لماذا نسمي المحبوب "مّومّو عينيا" ؟

ناديت ـ  يا صديقي المفكر والرجل الرباني والنوراني.

 ـ نعم يا عزيزتي النحلة المباركة. التي تقطع آلاف الكيلومترات باحثة عن رحيق الجوهر الكوني.

ـ لماذا نقول في لهجتنا المغربية عن الشخص الذي نحبه بشدة "مومو العين"؟ من أي اللغات هي؟

ـ إنها من لغة الأرواح أصلها سرياني. ولغة الروح هي  لغة الملائكة لا يسمعها إلاّ الأولياء الكبار. مومو تعني الجزء القليل في الحجم العزيز جدا. لذلك نصف المحبوب في المغرب بأنه "مومو عينيا"

ـ ممتع للغاية. يا سلاااااام... لمعرفة الأصل حلاوة رائعة. طيب دعني أدعوك لمزيد من حلو الحديث ولك أن تحدثني عنه كما تريد.

ـ عل الرحب والسعة. إطلبي واسألي وأنا حاضر. 

ـ هل يمكن للمرء أن يصطحب معه روحا معينة إلى رحلة معينة بطريقة ما؟ لا أعني التخاطر الذهني والدعاء الغيبي وقوة الجذب والتلاقي في المنام. هذه أمور يسيرة على الروح الطاهرة والمحبة والشفافة. لكني أسأل عن صيغة أبعد وأعمق عن كل ما ذكرته.

ـ نعم يمكن، وهي أسهل من كل هذا وذاك. نصاحبها كما نفعل الآن. فإن المصاحبة الحقة هي التعليم وهي الإرشاد والتسيير إلى النضج الروحي والفكري. حتى تتخطى الروح المقام الرابع وهو النفس المطمئنة إلى المقام الخامس فتبدأ رحلة العرفان بالعلم والبصيرة. فطوبى لمن أدرك مقامه وفهمه لمحبيه. كل في شأن والمؤمن في شأن الحق يا مريم. ينظر إلى البديع ولا ينظر إلى من خلقهم البديع. وندعوا لنا ولهم بالحق.

ـ كلامك ممتع يا صديقي إلى أبعد الحدود. لكن دعنا في أمور القلب والمحبين. هناك سيدة في التاريخ شغفت دوما إلى الأعماق بروحها. حتى أني سألت الله عنها في حديثي معه في الحرم. فأنا كما تعلمني أسأل الأرض والحجر في اليقظة والمنام. هي الرميكية وعن سطوتها الفذة على قلب المعتمد. وجدتني أسأل من أي أنوع النساء كانت؟ لتكن بتلك القوة التي وصفها وجدانه في أشعاره. شعره عنها أخاذ وحلو المذاق، كيف فعلت ذلك وهو الملك إبن الملوك المحاط بالجواري الحسان، وهو الرجل الذي اعتاد التململ مما بين يديه مهما غلا ثمنه فكيف بأنثى. 

ـ  السر في روحها الماهرة القوية والتي كانت تتحكم في أنفاسه. فالمرأة يا مريم روحيا وعاطفيا أقوى طبيعة أصلية. فإن أدركت علما أو جاها أو مالا أو حسنا، كانت أسطورة في التحكم الإيجابي والإختراق الروحي، الإيجابي طبعا. فيخضع لها كل من يحاول الإقتراب من هالتها. حب المعتمد والرميكية حب الكبار. لا مال، لا مظهر، لا جاه، فقط الروح. 

ـ وكم هي درجات الحب وأنواعه ؟ فليس كل حب حب.

