الطبيب الإنسان
كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...
من خلال مجريات الأحداث الأخيرة وماتبعها من خطوات تصعيدية على المستوى السياسي، والعسكري التي كشفت الأهداف الحقيقية لجولات الصراع المستمرة بين أطراف تدين جميعها بالولاء والتبعية للتحالف، وفي إطار الرقعة الجغرافية الخاضعة له،نتيجة للتسويف المتعمد من المجتمع الدولي، وتأجيله النظر في ملف اليمن حتى تتم تسوية كثير من الملفات المتعلقة بصراع النفوذ الإقليمي والدولي؛ مما حول العاصفة من معركة خاطفة إلى حرب استنزاف طويلة بالنسبة للمملكة، وهذا يتضح من خلال حالة الارتباك الواضح في إدارتها لملف الصراع بعد أن وجدت نفسها في مأزق الانتظار الطويل،فلا هي قادرة على التوجه لحسم المعركة مع الحوثي الذي أصبح جزءًا من المعادلة الدولية،ولا البقاء منتظره، مما يدفعها إلى تحريك قطع الشطرنج بصورة مستمرة حتى لاتنتهي مهمتها قبل أن تحقق أهدافها التي تبدو كالولادة المتعسرة التي لم يحسم أمرها الطبيب المختص،وما على الأم،وذويها سوى انتظار ما سيقرره، لذا ظلت معركة التحالف تدور في حلقة مفرغة؛ ليلجأ إلى ملأ لحظات الانتظارا بإذكاء الصراع بين أتباعه في المناطق الخاضعة لسيطرته.
فالمتابع لمجريات الأحداث منذ تحرير المحافظات الجنوبية، وإعلان عدن عاصمة مؤقتة، وما تخللها من خطوات مرتبكة ابتداءً من منع الرئيس هادي من العودة إلى عدن، وما تلاه من تشكيل لكيانات معادية للشرعية بدعم من التحالف الذي جاء لاستعادتها، ومرورًا بإذكاء الصراع بينها، ومدها بالسلاح والإمكانات، وانتهاءً بإخراج الشرعية من عدن، ونقل المعركة إلى خارجها لتصل إلى جزيزة سقطرى الواقعة في عمق المحيط الهندي، وماصاحب هذه الخطوات من تبادل للأدوار كانت بمثابة مساحيق تجميلية لتلميع المشهد، لضمان استمرار اللعبة حتى لايمل اللاعبون والمشاهدون لحين النظر في القضية المؤجلة .
سنة مضت على توقيع اتفاقية الرياض المزمنة بنودها بتأييد ومباركة الجميع، ليشهد العام الذي تلاها تصعيدا سياسيًا، وحربًا كانت الأعنف راح ضحيتها المئات من الأبرياء الذين استغلت حاجتهم، وفقرهم، أو غرر بهم،لتجد أطراف الصراع نفسها - بعد شهرين من القتال- في نفس المربع السابق، فلم تعد الشرعية إلى عدن، ولم يبسط الانتقالي سيطرته على شبر واحد مما هو واقع تحت سيطرتها، ليقرر التحالف بعدها العودة إلى تنفيذ اتفاق مضى أكثر من عام على توقيعه، وهنا تتوارد الأسئلة تباعًا، لماذا لم يلزم التحالف الأطراف الموقعة عليه دون الحاجة إلى افتعال الصراعات الدورية؟
ما الذي تغيَّر في المشهد بين الأمس واليوم لينفذ التحالف اليوم ما عجز عنه بالأمس؟
هل سيعود محروس إلى سقطرى محافظًا للجزيرة؟ وهل ستعود نفس الزوارق بالمناضلين الذين ذهبوا لتحريرها من أبنائها؟ إذا كانت الإجابة نعم فلماذا فتحت الجزيرة ؟ وكيف سيتخلى الفاتحون الأشاوس عن فتحهم العظيم لها؟
وهل سيتخلى المستنفرون عن سلطة الأمر الواقع بعد إشراكهم في الحكومة الجديدة ؟
لا شك أن الإجابة ستكون نعم، ولكن نعم هذه ستسدل الستار على فصل فقط؛ للانتقال للفصل الآخر الذي يليه؛ سيكون التراجع عن الخطوات المتخذة عقب اتفاق الرياض مادة سيناريو الفصل القادم؛ ليستمر الصراع حول تنفيذ اتفاقًا لايعلم المتصارعون بنوده الحقيقية.
سعيد النخعي
28/يونيو/2020م