هل كان اتفاق الرياض حلًا للأزمة أم تدويرًا لها؟
عام مضى على اتفاق الرياض ولايزال يراوح مكانه، وهذه أطول مدة تمضي على توقيع اتفاقية ولم ينفذ بندًا وا...
عام مضى على اتفاق الرياض ولايزال يراوح مكانه، وهذه أطول مدة تمضي على توقيع اتفاقية ولم ينفذ بندًا واحدًا من بنودها.
ولد اتفاق الرياض متعثرًا منذ الإعلان عنه؛ إذ شابه التذبذب الواضح في مواقف الرعاة الإقليميين، وتلكؤ الأطراف الموقعة عليه، وهذا يعكس حالة الضبابية،وعدم وضوح الرؤية لدى الراعي الإقليمي الذي غدا كالملاح التائه وسط أمواج بلد ظل فيه الصراع هو الثابت الوحيد منذ الأزل .
تعثر اتفاق الرياض في عنوانه الرئيس قبل أن تتعثر مبادئه، وتعثر التوقيع عليه قبل أن يتعثر تنفيذ بنوده، إبتداءً من تأرجح مكانه بين جدة والرياض ردحًا من الزمن،مرورًا بتعثر مفاوضات أطرافه التي ذهبت خالية الوفاض، تنتظر ما سيملأ عليها، أشبه بطالب جلس في قاعة المحاضرة منتطرًا المفردات المقررة عليه في عامه الدراسي الجديد، فطال انتظاره قبل حضور الأستاذ، ليطول انتظاره أكثر بعد حضوره، ليتبين أن الأستاذ نفسه لايعلم ما هي المفردات المقرره، فتعثر إعلان المبادئ التي سيتفاوض عليها المتفاوضون للوصول للحل قبل التوقيع، مما دفع الراعي الإقليمي لاعتماد ورقة الضغط على فرقاء الأزمة،فأزهم أزًا للتوقيع، على بنود عائمة، مساراتها مجهولة،وخطوات تنفيذها متعذرة رغم تزمين كل بند منها بفترة محددة، وفقًا لما نصت عليه ملحقات الاتفاق.
الحقيقة التي جهلها فرقاء الأزمة المحليين، وحاول الرعاة الإقليميين تجاهلها هي أن الأزمة اليمنية أزمة مركبة تداخلت فيها العوامل المحلية، والإقليمية، والدولية،إذ لم تعد شأنًا يمنيًا خالصًا، بل قضية دولية تتنازعها حسابات المصالح الدولية، ومقايضات الأروقة الدبلوماسية المرتبطة بملفات قضايا النزاعات الساخنة في المنطقة، كالملف النووي الإيراني،وانتظار الأخيرة لتحولات حقيقية في المواقف الغربية من نظام حليفها الاستراتيجي بشار الأسد، وانتظار الدول الإقليمية التي تخوض صراعًا مباشراً في اليمن لاختمار مصالحها كالرياض وأبوظبي، أو غير مباشر كأنقرة والدوحة.
لقد بدأ واضحًا أن اتفاق الرياض بذرة بُذرت في غير موسمها، فاستعصى خروجها من باطن الأرض قبل حلول موسم الشتاء الأمريكي، الذي ستدخل معه المنطقة فصلًا جديدًا؛ بصعود الرئيس الأمريكي الجديد لكرسي الحكم في البيت الأبيض.
لذا كان اتفاق الرياض محاولة لإخراج فصلًا مختلفًا عن فصول الصراع السابقة التي تكاد ذات لون واحد، وطابع واحد، وسمات واحدة، طغت عليها شعارات، وأهداف أصبحت مستهلكة في نظر المتلقي العادي، ناهيك عن المراقب الذي يحلل الأحداث، ويربط مقدماتها بنتائجها؛ فشعار عودة الشرعية، واستئصال شئفت الحوثيين، ومحاربة المد الصفوي،وما صاحبها من شحن دينيًا، وسياسيًا، وإعلاميًا استنزفها عامل الزمن،وأفرغها طول أمد الحرب من محتواها، في بلد تتناسل فيه الصراعات السياسية، والأزمات الاقتصادية،والكوارث الإنسانية أكثر من تناسل البعوض.
لقد كان اتفاق الرياض - الذي جهلت الأطراف الموقعة عليه دوافعه، وأسبابه، وتجاهل الرعاة الإقليميين ظروفه وملابساته - محاولة لإخراج فصلًا مختلفًا عن فصول الصراع المسلح التي سبقته بين الأطراف المشمولة به؛لتعليق مجريات الأحداث على الأرض في إطار الرقعة التي يسيطر عليها التحالف؛ لإيجاد المبرر للهروب من تبعات السؤال عن سبب توقف المعارك في الجبهات مع الحوثيين، لإنهاء الانقلاب، وعودة الشرعية إلى عاصمة لم يحسم المجتمع الدولي أمرها بعد .
لذا كان الاتفاق تدويرًا للأزمة وليس حلًا، لها،وهذا يعكس مدى حالة الضبابية، وعدم وضوح الرؤية التي أسفرت عن اتفاق كانت ولادته متعسرة، وأهدافه عائمة،ومساراته غير واضحة، وخطوات تنفيذه متعذرة، ولما وجدت الأطراف الإقليمية والمحلية نفسها - بعد التوقيع - تقف على قمة تل ركام الأزمة، لم تعد قادرة على التمييز من أي زواية تبدأ نبشه، فأن نبشته من الأعلى سقط الفرقاء والحلفاء، وأن نبشته من الأسفل سقط التل بمن عليه، فآثر الجميع انتظار ماستسفر عنه الانتخابات الأمريكية طالما والنتيجة واحدة.
سعيد النخعي
7/نوفمبر/2020 م