الطبيب الإنسان
كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...
ما يحتاجه اليمن للخروج من أزمته هو ثورة تتجاوز الأحزاب السياسية،وبقية قوى الدجل السياسية،والدينية، والقبلية التي تعد سببًا لدائه المزمن،التي فرضها الخارج كمتعهد لحماية مصالحه،فأغدق عليها الأموال،والهبات والعطايا، ومدَّها بالإسلحة لفرضها كأمر واقع،دون امتلاكها قاعدة شعبية،أو مشروعًا سياسيًا واضحًا يقدم معالجات حقيقية للوضع البائس الذي تمر به اليمن شمالًا وجنوبًا.
ظلت هذه القوى رهينة لإجندات الدول التي فرضتها،فظلت قياداتها بيدقًا بيد ولي نعمتها،يحركها كيف يشاء ،ومتى شاء لخدمة مصالحه،تحت شعارات ممجوجة ترددها حناجر مبحوحة،بأصوات لاتجاوز تراقيها ،لأنها تعلم قبل غيرها بكذبها وزيفها.
اكتسحت شعارات الموت لأمريكا،والموت لإسرائيل الشمال ولم يمت أمريكيًا واحدًا أو إسرائليًا،ومات عشرات الآلاف من اليمنيين،في حين تنتظر الملايين دورها الموت جوعًا وهي تردد بأصوات مبحوحة،وإمعاء خاوية،وكرامة مراغة شعارات مستوردة من الخارج .
ماذا لو انتفض الناس في وجه هذه القوى الظلامية؟ طالما والموت هو المصير المحتوم الذي ينتظرهم في حالة ثورتهم أو استكانتهم؟
أليس المحاولة في سبيل الحياة أجدى وأنفع من انتظار موت أمريكا وإسرائيل ؟فإن نجحوا فقد انتصروا لإرادتهم،ونفضوا غبار الذل عن أنفسهم،ومسحوا شبح الموت الذي يحوم حول أفواههم التي تزفر بصيحات التحدي المصحوبة بروائح كريهة تبعثها بطونهم الخاوية التي أفرغها الحوثيون حتى مما يوقف قرقرة،وصراع أمعائها.
أليس محاولة الهرب من الموت خيرًا من انتظاره ؟
ماذا لو انتفض الجنوبيون وشقوا عصا الطاعة والولاء للكيانات التي فُرضت عليهم من الخارج،وكفروا بمشاريعها السرابيَّة الكاذبة التي أهدرت دمائهم،وصادرت كرامة كبارهم قبل صغارهم،وجعلت منهم أضحوكة،ومدعاة للتندر والسخرية ؟
ماذا عساهم سيخسرون أن هم جربوا المحاولة؟ وتخلوا عما علق في قلوبهم من أدْرَان الأحقاد المناطقية النتنة التي فتكت بماضيهم وحاضرهم .
ماذا لو جرَّبوا لمرة واحدة أن تكون معركتهم وطنية لا عصبوية؟
ماذا عساه أن يحل بساحتهم أن أعلنوا النفير بدلًا من إعلان الشخير، في وجه الغطرسة،والهيمنة التي أراقت كرامتهم،وعبثت بمقدراتهم في سبيل مصالحها وليس لمصلحة المسبحين بحمدها لأكثر من أربع سنوات؟
قد يقول البعض أن هذه مغامرة،نعم أنها مغامرة،فأن تغامر في سبيل دفع الموت عن نفسك خير من أن يدركك واقفًا،فإدراكه لك هاربًا منه خير من أن يدركك منتظرا له .
ماذا لو تداعى اليمنيون لحل خلافتهم فيما بينهم بدلًا من استدعاء الأجنبي لحل مشكلاتهم؟
ماذا لو جرَّب اليمنيون لمرة واحدة التنازل لبعضهم كما يخرون ساجدين للأجنبي ؟ فتنازلك لأخيك شرفًا ،وتنازلك للأجنبي عارًا،وعيبًا أسودًا.
ماذا استفاد أنصار إيران في الشمال التي لم تقدم لهم سوى الموت؟
وماذا استفاد أنصار مشروع استعادة الشرعية،وأنصار أستعادة الدولة في الجنوب غير الصراع،وزرع الفتن؟
أليس من جاء لإعادة الشرعية إلى صنعاء هو من أخرجها من عدن ؟
أليس من يزعم أنه جاء حفاظًا على اليمن وسلامة أراضية هو من يمزقها؟
أليس الذي جاء لانقاذ اليمن من مليشيات الحوثي السلالية هو ذاته من استبدلها بمليشيات مناطقية؟
أليس الذي يدعم الوحدة هو نفسه الذي يدعم الانفصال ؟ ولم نَرَ وحدةً ولا انفصالًا،ولا أمنًا ولا استقرارًا،ولا حياةً ولا موتًا .
ماذا لو هب اليمنيون هبة رجل واحد؟ متجاوزين الأحزاب والقوى التقليدية السياسية، والدينية، والقبلية،التي ارتبطت مصالحها بالخارج، ويعيش أربابها حياة الملوك والأباطرة نظير المتاجرة بالقضايا الوطنية، والزج بأبناء الفقراء والمعوزين إلى محارق الموت،بسم الله حينًا،وبسم الوطن أحينًا ، في حين لايعرف أبناؤهم سبيل الله،ولا سبيل الوطن،مستغلين بؤس الفقراء ،وحاجة المحتاجين تارة،وغبائهم وأحقادهم تجاه بعضهم تارة أخرى.
هزَّ العراقيون عروش المرجعيَّات الدينية البائسة،والأحزاب العميلة المحنطة،وقوى الإرتزاق الملوثة،حين خرجوا بصوت واحد لا وصاية لا عمالة،لا مذهبية لا حزبية، وطنية وطنية،فاستطاعت الإرادة العراقية أن تفتح كوة للنور والأمل في فضاء ظل ملبدًا بغيوم اليائس والقنوط لأكثر من عقدين من الزمن.
فهل سيخرج اليمنيون زرافاتًا ووحدانًا مرددين لا وصاية لا تبعية،لا سلالية لا مناطقية،وطنية وطنية ؟