مقال للرئيس علي ناصر محمد(عبدالله باذيب)

في الذكرى السنوية الثانية والاربعين لرحيل قائد وطني ، وزعيم سياسي ، ومفكر فذ ، هو عبد الله باذيب ، طيب الله ثراه ..
ليس لمجرد الذكرى ، وهو وفاء وطني وسياسي وانساني لرجل بقامته ، بل ان الهدف الأكبر من ذلك في تصوري هو ، استلهام سيرة وفكر ونضال رجل كان بحجم وطن ، عاصر بالرغم من حياته القصيرة والحافلة ، بل وكان فاعلا ومؤثرا في كثير من المحطات الهامة والمصيرية في كفاح شعبه من اجل الحرية والاستقلال والوحدة ، والعدالة الاجتماعية ، والتقدم الاجتماعي ، والدولة الوطنية الديمقراطية المدنية .. وهي قيم عظيمة ، كما نلاحظ ، لاتزال تصلح عناوين كبرى لنضال شعبنا الذي لم يفتر من اجل ترسيخها في الواقع بالرغم من كل التعقيدات 
والصعوبات ، والانكسارات ، وحتى الفشل . وهي كلمة كان يكرهها الفقيد ، ويرى ان الشعب يملك طاقات كبيرة للتغلب عليها ، ولا ينبغي ايصاله الى حالة اليأس والقنوط . 
وقد يكون من بين اهداف هذه الندوة ، ولا اظن ان ذلك غائب عن ذهن المنظمين لها ، والمشاركين فيها ، البحث فيما جرى في هذه السيرة والمسيرة ، كوسيلة لفهم التاريخ اليمني المعاصر ، الذي مازلنا نعيش واحدا من اصعب ظروفه واوقاته ، وبالتالي استخراج العبر والدروس ، والبحث عن حلول تساعد شعبنا للخروج من هذا المأزق ، والى خارطة طريق .. وفي سيرة وفكر وكفاح عبد الله باذيب الوطني السياسي الكثير الذي يمكن استحضاره ، واستلهامه . والاستفادة منه .
كان عبد الله باذيب ، ابن عصره بامتياز ، وقد حاول فهمه ، والقوى والعناصر المحركة له ، واختار طريقه بوعي ، وكان يعي انه يسير في طريق ليس بالهين ولا السهل ، لكنه مشى فيه ، وتحمل تبعاته باقتدار ، من محاكمة ، الى نفي ، الى سجن ، الى توقع القتل او الاغتيال . ولن اتعمق في تفاصيل هذه السيرة والمواقف ، لأن الباحثين والمشاركين في الندوة عبر الاوراق المقدمة ، والمناقشات سيتطرقون الى جوانبها المختلفة ، وهم مختصون ومتابعون على درجة عالية لحياة وفكر ونضال عبد الله باذيب . . وسأكتفي بالقدر الذي تتيحه لي كلمة قصيرة كهذه الى الاشارة لبعض الملامح التي ارى انها قد ميزته ، وارتبطت بشخصه وبالواقع الذي كان يتحرك فيه وماتزال تصلح عناوين لواقعنا الراهن :

اولا : ان عبد الله باذيب ، بدأ نضاله الوطني والسياسي وهو لايزال في شبابه المبكر ، وعندما اصدر مجلته ( المستقبل ) عام 1949 م كان لا يزال طالبا في الثانوية العامة . وما خطه بقلمه اوخطته اقلام كتاب المجلة ومن بينهم رواد في الحركة الوطنية اليمقراطية في الوطن العربي ، دليل على وعي مبكر .. ، وعندما تعرض للمحاكمة على يد المستعمرين البريطانيين في عدن بسبب مقاله الشهير ( المسيح الجديد الذي يتكلم الانجليزية ) كان شابا صغيرا ايضا . وهذا يشير الى مايمكن ان تفعله طاقة الشباب ووعيهم في عملية النضال و في عملية التغيير ، ولنا اسوة ومثال في الدور الكبير الذي لعبه شباب الوطن في الشمال والجنوب عبر كل المحطات ، وفي ثورتي سبتمبر واكتوبر ، واخرها ثورة 11 فبراير 2011 م . ومازلنا نعول على دور الشباب في وقتنا الراهن بوصفهم قوة محركة ، وطاقة هائلة في اية عملية تغيير . ولا يمكن ان يستسلموا لليأس لانه جرى الالتفاف على ثورتهم وجيرت في طريق أخر غير الذي ارادوه .!

ثانيا : ان عبد الله باذيب كان من رواد النضال من اجل استقلال حقيقي لجنوب الوطن ، من الاستعمار ، لكنه كان يرى عن حق ان ذلك مرهون بالقضاء على الحكم الامامي المستبد في الشمال ، وناضل ضد الاثنين : الامامة والاستعمار بدون هوادة . كان ذلك مفهومه ، لايمكن تحقيق استقلال لجز ء من الوطن دون الآخر
.. وهكذا في المعضلة التي تواجه اليمن اليوم بكل تعقيداتها لايمكن ايجاد حل للأزمة اليمنية الراهنة دون ايجاد حل عادل للقضية الجنوبية العادلة .. ولا ايجاد حل للشمال بمفرده ، او الجنوب بمفرده 
ثالثا : ان عبد الله باذيب في فكره وكفاحه الوطني السياسي ، كان مهتما بثلاثية الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية . 
وكرس فكره ونضاله لتحقيق ذلك مع كل المخلصين من اجل قضايا الوطن والانسان مع انحياز كامل وواع للطبقات المسحوقة في المجتمع . ولاتزال هذه العناوين والقضايا ماثلة حتى اليوم ، والى امد قادم .. وستظل اساسية من زاوية مصلحة الوطن والمواطن .
ولاتزال قيم الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية جزءا من نضال البشرية .
رابعا : ان عبد الله باذيب كان مؤمنا كل الإيمان بدور الكلمة والفكر ، وقدرتهما على التأثير والتغيير . والعودة الى كتاباته وافكاره توضح الى اي مدى كانت فعالة ومؤثرة ، والى اي مدى هي الكلمة قوية ، وكم نحتاج الى حرية التعبير في نضال شعبنا الراهن ، وفي المستقبل .

