الطبيب الإنسان
كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...
العنف نتاجًا طبيعيًا لثقافة الصراع المتأصلة في العقلية الجمعية للمجتمع اليمني القائمة على فلسفة الغلبة والسيطرة التي عليها مدار تفكير أفراده ،ونخبه الحاكمة،لذا لا يستتب أمره إلا للمتغلب ،ولا يذعن إلا للقوي ،إذعان ينتج حالة من الاستقرار المؤقتة التي سرعان ما تتلاشئ بمجرد تراخي قبضة الحاكم ؛ليعود الصراع من حيث بدأ أول مرة،وفقًا لنفس الأسباب والمقدمات التي تقود إلى نفس النتائج في كل مرة .
ظل الصراع الثابت الوحيد في حياة اليمنيين لتعذر إيجاد أسبابًا للاستقرار في ظل ثقافة يعاني أفرادها من انحراف التفكير، والافتقار لعقلية تصالحية جامعة تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية، وحق العيش المشترك ،في ظل منظمومة حكم رشيدة ،تقوم على مبدأ الشراكة الذي يضمن حقوق الفرد، ويحافظ على المصلحة العليا للمجتمع،وهذ لن يتحقق في ظل سيطرة هذه الثقافة المثقلة بأوهام السيطرة،والاستحواذ ،القائمة على الفرز المذهبي ،أو القبلي،أو المناطقي،لأن المجتمع الذي يعاني أفراده من الخوف المستمر من بعضهم يدفع مكونات المجتمع للاصطفاف والتخندق تحت رايات عصوبة بدواعي حماية أفرادها من الخطر الذي يتهددها من المكون الأخر،فيتحول هاجس السلطة من وسيلة لإدرة وتسيير شؤون المجتمع ،إلى وسيلة للاستقوى والقضاء على الأخر ،ومصارده حقوقه، لذا لم يشهد اليمن استقرارًا في ظل التشطير ،ولا في عهد الوحدة، ففي عهد التشطير ظل الصراع في الشمال قائمًا على أساس الفرز المذهبي الذي افضى إلى سيطرة الأقلية الزيدية على الحكم في العهدين الملكي والجمهوري،وظل الصراع الجنوبي قائمًا على الفرز المناطقي، فلم يستقر الحكم في الجنوب بسبب دورات العنف المستمرة التي لاترال آثاره إلى اليوم، وفي عهد الوحدة تحوَّل إلى صراع شمالي جنوبي،فتوحَّدت مكونات الشمال جميعًا ضد الجنوب،وتركوا كل خلافاتهم بدواعي السيطرة على الجنوب لصالح الشمال،وتوحَّدت مكونات الجنوب ضد الشمال،ونحَّت خلافاتها جانبًا بدواعي مواجهة الخطر الشمالي الذي يتهددها جميعًا، لذا سيظل الصراع مستمرًا شمالًا وجنوبًا، وسيظل الحكم هو من يحدد ميدان الصراع ،إذا لم تتغير العقلية التي يدار بها الخلاف في اليمن برمته .
سعيد النخعي
17/سبتمبر/2019م