عدن هذه الأيام
لم أكره عدن قط مثل كرهي لها هذه الأيام.. لا شيء جميل يمكن أن ينبثق الآن من بين ركام الجحيم الذي خلفت...
كتب لي بعض الأصدقاء والزملاء وآخرون لا أعرفهم يسألوني عن سبب عدم الإشارة إلى الخيول التي يقولون إن طائرة اليمنية الجديدة كانت مخصصة لنقلها، من دون أن يقولوا كيف يفترض أن يتم نقل الخيول جواً، وما هو المانع الذي يحول دون أن يركبوا طائرة كانت الخيول تركبها قديماً، مع أنني لا أتخيل أنهم سيمتنعون عن ركوبها إذا وجدوا أنفسهم أمام سلمها يوماً ما بدعوى أنها كانت لنقل الخيول سابقاً، ثم إنني مثلما منعت نفسي من الكتابة ليومين عن خبر هذه الكائنات غير العاقلة (الخيول)، منعت نفسي أيضاً من الكتابة عن كائنات أخرى يفترض أنها عاقلة، وتركب أيضاً طائرات اليمنية منذ سنوات، لكنها تتصرف كالبهائم.
تعالوا لنعرف هذه الكائنات، لنرى هل المشكلة في الخيول حقاً:
1. اليمنيون بشمالهم والجنوب، هم الركاب الوحيدون حول العالم الذين لا يلتزمون بالطابور أثناء قطع تذاكر البوردينج (إلا ما ندر)، ولهذا يطلب منهم الحضور قبل موعد الإقلاع بخمس ساعات وهي مدة طويلة جداً لا تطلبها أي شركة طيران من أي ركاب على سطح الكرة الأرضية، والسبب أن اليمنيين فقط هم الشعب الوحيد الذي يمكنك تمييزه بسهولة في مطارات مصر والأردن مثلاً، ويكفي أن تتجول بنظرك لتعرفهم عبر رؤيتهم في تكتلات غير منظمة أمام كبائن البوردينج، بينما تقف باقي الشعوب في طوابير انسيابية ومنتظمة.
2. المسافرون اليمنيون بشمالهم والجنوب، هم الركاب الوحيدون الذين لا يلتزمون (إلا ما ندر منهم) بالوزن المسموح لهم، ولا يلتزمون بسداد غرامة الوزن الزائد، كما أنهم لا يحملون إلا شنطة واحدة على الأغلب فيما يضعون باقي الأغراض في أكياس كبيرة مغلفة، وكراتين، وسلال، وأشياء أخرى غريبة تحتوى بداخلها على أشياء أغرب، بينها مثلاً حليب يماني، وحليب الممتاز، ومؤونة شهر كامل، ثم لا تستغرب إذا رأيت أحد هذه الكراتين وقد ضاق وانفجر لتتحول أرضية صالة المطار إلى اللون الأحمر بنكهة العشار المخلوط بالأرز والسكر.
3. المسافرون اليمنيون بشمالهم والجنوب، يتهافتون (إلا ما ندر) بشكل فوضوي أمام بوابة الخروج من صالة الانتظار، ولا يمكن أبداً أن ينتظموا في طابور يلتزم كل شخص فيه بمكانه داخل هذا الطابور عندما يحين موعد الخروج من صالة الانتظار، ويسعى معظمهم إلى تجاوز الآخرين أمامه بأي طريقة، وإذا كنت من الملتزمين بدورك في الطابور، ستجد نفسك وقد دخلت في معارك لا نهاية لها لضبط الأمور، وكأنك في الطابور الصباحي لتلاميذ الصف الأول الابتدائي، وليس لكائنات بشرية عاقلة ومكتملة النمو.
4. المسافرون اليمنيون بشمالهم والجنوب، هم فقط من لا يلتزم بانتظار الباص الذي ينقل الركاب من صالة الانتظار إلى أمام سلم الطائرة (إلا ما ندر)، ويمكنك دائماً رؤيتهم يركضون بسرعة خارج صالة الانتظار يلاحقهم عمال المطار أو مسؤولو الأمن، وكأنك تشاهد حيوانات هاربة من حديقة الحيوان، أو خيول جامحة فرت من أحد الإسطبلات، وليس كائنات بشرية عاقلة ومكتملة النمو.
