لبنان تحت النيران
لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...
في خمسينييات القرن العشرين المنصرم اجتذبت عدن التي كانت في أوج ازدهارها الاقتصادي والتجاري والثقافي من ضمن من اجتذبت عبدالباقي هزاع علي – الذي كان لايزال فتى – من قريته التي ولد فيها سنة ١٩٤٤ م الأكمة الأعروق – حيفان – تعز .
كانت عدن يومها وجهة كل الباحثين عن فرص التعليم والعمل وتحقيق حلمهم بحياة أفضل خاصة من مناطق الشمال الغارق يومئذ في غياهب الجهل والتخلف وظلم الإمامة ، أو من مناطق ريف المحميات ، او من القرن الأفريقي ، وحتى من الهند وبلدان أوروبية من الذين اجتذبتهم عدن بصيتها كميناء حر ومنطقة تجارة حرة .
أكمل الفتى تعليمه المتوسط في عدن ، وانخرط في سوق العمل مبكرا – إذ كان عليه أن يعيش ويعيّش أهله في القرية الذين كانوا يعتمدون كغيرهم على مايرسله لهم أبناؤهم في عدن –
عامل خراطة في محلج القطن بالكود بأبين ، وبدأ عبد الباقي هزاع وظيفته الحكومية عام ١٩٦٤م وحينها كانت جعار تشهد هي الأخرى نهضة زراعية وتتوسع كمدينة بعد أن كانت في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي قرية صغيرة ، لكن بعد إنشاء مشروع لجنة أبين الزراعية على يد البريطاني براين هرتلي عام ١٩٤٢ تقريبا كمشروع مشترك بين السلطنتين الفضلية واليافعية اللتين كانتا في حالة صراع واقتتال على الحدود والمياه لعقود طويلة الى درجة أن أحد المستشارين الإنجليز كتب لحكومته أن هذه الحرب لن تنتهي إلا بفناء جميع سكان المنطقتين ، لكن هرتلي وجد أن الحل هو في تنمية المنطقة والاستثمار المشترك للسلطنتين فكان مشروع لجنة أبين الزراعية ، وزراعة القطن وجاء محلج الكود جزءا من هذا المشروع الذي نقل جعار نقلة كبيرة وجعل منها مدينة تجتذب إليها الناس من كل اليمن ، وكان عبدالباقي هزاع واحدا منهم حيث استقر به الحال سنوات طويلة قبل وبعد الاستقلال وتولى فيها مسؤوليات أغلبها في الزراعة كما تدل سيرته الذاتية الى درجة أنه أصبح أول سكرتير لاتحاد الفلاحين اليمنيين .
لم تكن عدن سوق عمل ومنطقة تجارة حرة تجتذب الناس من كل مكان ، بل كانت أيضا مدينة تنوير وثقافة وحريات سياسية وإعلامية ، ومنطقة تلاقح شعوب وثقافات وأديان وأفكار . وقد اجتذبت أفكار حركة القوميين العرب التي كانت تلقى الرواج في تلك السنين الشاب عبدالباقي هزاع فالتحق بالجبهة القومية سنة ١٩٦٤ التي كانت الحركة أبرز مؤسسيها لتحرير الجنوب اليمني المحتل من الاستعمار البريطاني والتي توج نضالها ونضال جبهة التحرير والشعب في الجنوب بالاستقلال في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م .يومها لم يكن أحد يسأل من أي منطقة هو ، فقد ذهب كثير من أبناء الجنوب الى الشمال للدفاع عن ثورة سبتمبر والجمهورية
واستشهدوا أو جرحوا ، وبالمقابل ناضل العديد من أبناء الشمال في صفوف ثوار الجنوب ضد الاحتلال وكان منهم شهداء وجرحى . وقد أدى عبد الباقي هزاع دوره في معركة التحرير وفي مضمار بناء الدولة من موقعه في المسؤوليات التي تولاها في العمل الجماهيري ، وتدرج في العمل السياسي الى لجنة مركزية في التنظيم السياسي الجبهة القومية ومن ثم في الحزب الاشتراكي اليمني . وككثيرين ممن يختارون العمل السياسي دفع ثمن قناعاته السياسية ومواقفه فسجن مرتين في نهاية السبعينييات وبعد أحداث ١٩٨٦م لكنه واصل مسيرته النضالية الى أن وافاه الأجل عام ٢٠١٨ م
وطوال مسيرة حياته التي تزاملنا فيها بضع سنين حيث كنا نلتقي في عدن أو أبين خلال مرحلة بناء الدولة كان مثالا كما عرفته للوطني والمناضل المثالي وقد استحق وسام الإخلاص في مايو ١٩٩٠ تتويجا لكفاحه الطويل في سبيل الوطن والإنسان ..