التحولات العاصفة التي شهدها اليمن في العصر الحديث،من غلاف الثورة إلى فهارس الدولة؛بما لهما من مكاسب وما عليهما من مصائب.
رأيت الرئيس علي ناصر محمد لأول مرة في حياتي وأنا طفل صغير؛أُخرج مع طلاب المدرسة لرؤية موكبه القادم من حضرموت، عائدًا إلى عدن،ولم أجاوز حينها الثامنة من عمري تقريبًا حين رأيت الرجل لأول مرة لمدة خمسين ثانية تقريبًا لكنها كانت كافية لإلتقاط صورة  أبدية للرجل لم تفارق ذاكرة الطفل الذي قارب اليوم الخمسين من عمره .
أحداث عاصفة، وزلازل مدوية،عصفت بالأرض،والإنسان حتى لم تبق له ما يتذكره،بعد أن حولت السنون ذاكرة الأجيال إلى صحراء قاحلة،وأفرغتها المراحل من كل ذكرى باعثة للأمل،أو فكرة قابلة للحياة،كالقاع اليباب التي لاترى فيها زهرًا، أو ثمرًا،فيطوي مسافات الذكريات متنقلًا بين المراحل، يتفرَّس في الصور القديمة للحكام الذين مروا من هنا،لعله يجد من بينها حقبة، أو مرحلة من مراحل عمره الطويل يفزع إليها،كلما أراد أن يثبت لأحفاده أن حياته كانت فصولًا متنوعة فيها الربيع والخريف،ولم تكن خريفًا خالصًا فقط.
فلا يجاوز الناس الحقيقة حين يجمعون إن فترة الرئيس ناصر كانت ربيعها المزهر، الذي لاتزال أطلاله باقية رغم تطاول الزمان عليها،ونجمها الوحيد الذي يشع سناؤه في سماء بلد لايزال ملبدًا بدخان الحرائق،أيام علي ناصر كلمة لا يزال يتردَّد صداها في زوايا الحواضر والمدن،والقرى المنثورة على روؤس الجبال،وبطون الأودية،وعلى امتداد الصحاري والقفار .
أيام علي ناصر كلمة لاتزال الناس تردّدها،ويفزعون إليها كلما استبد بهم الحنين إلى الماضي،أو الخوف من الحاضر،فيهرعون لأيامها الخوالي بعد أن تطاول الزمان على الراهب والدير معًا،فأصبحت الحقبة من الماضي،والرجل قاسمًا مشتركًا بين الماضي والحاضر،فشهادتي لن تضيف له مجدًا،ولن تغفر له خطأ،فالتاريخ وحده كفيل بما للرجل وما عليه،والأيام وحدها هي الممسكة برمانة ميزان العدالة،بعد أن أصبح ماضي الرجل  جزءًا من التاريخ،ولم يعد ملكًا لناصر نفسه،وكأي حاكم أصاب وأخطأ، فليس لنا من الماضي سوى العضة والعبرة، بعد أن توارى ناصر عن السلطة،ولكنه لم يتوارى عن مسرح الأحداث،ولا أظن أنه سيتواى مادام قلب الرجل ينبض بالحياة،وهنا فقط لنا الحق في تقييم مواقفه أو محاكمتها، موافقتها أو مخالفتها،طالما والنسبية هي المعيار الوحيد لتفسير المواقف وتحليلها،على ضوء ما قبلها،وما بعدها من معطيات،وما اتفق معها وما خالفها من أحداث،أو مواقف،وهنا فقط لنا الحق أن نقول أصاب أو أخطأ .
أثبتت الأيام صحة موقفه -مما تشهده اليمن- وعمق تجربته،ومدى حكمته،وصدق نبؤته في قراءة الأحداث،وتحليل الوقائع،وقدرته الفائقة على الربطه بين جزئياتها المتناثرة في صياغة أحكامه النهائية عليها،رفض الحرب كخيار سياسي،في حين اختلف الناس في أمرها،كما رفض شيطنة أي طرف من الأطراف المحلية،وتمسَّك بالحوار فيما بينها، للوصول إلى رسم الخطوط العريضة؛ لإعادة بناء الدولة ،وإنهاء المليشيات بكل أشكالها،وخلفياتها السياسية،ومشاربها الفكرية،انطلاقًا من مشروع سياسي جامع،يضمن حقوق الناس العامة، ولا يحاسبها على قناعاتها الخاصة .
دار الزمان دورته،ومضى كل طرف في المضي بفرض قناعته،والتبرير لما يفعله  بخصمه،وبعد أن استهلكت السنون حماس كل طرف من الأطراف، عاد الجميع إلى ما قاله الرجل للدول الإقليمية،والأطراف المحلية،منذ اليوم الأول،حين ذكر الجميع بتجارب الصراعات البينية التي شهدتها اليمن خلال ستين سنة خلت، ظلت معها السلطة وديعة مؤقته ينزل الحاكم من كرسيها بذات الطريقة التي صعد بها إليها .
            سعيد النخعي 
        28/سبتمبر/2023 م

مقالات الكاتب

خازوق هادي

ضحت الرياض بالشرعية، والقرارات الدولية المتعلقة بها، في أول موعد غرامي مع الحوثيين تزامنًا مع موسم ا...