ـ اعلمي يا مريم أن الحب هو السكن إلى الحبيب الذي يمنح الروح مجالا للعلو والتذوق للحب الإلاهي. أنواعه الظاهرة إثنان، العميق الروحي والدنيوي البروتوكولي الإجتماعي. أما الحب الصافي فهو نهر واحد، تتفرع منه الأنهر السبعة في سبعة مقامات : المقام الأول محبة الحبيب، وهو الحب الخاص من الله لحبيبه محمد وحب محمد لله العزيز. المقام الثاني حب التكريم، ولقد كرمنا بني آدم ،وهو حب الله لآدم وحبه لبني آدم. الثالث حب الإيمان، يحبونه ويحبهم المؤمنون الذين يسري فيهم حب الله وتميزهم عن باقي المخلوقات. الرابع حب الخلق للخلق، الحب الذي يسري بين العباد كافة. الخامس حب النور، وهو حب الأولياء لله وهو حب صاف وطاهر لا مثيل له عند الخلق، ومنه يتصل الأولياء بالله ونوره. السادس حب القلب، وهو ما يكون بين قلب وقلب كالعشق الذاتي، والحب بين الازواج والأولاد. السابع حب الروح، وهو حب في قمة التميز، بين الأرواح والأرواح وأصحابها ومنها حب الشيخ وبين المريد، وحب الروح التي تكون لعاشق من عاشق. ولكل مقام تجلياته.

ـ يا الله كم هذا ممتع، سبحانه لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إياه. عندي سؤال آخر يا صديقي النوراني. منذ مدة وأنا أفكر في موضوع عجيب. راودني بعدما قرأت وتابعت وتنقلت بين قلوب العديد من المشاهير عبر قصص حبهم المليئة بالشغف والمفاجات والمستحيل. فقلت، إنه لعجيب كيف يعرف القلب أو تعرف القلوب محبوبها مسبقا، وتبنى بينهما وصالا وتواصلا بالفكرة والروح والميل قبل أن اللقاء والتعارف؟ فما قولك في هذا التناغم الفكري والروحي والأنس القائم عن بعد؟!

ـ  اعلمي يا مريم أن الأرواح  تتآلف وتلتقي في الأثير قبل عالم المادة. نحن كبشر نفكر أن الإعجاب والحب هو ما أدى إلى الزواج والرباط الروحي. لكن الحقيقة يقولها الحكماء البسطاء "نحن متزوجون في السماء قبل الأرض". هذا معناه أن الأرواح تزاوجت قبل نزولها الأرض.

إننا يا مريم حياة ما قبل النزول إلى عالم الدنيا. وهذه حقيقة لا يدركها أغلب الناس. في الدنيا ننجذب إلى الجمال إلى الجسد إلى أمور أخرى كالجاذبية، لكنها فقط هوامش الظاهر، أما الأصل فهو الباطن الذي سبق الزمان والمكان والانجذاب، كأننا نحقق ما كان قد حدث، وهو معبر عنه بسبب في علم الله. نحن نعيش حياتين، حياة الجسد والزمن المحدد والمكان المعلوم. وحياة الروح التي سبقت كل هذا الوجود. كتبت في اللوح المحفوظ ونحس كأننا عشناها من قبل.

أتعلمين أننا لا نموت، فقط الجسد عندما يبلى ويشيخ يندثر ويتلاشى بتفاعل كيميائي أصله التراب. بينما الروح التي هي رمز الحياة لا تموت. إذ كيف يعقل أن تموت من هي من أمر الله ومن شانه، وهي جزء من روح الله. تعيش في البرزخ متآلفة مع الأرواح، وكل روح تعلم مستقرها هناك. إذا تدبرنا ليلا القرآن نجد أن كلام الله هو المحرك للروح، وننزل من القرآن ما فيه شفاء ورحمة. الرحمة للأحياء في الدنيا، حياة وراحة وكسب إلى آخره. بينما هو شفاء للأرواح في البرزخ. يروح عنها ويشافيها إلى وقت البعث والنشور. 

ـ نعم... القرآن إنه حبيبي الذي أعانقه دوما كلما بحثت عني. هل تعلم أني أتعجب كل العجب ممن يبحث عن القوة والراحة بعيدا عن الله وكلامه المقدس في علاه، والأكثر من ذلك هو لجوئهم للعباد الضعفاء. أمر محزن حقا. 

