في ضيافة قصر الضيافة بدمشق

إن زيارتي الأخيرة إلى دمشق هي امتداد للزيارات الرسمية والودية التي بدأتها عام 1970 عندما كنتُ وزيراً للدفاع وكان حينها في استقبالي الفريق الجوي حافظ الأسد في مطار دمشق، وبعدها انتقلنا إلى قصر الضيافة الذي كان يسمى باستراحة المشير عبد الحكيم عامر في فترة الوحدة السورية المصرية 1958 – 1961. وبعد أن أصبحت رئيساً للوزراء ورئيساً لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كنت ُ أنزلُ باستمرار في قصر الضيافة، والذي استقبلتني فيه الدكتورة نجاح العطار نائب الرئيس بشار الأسد يوم 23 نوفمبر 2023، بعد تبادل كلمات الترحيب بدأ الحديث من نفس المكان الذي كنت أجلس فيه إلى يمين الرئيس حافظ الأسد في زياراتي إلى دمشق.

قام ببناء قصر الضيافة الرئيس السوري أديب الشيشكلي في عام 1953، - صاحب ثالث انقلاب عسكري في سورية والمنطقة عام 1949 والذي سبقه انقلابين في نفس السنة، الانقلاب الأول بقيادة حسني الزعيم في مارس 1949 تلاه انقلاب سامي الحناوي في أغسطس 1949 - سكنه الشيشكلي لمدة قصيرة قبل سقوط حكمه، وفي سنة 1958 استقبل الرئيس شكري القوتلي في قصر الضيافة الزعيم المصري جمال عبد الناصر ومن على شرفته أُعلنت ولادة الجمهورية العربية المتحدة في 22 فبراير 1958 أمام مئات آلاف الناس المتجمهرين أمام القصر. كما اتخذه الرئيس عبد الناصر مقراً له أثناء زياراته المتكررة إلى سورية في أيام الوحدة.
وقد حدثني أحد الأصدقاء أن الجماهير كانت تأتي الى ساحة القصر صباحاً ومساءاً عندما يعلمون بوصول الرئيس عبد الناصر إلى دمشق، وكان البعض ينامون أمام ساحته بانتظاره سواء بخطاب أو بدون خطاب، المهم أن يحيهم من هذه الشرفة وبعضهم يكتفون برؤيته ويغادرون. وكان يقف الى جانبه الرئيس شكري القوتلي الذي تنازل عن الرئاسة بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر وأُطلق عليه حينها المواطن العربي الأول تقديراً لدوره القومي والوحدوي وتنازله عن الرئاسة طوعياً لصالح قائد الأمة العربية جمال عبد الناصر. 
وكان قيام الجمهورية العربية المتحدة يعتبر انتصاراً كبيراً لإرادة شعوب الأمة العربية التي كانت تتطلع للتحرير والاستقلال والوحدة، وقد خرجت الجماهير في كل مكان في أنحاء الوطن العربي تبارك قيام الوحدة العربية السورية المصرية، وكانت بعض القيادات العسكرية والسياسية في دمشق هي أول من طالب الرئيس عبد الناصر بقيام الوحدة وأول من قام بالانفصال بقيادة العقيد عبد الكريم النحلاوي مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر دون علم المشير الذي كان متواجد في دمشق حينها.

الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس السوري شكري القوتلي أثناء توقيع الوحدة
وبسبب بعض الأخطاء والسلبيات التي ارتُكبت خلال سنوات الوحدة من قِبلْ بعض القيادات المصرية والسورية حدث الانفصال، ولكن المشكلة ليست في الوحدة وإنما في الذين أساءوا لها وتآمروا عليها لأسباب داخلية وخارجية بدليل أن الملايين خرجوا إلى الشوارع في سورية ومصر وكل المدن العربية يهتفون للوحدة ويعارضون الانفصال.
وما جرى للوحدة في سورية ومصر جرى في اليمن في مايو عام 1994 بسبب الأخطاء التي اُرتكبت من قبل بعض القيادات الذين وقعوا على الوحدة وشاركوا في الانفصال، فالمشكلة ليست في الوحدة بل في الموقعين عليها، والذي دفع الثمن هي الشعوب، أمّا الذين تآمروا فقد ملؤا الجيوب.
 

مقالات الكاتب

لبنان تحت النيران

لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...