بين ثقافة الارتزاق وثقافة الإخذية

(كريتر سكاي )خاص:

لست من هواة ثقافة الإحذية ، ولامن عشاق ثقافة الارتزاق ، أشفق على على المتعصبين الذين لايعرفون من المبادئ سوى أسمائها ، كما أحتقر المتلونيين الذين ينسلخون من جلد إلى آخر،ومن حزب إلى آخر، ومن جماعة إلى آخرى، لهثًا وراء المكاسب ، وتحصيلها بأي طريقة ؛ولو كانت على حساب الدين والوطن والكرامة .


بين ثقافة الإحذية ، وثقافة الارتزاق لن تجد وطنًا ، ولا عدلًا ،ولا كرامة ، فالأولى ثقافة صماء مغلقة لاتقبل الآخر ، متشنجة لاترى إلا جزءًا من الواقع ، قبولها للآخر مرهون بتبعيته لها ، لأن التبعيةهي أساس علاقتها بالآخرين وعليها مدارها، لكنها أصدق من ثقافته الارتزاق ، لأنها في أحيان كثيرة صادقة ، لولا الجهل الذي أصمها وأعماها .


أما الارتزاق فهي صنعة مبتذلة، وحرفة دنيئة ، وثقافة منحطة ، لاتورث شرفًا ولاجاهًا، فأن أعطتك المال بيدها اليسرى ، أخذت منك كل شئ بيدها اليمنى ، فتسلبك كل شيئ، بما في ذلك شرفك وكرامتك،وهي آخر القلاع الإنسانية ، التي أن سقطت،فقد أصبحتَ في عداد الموتى ، لاينقصك سوى شهادة الوفاة فقط .


جسَّد الواقع السياسي اليمني ثقافة الأحذية، وثقافة الارتزاق في أوضح صورها ، كسلوك وممارسة عملية لمعظم النخب ، التي ظلت منقسمة بين ثقافتين،ثقافة متزمتة تتعامل مع الآخر كتابع،وثقافة تنظر للواقع بأفواهها الفاقرة، وتتعامل مع الواقع بحسب مايقع في أفوهها، فأفواهها المفتوحة باستمرار مستعده لالتهام أي شيئ ، ولعمل أي شيئ مقابل المال؛ ولايهمها مقابل ماذا حصلت عليه ، ولا الطريقة التي حصلت بها عليه أيضًا ، فالمال عندها قيمة عليا يعلو ولا يُعلى عليه .


بين ثقافة صماء متزمته لاتدرك من المبادئ والمشاريع سوى اسمائها فقط ، وثقافة حرباوية متلونة بحسب لون المكان الذي يقلها لن تجد شيئًا، لأن نواميس الحياة وقوانينها تقول : المتطرفون لايصنعون سوى الطغاة ،والحرباويون لايورثون شرفًا ولا كرامة ، لأن طبيعتهم الحرباوية  تجعلهم مستعدين للانسلاخ من جلد إلى آخر ، فهم  وحدويون  إذا هبت أمطار الوحدة ، انفصاليون إذ أقبلت مواسم أمطار الانفصال ، إسلاميون  متطرف إذا هبت مواسم التطرف الإسلامي  ، إسلاميون معتدلون إذا اقبلت مواسم الاعتدال، ليبراليون منفتحون ، إذا هبت رياح الغرب بإتجاه الشرق، شيعية اثنى عشرية نزعوا عن رقابهم روابط العنق ،وخلعوا عن أجسادهم بدلات السفاري، واستبدلوهما بالعمائم  السوداء ، يلطمون صدرهم مع اللاطمين ، ويبكون من أعماق أعماقهم لمقتل الحسين قبل أن يقرأوا سيرة الحسين، أو يعرف حتى من هو الحسين أصلا ،فلا يهم السؤال من هو الحسين، لأن الأمطار الحسينة مؤقتة ونادرة، والسؤال هنا مضيعة للوقت، سيؤدي إلى فوات أيام الموسم القصير النادر .


إن الشعوب التي تظل توجهاتها وتطلعاتها مرهونة بهذه الآفات البشرية، مثلها مثل تاجر الفحم لايجني منه سوى سواد الوجه والكفين ، فالجماهير التي عقدت آمالها على عقول متخمة بالجهل والصلف ؛ لن ترى إلا الجور والقهر والاستبداد ، فهذا هوأقصى ما يستطع أن يقدمه الجهله المتطرفون لجماهيرهم .

والجماهير التي عقدت آمالها على نخب تفكر بأفواها وبطونها؛ سينتهي أمرها إلى المكان الذي اتجه اليه الخارج من هذه البطون، فالمدخل قذر، والمخرج قذر، والمستقر قذر أيضا .

مقالات الكاتب

الطبيب الإنسان

كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...