ـ إعلمي يا مريم، أن كلمة واحدة فقط تكفي لكل الحياة إن قيلت إيمانا حقا واعتقاد، هي اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت سبحانك من كريم سبحانك من عظيم سبحانك من حليم. فإن أرواحنا بإيمانها كفيلة أن تفعل الأعاجيب. جوهر الأمور كان دوما الإيمان واليقين. واعلمي أن الصبر هو قاعدة الحياة التي تجمل لنا وتجمع لنا أمورنا. منه تخرج العزائم وتخرج الهمم. وما يلقاها إلاّ الصابرون، صدق الله العظيم. ألم ترين أن الصبر هو آخر أسماء الله 99، الصبور، وكأنه يحتوي كل صفات ذات الله وكل أسمائه.

ـ سبحانه لا إله إلاه هو، نعم المولى ونعم النصير. هناك أمر آخر أود قولك فيه يا صديقي. لماذا الناس في مجتمعاتنا تستحي من التحدث عن مشاعرها والبوح بحبها صراحة. فالحب أمر مطلق إن وجد وجد ولا راد وأيضا هو فوق أن يربط بغاية. لماذا لا يفهون هذا؟

ـ نعم. لا ضير أن يقول المرء ما يحسه بوضوح. لكن مجتمعاتنا في حالة القبض الروحي. فكرته ضيقة جدا وهذا هو الضياع. ولا يصالحون ذواتهم. يا مريم لو تحقق التصالح بيننا وبين ذواتنا لكنا أقرب من ملائكة. لأن الذات تجمع بين العقل وبين الروح والحس، ظاهرا وباطنا.

ـ ونحن في رحلة حديثينا عن الحب. أطمع في أن تفسر لي خلقا آخر بديع والذي نسميه بالعاطفة. تلك التي تمنحنا السكينة والحنان وكل جميل عرفناه في الوجدان. أشتهي سيرة ذاتية عنها بعلمك النوراني يا صديقي المستنير بعلوم الروح وأحوالها.

ـ  لك ما شئت يا طفلتنا المدللة. فبسم الله نبدأ ونسأله فتح أبوابه لنوره مدخل الصدق الكريم. وليعلم الناس، أن العاطفة نصفها قرار ونصفها تدبير. أمرا وفعلا من كيان الآدمي. ففيها يجتمع النور والانكسار الإشعاعي، ومنها يخرج الحس من دائرة السكون إلى مدارج الفعل والتصريف القلبي.

العاطفة هي ثالث العوالم القلبية. فأولها المحبة وثانيها الذكر والرابطة، وثالثها العاطفة والتخصيص. وهي من مدارك الشعور ومن حصول التفعيل. هي المنفعلات من عالم الدم،. يشوبها رطوبة الكبد وحرارة النفس. بها تظهر الولاءات وتحدث المتغيرات سلبا وإجابة. مكانها نهر بين القرار المكين وركن العين. بابها الرغبة ومفتاحها الودود. عشرون نورا يغطيها طبقات محجوبة عن العادة، التي في المريخ، مقرها الزهرة في الوقت والساعات.

العاطفة استجابة أمومة  للوليد، في مقام الحنين، وركن الحب بين الباطن النوراني في التعلق بالحق ونور الكونين. وهي سد ما ملكت شفاف الهوى، ميل إلى الطبيعة الجاذبة، والرضى على المحسوس والصورة، وتعلق بانتشاء الحس.

والعاطفة نشأ من نشأ وخلق عجيب في التكوين. خلة في القلب صحيحة الهيأة بها نور من العطوف. من أدار طبيعتها على سجية السلوك فاز بفضلها والعطف اللطيف. ومن تكاسل عن تدبيرها، غلظت وقست، وذلك يفضي إلى ظلمانية القبض.

