عن قرار منع القضاة من النشر الالكتروني

لحظة شيء ماعن العدالة 
قيل"يبقى المرء أمياً حتى يقرأ ذاته " وفي حديث  النفس يحظر التدليس والمواربة، ومنطق"انا لا اكذب ولكني أتجمل"..
لا مبرر للخوف من التصورات الواضحة كونها تعطي رؤية حقيقة للاشياء، تقي المرء من الوقوع في شرك الظن والوهم، وحبائل الشك، فلا يذهب الشك الا المعجزات ..
في اغلب الاحاديث التي نخوضها اليوم في الشأن القضائي والعام، الملاحظ حالة القلق والتوجس المزمنة التي تكاد تصيب الجميع بمقتل، وتعكر صفوهم تجاه بعضهم، وهذا بتصوري عيب فكري تسببت فيه تربيتنا التقليدية وتعاليمنا التلقينية وواقعنا المضطرب ووعينا الحدّي الخالي عن اي ميل فكري و انساني ما يجعلنا نفسق احيانآ كثيرة عن المبادئ العامة  بالتعاطي مع الاخر المختلف.. وليس المخالف وشتان ما بين الامرين..
ونتناسى ان الاصل في الانسان البراءة وفي الافعال الاباحة، وان هناك ميل شاسع مؤاده ان الاختلاف ليس خلاف ما يدعونا وجوبا لهجر منطق "من ليس معي فهو ضدي" وتكريس ما يعزز فكرة "ان الاختلاف ليس بالضرورة عداء ولاتضاد، ولا يجب ان يفسد للود قضية"..
وتلكم لعمري  أسس وموجبات النموء  الفكري والانساني، وضمان أمان تطور واستقرار المجتمعات ، في تعاطيها مع التحضر والحداثة…

من خلال مطالعتنا لردود الافعال المختلفة تجاه قرار مجلس القضاء الاخير التي انحصرت ما بين مؤيد للقرار و معارض، وبين ناقد له .
ولكلٍ وجهة نظره ومنطلقاته في تعاطيه مع القرار ..
ولأستقراء الامر دعونا هنا نقف في عدة محطات رئيسية، تفرضها الضرورة وواقع الحال ..
*—المحطة الأولى :-
- برأينا الشخصي ا ن قراءة ذلك القرار يجب الا تكون بمعزل عن الغاية التي توخاها المجلس، والاسس  والموجبات المفترضة به في اصدار قراره والتي لا تشذ خارج حدود "المصلحة العامة" وتجنيب الجسد القضائي ومنتسبيه ما يوغل الطعن  بهم وباستقلالهم وجعلهم عرضه لنيل العوام من شخوصهم لما تتيحه مواقع التواصل الاجتماعي لكل من هب ودب استخدامها ولو خارج ضوابط و ادبيات ابداء الرأي  ومعايير الذوق العام ، وهذا ما يحسب للمجلس ابتداءً..
*—المحطة الثانية :—
ان التطبيقات العملية للقرار على ارض الواقع بتصورنا قد أخرجته ببعض جوانبه عن حدود غايته وغاية المجلس في اصداره، وهذا بعينه ما توخيناه بما تناولناه في منشورنا الاخير بهذا الشأن من منطلق النقد لاأكثر، ومحاولة توضيح الاثار المترتبة على تطبيقاته على الواقع الملموس، ونحن إذ ذاك لا نناصب المجلس العداء كما قد يعتقد البعض او يفهم شزرا، انما باعثنا هو احترامنا لقيادة السلطة القضائية مصدرة القرار، وحرصنا الشديد بأن تكون باتم مستويات ادائها، وان تظهر امام المجتمع وامام الرأي العام بما يليق بها كسلطة، حيث لا خلاف ان السلطة القضائية  هي الضمان الوحيد لحماية  المجتمع واستقراره  وأمانه، وهي اللبنة الاساسية لقيام الدولة وبناء نظامها العام وفرض سيادتها و هذا ما يفرض مكانتها وهيبتها النابعة من ادبياتها وثقة الجمهور بها، وهي على ذلك تعد شأناً عاما يعنى به ويهتم له كل فرد من افراد المجتمع.. 
*—المحطة الثالثة :-
- يجب ان يعي الجميع ان القاضي لا يعد كياناً منفصلا ً او منعزلا عن واقعه وعن المجتمع، كون الاخير شكل بالضرورة وعيه وفكره وممارساته وحقوقه ومكتسباته الدستورية، ويأتي على رأسها الحريات الشخصية والعامة  وأهمها حرية الرأي والتعبير  بأعتبارها من اهم الحريات التي صاغتها كافة الدساتير والقوانيين والعهد الدولية، ونادئ بها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ،الصادر عن عصبة الامم عام 1948م وهذا هو الأصل، غير أن انتسابه لسلطة لها أهميتهما وطبيعتها الخاصة التي تجعلها من أهم سلطات الدولة وحفظ النظام العام تفرض على القاضي بعض القيود التي تلزمه التحفظ عن بعض ارائه الشخصية فيما يخص بعض القضايا  العامة وشؤون السلطة المنتمي اليها وذلك لحفظ مكانته وحفظ هيبة السلطة التي يمثلها، وتاتي على رأسها الخوض  بالقضايا السياسية، والاستقطابات  العصبوية، والجهوية، والمناطقية، خصوصآ في فترات الحروب والنزاعات الاهلية، والصراعات الداخلية، كما نعيشها اليوم، وكذا الخوض في الاحكام الصادرة من القضاء اومناقشتها اومناقشة القضايا المنظورة امامه ولو كانت من قضايا الرأي العام، عدا ذلك فلا قيود  على القاضي في ابداء رأيه والخوض في في قضايا الشأن العام والمشكلات الاجتماعية وطرح التأصيلات الفقهية والقانونية والمشاركة في توعية المجتمع والرفع من مستواه الفكري والعلمي وتحسين ثقافته القانونية بكافة الوسائل المتاحة سواء عن طريق الصحافة ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروئه، وكل ما هو متاح من تقنيات العصر من وسائل تواصل اجتماعي وغيرها، وكذا له المشاركة في جميع الفعاليات التي تتيح له الاسهام بتلك الامور كالندوات وورش العمل واللقاءات العلمية والثقافية والاجتماعية التي تقيمها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات والكيانات والشخصيات الاعتبارية الاخرى، وكل ما من شأنه توسيع نطاق دور القاضي في خدمة مجتمعه ووطنه وبالقدر الذي لا يحط او يسيء او يمس بمكانته وهيبة السلطة التي ينتمي اليها، وفي تلك الحدود لا قيود و لارقابة ولا  سلطة لأحد  غير القانون  على سلوك القاضي ولا مساس بحقوقه  الدستورية المكتسبة و المعتبرة شرعاً وقانوناً..

أما نقطة الوصول فتحذونا أملاً بان يعيد مجلسنا الموقر النظر بجوهر القرار الصادر وصياغاتة بما يتناسب مع غايات المجلس من اصدار القرار، وبما يليق بمنتسبيه الاجلاء ولا يمس بحقوقهم ويعزز ثقتهم به، باعتباره مجلسهم ورأس الهرم في السلطة المنتسبين لها، وحائط الصد الوحيد والمنيع في حمايتهم والذود عنهم.. واننا بهذا الشأن ننزه المجلس وقيادته الموقرة من ان تقع تحت طائلة البيت القائل :
يا أعدل الناس الا في مخاصمتي .
فيك الخصام وانت الخصم والحكم .

وعجبي
عدن
محامي بالنقض/مازن سلام