لبنان تحت النيران
لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، اتصلتُ بالرئيس علي عبد الله صالح، وطلبتُ منه أن نقوم بجهد مشترك ونطلب عقد مؤتمر قمة عربية، وأعربتُ له عن استعدادي لزيارة صنعاء للتشاور معه بشأن إعلان موقف يمني موحَّد من الاجتياح. واتفقنا على أن نلتقي في صنعاء، ومنها أجرينا اتصالات مع الأمين العام للجامعة العربية، الشاذلي القليبي، في تونس، فرحّب بالمبادرة، وأجرى اتصالاته مع الدول العربية. ولكننا كنا حرصاء على أن نتوجه إلى المملكة العربية السعودية للحصول على مباركتها لقعد القمة العربية، وطلب دعم جوي وبحري لنقل القوات اليمنية من صنعاء وعدن المؤلفة من 3 ألوية من الشمال و3 ألوية من الجنوب (سلاح مشاة وسلاح مدفعية وسلاح دبابات) إلى لبنان للدفاع عن بيروت. كان الاستقبال ودّياً من جانب الأمير فهد بن عبد العزيز في المطار، رغم حرارة الجو الشديدة في هذه البقعة من ساحل البحر الأحمر في شهر يونيو/ حزيران عام 1982م، إلا أنّ العاطفة الأخوية التي أبداها هو والمستقبلون جعلتنا ننسى قسوة المناخ الذي لا يُقارَن بقسوة المناخات السياسية والإنسانية والعسكرية المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان ومعاناة إخواننا اللبنانيين والفلسطينيين في لبنان.
عرضنا المبادرة على الأمير فهد الذي رحّب بزيارتنا وأيّد المبادرة لعقد القمة العربية وتقديم الدعم العسكري والمالي، وركز على المخاطر الكبيرة المتمثلة بالاجتياح الإسرائيلي لبلد عربي عزيز، وبضرب المقاومة الفلسطينية. وقال: "من الأفضل أن تناقشا الموضوع مع سيادة الرئيس حافظ الأسد، وأيّ أمر تتفقون عليه سيحظى بموافقتي". ثم قال: "أنصحكما بأن تذهبا، بعد زيارة سورية، إلى ليبيا، للتشاور مع العقيد القذافي بخصوص مؤتمر القمة والاقتراحات الأخرى كلها"
ثم توجهنا إلى سورية وكنا على ثقة بأننا سنجد، في سورية، أرضاً خصبة لإطلاق المبادرة التي جئنا من أجلها. على الأقل لم يكن يراودني أيّ شكّ بحكم معرفتي بالرئيس الأسد وعلاقتي الشخصية والرسمية الطويلة والعميقة معه. فأصغى الرئيس السوري باهتمام وتقدير، وتكلم بعد ذلك معرباً عن ارتياحه لهذه المبادرة والتحرك اليمني المشترك، وما يعبّر عنه على كل صعيد، مبدياً استعداده للتعاون لأجل إنجاح المهمة، ودعانا للاتصال بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لتدعو من جهتها الملوك والرؤساء إلى عقد القمة. ومن دمشق وبحضور الرئيس الأسد اتصلنا بالقائد معمر القذافي الذي أعرب عن تأييده للمبادرة واستعداده أن يقود جيش عربي في لبنان.
بعد عودتنا إلى صنعاء، أجرينا اتصالات بالمعنيين، وفي مقدمتهم الأمين العام للجامعة العربية السيد الشاذلي القليبي، ليقوم بدوره بالاتصالات اللازمة، وقلنا له إننا نترك له أمر اختيار المكان الذي سيجتمع به الملوك والرؤساء. لم نكتفِ بذلك، بل قمنا باتصالات مباشرة بالزعماء العرب، وبإرسال وفود لهذه الغاية. كنا نعرف المصاعب، والحساسيات... والتلكؤ والرغبة في التهرب من تحمّل المسؤولية. لكننا رغم ذلك، ثابرنا وواصلنا تحركنا، وكانت الأغلبية موافقين على انعقاد مؤتمر القمة. ولكن يبدو أننا أفرطنا في إظهار تفاؤلنا وحسن نياتنا. وها هي الدلائل تتسارع، بين لحظة وأخرى، على حصول عملية عدّ تنازلي... وها هي بعض الدول العربية تتراجع تحت ضغوط الدول الخارجية كما يبدوعن فكرة عقد القمة، حتى أحبطت العملية نهائياً! لم يعد أمامنا، والحالة هذه، سوى إعلان سحب مبادرتنا، وهو ما فعلناه في التاسع من آب/ أغسطس 1982م.
وما جرى حينها يذكرنا بما يجري اليوم في فلسطين وبدعوة مجموعة السلام العربي يوم أمس لعقد مؤتمر قمة عربية طارئة وعاجلة للتضامن مع غزة والشعب الفلسطيني الصامد الذي يتعرض للقتل والحصار والدمار وانقطاع الكهرباء والماء والاتصالات واستهداف المستشفيات والكوادر الطبية والإسعافية في ظل دعم غربي لإسرائيل وصمت عربي.
نأمل أن يلبي القادة والملوك العرب هذه الدعوة لوقف الحرب واستجابة لأرواح الشهداء وآلام الجرحى والمحاصرين ونصرة للمسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين الذي يجري تدنيسه ودعماً لقضية الشعب الفلسطيني الصامد منذ 1948 وحتى اليوم.
نحيي الجماهير العربية والإسلامية والمحبة للسلام التي تقف مع القضية الفلسطينية حتى تحقيق النصر وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.