أما محلها في القلب، فهي خبايا الفؤاد، وتحتها الخفي هو طبقة المحبة العليا، وتحته الأخفى هو محل الحب الكامل وحب الله. 

وللمحبوب جذب وانجذاب. الصورة لا تهم في القرار، بل الباطن المقصود في أساس التساكن. نداء يهفو إلى الحبيب، لغة واشارة من ود العطف، انغماس كامل في اختلاط العواطف، والإقرار والتآلف والألفة، وهو مقام من مدارج الاطمئنان. 

الجذب فعل المنفعل، رطوبة، حرارة، وهواء يدفع النار للاشتعال. وحده الصبر يتجلى في القلب. التلقين العقلي يغيب، والتمكين من الروح يأتي. الحاصل المحسوس، ولاء، همة النفس، تكثف الظن، ويتغنى اللسان وتدمع العين خوفا من الفقد، وتشد الروابط إلى الحس وبه يكتمل انخلاع الذات عن خاصيتها، ليحدث الميلاد الروحي والقلبي، ويصير الوصال عتبة الوصل وانخراط في اللذة روحا وإحساسا بلا انقطاع. 

يقول العقل للقلب الذي احتوى جمرة الهوى التي هي من نار الباردة، فيها سبعة طبقات من الحر، الشوق، الإكتواء، والوصل المحفز، النيل الخالي من المحسوس، إلى الهاوية والجنون.

حالات التملك منها وفيها. من وافقه القرار، صار حبيبا ومحبوبا ومن انقطعت عنه متعة الوصال، صار مجرة هامدة تخللتها أوجاع وأعطاب. هنا يدخل القلب إلى معركة السلوى، تتدافع ملكات الصبر وتجلد القلب. أما العاطفة فلا تنسى، والذكر يصيب النفس المعلولة بهواء الذكرى. هوى الحب من عشر عوالم، ثمانية من الحنان والحنين، واثنتان من البوح والبث. للحفاظ على المحبوب يدخل الحسم من باب الجد والصبر. وإلا صار هوسا وخللا في ميزان العاطفة.

واعلم أيها المحب، إنما أنت قشة في نار، صبر واصطبار، تعلق بمعروف، وبوح بروية وإئتلاف. أقصى الفقد جنون. وليس مثال عن عدم اكتمال الوصال كقيس ابن الملوح. 

هل أزيد أم يكفي..؟؟!

ـ واو.. مذهل ورائع يا صديقي فوق العادة. أشعر أني أرقص بين العلوم والقلوب.. شغف ودفء ووهج وعشق.. روعة هو وصفك للأمور.

ـ بل إنه جمال تذوقك أيتها الروح السابحة في التجليات. وهذا مما وقر في القلب والذات الكاتبة ليس أكثر وهو فضل من عند الله.

ـ سؤال أخير، يقال دوما أن القلب لا يخطأ وأنه في الإنصات إليه جواب عن ما التبس عن العقل. لكن القلب من حي وهو يفنى، أي أنه يغيب أحيانا فلا يحذرنا، وكم من مره صدقناه على مضض، فكان المضض لاحقا أصدق وأوفى، فماذا نصدق فينا مما خلق فينا. أين هو مركز الشعور الحقيقي الذي لا يخطأ ؟؟!

ـ اعلمي يا مريم أن القلب لا يعطي الحقيقة، القلب متقلب وهو بهذا يقلب الدم والطبيعة كلما تسمح عضلاته. والذي يقر بحقيقة الحالة هي الروح لا غيرها. وحدها السامعة المتبصرة والعارفة. لأنها وبكل بساطة من أمر الله

ـ انت ممتع حقا. ما أسعدني بصديق مثلك. زادك الله من فضله ونوره

ـ  بارك الله فيك ونورك ابدا. في أمان الله

مقالات الكاتب

عين اللص

"ماركوس أوريليوس" إسم لإمبراطور روماني اشتهر بفلسفته قبل سلطته.لديه مقولة رائعة الجوهر، تقول " تُلون...