الطبيب الإنسان
كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...
في سابقة لم تشهدها عدن في أي مرحلة تعرض منزل الدكتور الخضر لصور رئيس جامعة عدن لاعتداء سافر جسد مدى الفوضى التي تعيشها عدن على مختلف الصعد، وهذا يعكس مدى تغول ثقافة الفوضى، وانتشار السلوكيات المنفرطة من عقال القانون، والأخلاق، والأعراف، والقيم .
يُعدُّ الدكتور الخضر لصور من الشخصيات القليلة التي تركت بصمات واضحة، جسدت جدارة الرجل القيادية، وحنكته الإدارية التي جمعت الكفاءة العلمية، والخبرة العملية؛ رسم لصور من خلالها صورة إيجابية للكفاءة الوطنية التي تجاوزت العقد السياسية، والمناطقية، من خلال علاقاته الاجتماعية الواسعة، وشخصيته المنفتحة على كل الأطياف، فجنب أكبر مؤسسة حكومية في الجنوب تداعيات المناكفات السياسية، والاستقطابات المناطقية.
تقلد الدكتور لصور مقاليد رئاسة جامعة عدن في ظروف بالغة التعقيد، والصعوبة،فتغلب عليها بحنكة واقتدار، واستطاع التغلب على تعقيدات المرحلة المضطربة، و تجاوز إفرازاتها المعقدة، وهذا ليس كلامًا إنشايًا مرسلًا - فوالله لا أعرف لصور معرفة شخصية - ولكني رأيت منجزاته حقيقة ملموسة، تؤكدها المنجزات بلغة الأرقام، والشواهد التي يعرفها كل منتسبي جامعة عدن ومن أبرزها الآتي :
1- عادت الجامعة في ظل قيادته لمزاولة عملها، وأداء رسالتها، بنفس الوتيرة التي كانت عليها قبل الحرب، رغم ما تعرضت له ممتلكات الجامعة من تدمير لمرافقها، ونهب لممتلكاتها، وتجهيزاتها، وهذا وحده يدل على حنكته القيادية، وقدراته الإدرية في ظل الفراغ الأمني، وغياب مؤسسات الدولة.
2- حققت الجامعة في عهد الدكتور الخضر لصور أرقامًا غير مسبوقة لم تصل إليه خلال تاريخها كلها، وخير دليل على ذلك البت في قضية المدرسين المنتدبين،والموظفين المتعاقدين الذين ظل وضعهم معلقًا منذ أكثر من عقد من الزمان، فحسم هذه المعضلة بإصدار تعيينات إدارية للمدرسين المنتدبين، والموظفين المتعاقدين، واستيعابهم رسميًا ضمن قوام الجامعة، وهو الملف الذي ظل يرواح مكانه، ولم يجرؤ أي رئيس جامعة قبله البت في هذه المعضلة، التي كانت تؤرق شريحة واسعة من الإكاديميين الذين خدموا الجامعة لسنوات خلت؛ ولم ينصفوا إلا في عهد الدكتور لصور.
3- استطاع رغم ماتمر به البلد من صعوبات اقتصادية تحريك ملف التسويات المالية لأصحاب الألقاب الأكاديمية التي مضى على حصول أصحابها عليها أكثر من عشر سنوات ولم يحصلوا على استحقاقاتهم المالية للألقاب التي حصلوا عليها، فاستطاع تسوية وضع كل المستحقين خلال ثلاث سنوات فقط! في حين لم يستطع من قبله معالجة وضع عشرة منهم في السنة الواحدة، رغم فارق الظروف التي تقلدوا فيها رئاسة الجامعة مقارنة بالظرف الذي أتى فيه لصور لرئاستها.
4- حوَّل مشروع الجمعية السكنية للإكاديميين من حلم ظل يراوح مكانه طوال الفترة الماضية إلى إنجاز ملموس من خلال توفير الأرض، ووضع المخططات، دشنت الجامعة صرف عقود المرحلة الأولى، وتمكين أصحابها منها، وهذا الإنجاز لم يحققه أي رئيس جامعة قبله في ظل استتباب الأمن، ووجود مؤسسات الدولة، فحققه لصور في مرحلة غيابها.
5- لم تكن سياسة لصور في قيادته للجامعة مناطقية رغم ما أفرزته هذه الوثة من انعكاسات سلبية على الوظيفة العامة خلال هذه المرحلة،ولم يقيدها بشروط الولاء الشخصي، أو التصنيف السياسي، فظل الرجل يقف بمسافة واحدة من كل منتسبي الجامعة إكاديميين،وطلاب، فلم يكتسح أبناء جلدته الهرم القيادي للرئاسة الجامعة، أو عمادة الكليات، ولم تأخذه الحمية العصبية لقبول الطلاب القادمين من مديريات أبين الذين لا تنطبق عليهم المعايير، أو أخفقوا في امتحانات القبول للتخصصات المرغوبة، وظل مبدأ التنافس الشريف هو الحكم بين جميع الطلاب من مختلف المحافظات، ومن أراد التأكد عليه مراجعة نسبة طلاب محافظة أبين من كل مديرياتها في كلية الطب، والصيدلة، والهندسة، فسيجدها أرقامًا هامشية لاتذكر لاتعادل نسبة مديرية واحدة من بعض المحافظات .
لهذا تحولت قضية الاعتداء على منزل الدكتور الخضر لصور إلى رأي عام تعاطف معها كل الشرفاء، من مختلف المحافظات رفضًا لهذه السابقة الخطيرة التي تهدد العمل الإكاديمي، ولم يحركها انتماء لصور السياسي، أو المناطقي أو القبلي، لأن الرجل لم يكن في تعاطيه مع الناس سياسيًا أو مناطقيا.
سعيد النخعي
20/نوفمبر/2020 م