5. أمام سلم الطائرة، يتقافز المسافرون اليمنيون بشمالهم والجنوب حول السلم دون مراعاة لأي شخص أعرج أو امرأة عجوز أو طفل صغير (إلا ما ندر)، في مشهد يشبه تماماً مشهد القرود وهي تقفز وتتسلق جذوع وأغصان الشجر مرددة كلمات وأصوات غير مفهومة.
6. المسافرون اليمنيون بشمالهم والجنوب، لا يلتزمون بأرقام المقاعد المطبوعة في البوردينج (إلا ما ندر)، فتجد أشخاص كبار في السن يتحولون إلى أشبه ما يكون بالأطفال وهم يتسابقون على الجلوس في مقاعد ليست مقاعدهم، وقد عانيت كثيراً بحكم سفري الكثير مؤخراً من هذا السلوك الصبياني، وحاولت في إحدى المرات أن أشرح لأحدهم شرحاً مفصلاً عن الأسباب الأمنية التي يجب أن تجعله يلتزم برقم مقعده فيما لو تعرضت الطائرة لحادث عرضي أو إرهابي تسبب بسقوطها ووفاة البعض ونجاة البعض الآخر، وكيف يمكن تمييز الجثث والمفقودين عبر الأسماء المرتبطة بأرقام المقاعد، وشعرت بعد كل هذا الحديث الطويل أنني كنت أحرث في ماء البحر، فاكتفيت في المرات اللاحقة بالإصرار على عدم التنازل عن مقعدي ودون أي شرح أو تفصيل للأسباب، مهما كان المقعد مريحاً أو غير مريح.
7. المسافرون اليمنيون بشمالهم والجنوب، هم وحدهم الذين يمزقون جيوب المقاعد الخلفية أو يخلعون أزرار الإمالة على جانبي المسند اليمين، لأسباب انتقامية غير مفهومة تشبه حالات الصرع المرضية، أما غير المرضى منهم فيكتبون ذكرياتهم على ظهر المقاعد، وكلها تصرفات غير سوية لا يمكن أن تقوم بها كائنات بشرية عاقلة أو مكتملة النمو.
8. إذا كنت على طائرة اليمنية، فلا تستغرب إذا تفاجأت بصوت أغنية ينبعث من جوال أحد الركاب اليمنيين ليتردد صداه داخل الطائرة دون مراعاة للذوق العام، أو أن يقرر أحد المطاوعة اليمنيين تشغيل ما تيسر من القرآن الكريم، دون مراعاة لمن يريد أن ينام أو من يرغب بقضاء وقت الرحلة في القراءة، وقد اضطررت في إحدى الرحلات إلى التنازل عن سماعتي لأحد الركاب الذي قرر تشغيل القرآن بصوت عالي فيما كان البعض يحاول أن ينام، وكان شيخنا الفاضل قد اعتبر أن القرآن (في هذا التوقيت الذي قرره هو مع نفسه) أهم من أي شيء آخر، أما في الوقت الذي سينام هو فيه فإن النوم عبادة، وهي تصرفات لا يمكن أن يقوم بها إنسان عاقل مكتمل النمو.
9. في طائرة اليمنية فقط، يمكنك أن تجد بقايا الشمة على المساند الجانبية أو في بطن الجيب الخلفي للمقعد الذي أمامك، ولا تتفاجأ إذا رأيت أحد الركاب اليمنيين يبصق ناحية أرضية الطائرة أو جدارها بأسلوب لا ينتمي للكائنات البشرية العاقلة لا من قريب ولا من بعيد.
10. المسافرون اليمنيون بشمالهم والجنوب، هم فقط الذين يدفعون موظفي شركات الاتصالات الخلوية في مطارات الوصول إلى إغلاق أجهزتهم والادعاء بأن (النظام واقف أو عاطل) بسبب الفوضى العبثية التي يتسببون بها بتجمهرهم وتجمعهم العشوائي الفج أمام موظفي شركات الاتصال، وكنت قديماً أصدق أن النظام واقف، لكنني في مرات لاحقة رأيت بعيني بعض الموظفين يغلقون أجهزتهم بمجرد رؤيتهم وصول الركاب اليمنيين، وسمعت أحدهم في مرة أخرى يقول حرفياً (#همه_بيجيبوهم_منين؟)، واستحيت أن أقول له بصراحة (#من_الزرائب_والإسطبلات).
لا تخلو شركة طيران اليمنية من الاختلالات، لكن وبعد كل هذا، هل يجب أن نتحدث فعلاً عن خيول طائرة اليمنية؟
Anis Al-Bareq