خامسا : ان عبد الله باذيب ، كان يؤمن بالحوار ، واحترام الآخر ، والتباينات السياسية معه ، ولعب دورا كبيرا في الحوار بين فصائل العمل الوطني في الجنوب ، وهو حوار استغرق طوال خمسة اعوام وقد ادى في الأخير الى وحدتها في تنظيم سياسي واحد هو التنطيم السياسي الموحد الجبهة القومية ، والذي قاد بدوره الى قيام الحزب الاشتراكي اليمني . وبالعودة وقراءة ماحدث من صراعات في تجاربنا السياسية في الشمال والجنوب ، اوبين الشمال والجنوب ، قبل الوحدة وبعدها ، ومن حروب نستخلص ان انعدام الحوار الدينقراطي كان احد اهم اسبابها .
كم نحن في حاجة الى الحوار مهما اخذ من وقت ، وعدم الضيق بالآخر ، وبافكاره ومواقفه . بالحوار وحده نصل الى قناعات مشتركة ، والى حلول للخلافات السياسية اي كانت . ودون ذلك الصراعات الدموية والحروب . ومايشهده الوطن من ازمات وحروب خير دليل على اهمية الحوار مع الذين نختلف معهم داخل الوطن ، او من الخارج .

سادسا : ان عبد الله باذيب ، كان يؤمن بدور التعليم في حياة الوطن والانسان ودوره في عملية بناء الدولة وتقدم المجتمع . اذ لايمكن تحقيق نقلة حقيقية ، وتنمية وتطور فعلي بدون احداث تعليم ديمقراطي ، فبالعلم والتعليم والعمل تتقدم الاوطان والشعوب . ومانراه اليوم ، من تدن وتدهور في مستويات التعليم في كافة المراحل في بلادنا ، مقارنة ببلدان اخرى ، دليل على ان يتقدم الاهتمام بالتعليم ومستقبل الاجيال الحاضرة والقادمة سلم الأولويات الاستراتيجية . 
سابعا : وبالمثل ، كان عبد الله باذيب يهتم بالثقافة كبير اهتمام ، لا يقل عن اهتمامه بالتعليم ، ويرى ان الثقافة مهمة للمجتمع ككل ، وليست حكرا على النخبة . وخلال توليه لوزارة الثقافة ، وكنت حينها رئيس الحكومة في عدن في منتصف السبعينات ، اولى اهتمامه بقضايا الثقافة الاساسية من ادب وفن ومسرح وسينما ، وآثار ، وبحوث ثقافية ، وغناء وفنون شعبية ، ومكتبات الخ ....
كجزء من رؤية الدولة والحكومة . بانه لا يمكن بناء الدولة ، واحداث تغيير حقيقي في المجتمع بدون ان تكون الثقافة قاطرة هذا التغيير .. 
وقضايا التعليم والثقافة ينبغي ان تكون اليوم وفي المستقبل من القضايا الاستراتيجية لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل .

ثامنا : ان عبد الله باذيب ، كان من رواد النضال من اجل الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية .. دولة النظام والقانون والمؤسسات . دولة العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية ، وناضل في سبيلها واسهمم بقسطه في سبيل تحقيقها خلال حياته القصيرة ، ولايزال حلم اليمانيين بهذه الدولة حتى يومنا جزء من نضالهم ، فلا يمكن مواجهة تحدي التشظي ، والتخلف ، واستدعاء موروث الماضي ، القبلي ، والطائفي ، والمناطقي ، الا بوجود دولة ديمقراطية مدنية ، اتحادية ، تحقق العدالة والمساواة لكل المواطنين .

ايها الاخوة والاخوات ..
وحتى لا اطيل عليكم ، فان في فكر ونضال وسيرة عبد الله باذيب ، الكثير من القيم والمعاني والتجارب السياسية والكفاحية ، التي يمكن الاستفادة منها ، ومن دروسها ، لتجاوز معضلات الحاضر ، واستشراف آفاق المستقبل . وبالتأكيد ليس المطلوب تقليدها ، او تكرارها ، فقد جرت في زمن مختلف ، وظروف مغايرة ، لكن الكثير من ظروفها لاتزال متشابهة ، مما يساعد على تحريك العقل ، وامعان التفكير ، وفتح الأبواب .. واتمنى الا ينتهي الأمر عند حدود هذه الندوة ، بل ان تكون مقدمة لفتح حوار وطني شامل حول قضايا الحاضر والمستقبل .
اخيرا ...
اتمنى لندوتكم التوفيق 
واشكركم على حسن الانصات .. 
واكرر شكري لمنظميها على فرصة الحديث الى هذه النخبة المائزة المهتمة بقضايا الفكر وبتراث الخالد عبد الله باذيب 
،،،،،،، 
والسلام عليكم ورحمة الله 
الرئيس علي ناصر محمد

مقالات الكاتب

لبنان تحت النيران

لبنان، جوهرة الشرق الأوسط، والتي قال عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: «إنها نافذة زجاجية معشقة وم...