الضالع شرارة والانفجار قادم

عبدالسلام عاطف جابر

في الحرب العالمية الثانية تضمَّنت الخطة الهجومية لقوات الحلفاء عملية نيبتون؛ وهي عملية إبرار "إنزال" القوات في ساحل النورمندي شمال فرنسا، وكانت القوات مشكلة من الجيشين الأمريكي والإنجليزي، وعندما أُبلغ قائد المقاومة الفرنسية الجنرال ديقول.؟ أشترط عليهم أن تدعم المقاومة الفرنسية في داخل فرنسا دعم كبير حتى يتم تفعيلها بقوة وتنتشر على الأرض، وعندما يبدأ إبرار قوات الحلفاء تكون القوات الفرنسية أول من ينزل على البر الفرنسي،  ثم تنزل القوات الأجنبية، معللاً موقفه بقوله (كل ماقدمته المملكة المتحدة من دعم للفرنسيين لن نقبل أن يكون مساعدة أوهبة، بل هو دين في عنق الشعب الفرنسي، وسوف يسدده لهم بالكامل، وفرنسا شريكة للمملكة المتحدة وباقي دول الحلفاء في معركة تحرير أوروبا وليست تابع لأحد، ولن نقبل أن يسجل التاريخ أن جندي إنجليزي أوأمريكي وطأت قدمية الارض الفرنسية قبل الجنودالفرنسيين) وتم تعديل خطة الهجوم كما أراد ديقول.. وبعد الحرب وقفت فرنسا على أقدامها خلال وقت وجيز، مستقلة في قراراتها لاتستطيع أي دولة ممارسة أي ضغط عليها، وحصلت أيضاً على مقعد دائم في منظمة الامم المتحدة التي أعلنت في أكتوبر 1945 حالها حال الدول العظمى التي لم تتعرض لدمار الإحتلال النازي.

 

الأوطان يحررها أبناؤها، والشعوب الكريمة لاتقبل الخنوع للغزاة والعملاء، وتتقدم الصفوف لتحرير أرضها، لاتقبل أن تحررها جيوش دول أخرى.. وهذا ما أراده التحالف في اليمن (أن يحرر اليمنيون أرضهم بأنفسهم، وتقتصر مهمة التحالف على الدعم والإسناد بالقصف الجوي والمعلومات).. لكن للأسف السلطة الشرعية الموالية للتحالف لم تكن بذلك القدر من المسؤولية، خذلت التحالف، وتواطئ الكثير من قيادتها مع الانقلابيين؛ وانكشف أن الكثير منهم يعملون لصالح الانقلابيين. ابتداءً بالمعلومات المكذوبة التي تسببت بعمليات قصف جوي خاطئة، قتلت مدنيين، وأساءت للتحالف أمام المجتمع الدولي.. وكذلك التخابر لصالح الانقلابيين الذي تسبب بقتل عدد من القادة، ومئات الجنود من الجنوب والإمارات والسعودية والسودان.. ثم بيع أسلحة التحالف للانقلابيين، وآخرها تسليم معسكرات، مستودعات أسلحة، عربات عسكرية، ومساحات شاسعة تم تحريرها سابقاً بتضحيات غالية.

 

لكن في الجنوب تحركت قوى الشعب الجنوبي، ولم يركنوا على السلطة الفاسدة؛ فشكلوا مقاومتهم الجنوبية الباسلة بعد هروب السلطة بساعات في 25 مارس 2015، ونجحت رؤية التحالف في الجنوب، فحرروا بلادهم بمشاركة جوية من قوات التحالف.

 

أمَّا في المحافظات الشمالية فحررت المقاومة الشعبية محافظة مأرب، وأجزاء بسيطة من محافظات؛ الجوف؛ تعز؛ البيضاء... وأمَّا الأغلبية من المحافظات الشمالية ظلت خاضعة للانقلابيين.. وهذا الواقع أضطر التحالف في 2017 لتشكيل قوات من الجنوبيين لتحرير الشمال؛ ألوية العمالقة لتحرير الساحل الغربي، والقوات الخاصة لتحرير شمال محافظة صعدة، وفي ميدي محافظة حجة، وفي الجوف... رغم وجود جيش جديد، موّل التحالف بناءه، ويصل قوامه اليوم إلى (420،000) أربعمائة وعشرين ألف جندي يتقاضى مرتباته من دول التحالف، ومن بترول وغاز حضرموت وشبوة "الجنوبيتين" ومأرب.. يرابط أكثر من (250،000) مائتين وخمسين ألف فرد منه في محافظتي مأرب والجوف على حدود صنعاء؛ لم تحقق أي تقدم منذ أربع سنوات..

 

وكما أضطر التحالف لتشكيل قوات جنوبية في 2017 لتحرير الشمال أضطر الجنوبيون اليوم لاتخاذ قرارات المقاومة الجنوبية التاريخية التي تقضي بتأسيس عمليات تحكم وسيطرة لكل القوات الجنوبية، وإعلان التعبئة العامة، وبناء محاور قتال لصد هجوم جحافل الحوثي التي حشدها لاجتياح الجنوب مرة أخرى.

 

لا يوجد أمام الجنوبيين من خيار غير الحشد والتعبئة لحماية أنفسهم، لا يمكن للجنوبيين الثقة بقوات الشرعية بعد خيانتهم لأهلهم وقراهم ومدنهم وتركوها لقمة سائغة لجحافل الحوثي، كما يقول المثل (الذي ما نفع أمه ما ينفع خالته)...

 

وكذلك التحالف؛ لا يوجد أمامه من خيار غير دعم وتمويل التعبئة الجنوبية؛ لأنه يعلم أن هزيمة القوات الجنوبية تعني خسارة التحالف كل المكاسب السياسية والعسكرية التي حققها في اليمن خلال الأربع سنوات الماضية. ويعلم أيضاً؛ أن حشود الحوثي واستعداداته لاجتياح الجنوب مرتبطة ارتباط مصيري بالاستعدادات الإيرانية لإشعال حرب واسعة النطاق في الخليج.

 

وعلى اليمنيين أن يفهموا الواقع الجديد؛ وأن المستجدات في الجبهات تجاوزت الصراع اليمني على السلطة؛ سواءً مع الانقلابيين، أو بين الإصلاح والمؤتمر داخل السلطة الشرعية، وأنها أصبحت جزء رئيسي من صراع كبير في الشرق الأوسط، لا يعلم أحد حدوده وآثاره ونتائجه.. فأما ينقذوا بلادهم من هلاك الحرب بين دول المنطقة، أو يستمر ساستهم بالعبث والاحتيال السياسي، والتلكؤ والخيانات في الجبهات؛ ونتيجة ذلك دمار بلادهم

 

وعلى الجنوبيين توحيد صفوفهم في اصطفاف وطني، والتخلي عن الاصطفاف المناطقي، وقبول بعضهم بعض.. خصوصاً الكيانات السياسية والعسكرية المرتبطة بالتحالف وتحصل على الدعم والتمويل؛ عليهم ضم الجميع إلى صفوفهم، ومشاركتهم الدعم والتمويل؛ فالقضية اليوم "بقاء الجنوب" وليست من يحكمه؛ فالجنوب لن ينجو من الدمار إِلَّا باصطفاف الجميع على الصعيدين السياسي والعسكري، فمعركة الضالع هي شرارة لمعركة كبيرة حاسمة لم تبدأ بعد.

مقالات الكاتب

لماذا صمت الرئيس ؟

لا أعتقد أن هناك جنوبي واحد لم يكن يعلم أن الوزير الميسري كان يقدم نفسه للإصلاح وللمؤتمر وللشماليين...