الطبيب الإنسان
كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...
الدول تأخذ دورة حياتها مثل البشر ،وتمر بنفس المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان ،من التكوين إلى الرحيل ،ومغادرة هذا العالم الذي كتب الله على كل شيئ فيه الزوال، فكما أن هناك أُناس يلدون هناك آخرون يرحلون، وكذلك هي أنظمة الدول نظام يسقط وآخر يصعد ،وفقًا لنفس النواميس، ونفس السنن .
اليمن دولة منذ فجر التاريخ تواجه أقدار الله التي كتبها عليها لوحدها، ونواميس الزمن السارية عليها وعلى غيرها ،فيدفع شعبها وحده ثمن مشكلاتها وأزماتها ،لايشاركها في ذلك قريب أو بعيد ، ولا يرتبط مصيرها بغيرها من الدول ،كما لا يرتبط مصير غيرها بها ، مهما حاول المتفلسفون من دعاة التبعية والإرتهان إقناعنا أن مصيرنا مرهونًا بمصير غيرنا، ومهما اجتهد المتحذلقون في إيجاد الحجج والمبررات لتمرير وهمهم علينا .
فقد فشل القوميون العروبيون من قبل،والإشتراكيون الأمميون من بعد ،حين ملأوا الدنيا ضجيجًا، وهم يتغنون بإخلاصهم للإشتراكية،وتفانيهم في الدفاع عن المصير الأممي المشترك،ومواجهة خطر القوى الإمبريالية والرأسمالية الذي يتهدد العالم، فربط الإشتراكيون مصير الجنوب بالاتحاد السوفيتي ،وكانوا يظنون أن بقاء اليمن على الخارطة العالمية مرهونًا بتحالفهم معه،وحين انتهى الاتحاد السوفيتي لم ينتهي معه سوى النظام الذي ربط مصيره به ،ولم ينقرظ اليمن من خارطة العالم كما كانوا الرفاق يظنون،ولم ينقرظ من هذا العالم سوى النظام الذي ربط نفسه به،وجعل مصيره مرهونًا بمصير غيره، ولم يكتشف الرفاق أن دولتهم تتنفس برئة صناعية إلا حين نزع الاتحاد السوفيتي الكمامة عنها ،ورفع وصايته عليها ، لينتهي الأمر بهم في حضن عفاش ،ونظامه الذي كانوا يصفونه بأبشبع الأوصاف وأقذعها .
وهذا هي النهاية الطبيعية لأي مشروع سياسي يسرف في الشعارات ،ويبالغ في والولاء، والتبعية للخارج ، حين يراهن على نظام ليس نظامه،وشعب غير شعبه، وينساق تحت تأثير الخطب والشعارات التي لن يكتشف زيفها إلا بعد أن يفيق من سكرة حماسه لها ،فيتبين له أنه يخوض معركة غير معركته،ويدافع عن مصالح غير مصالحه، وأهداف غير أهدافه،فلا يبالغ مسرفو اليوم كما بالغ مسرفو الأمس، ولا يستعجلون، فالأيام كفيلة بإقناعهم ،وتلجيم أفواهم،وأن كان بعد فوات الأوان ،وخراب البصرة مثل كل مرة .
سعيد النخعي
22/سبتمبر/2019م