الطبيب الإنسان
كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...
دخلت حرب اليمن عامها الخامس،وكل يوم يمر يزداد الوضع ضبابية،وتدهورًا،على المستوى السياسي،والاقتصادي،وتفاقم الحالة الإنسانية لأكثر من ثلاثين مليون إنسانًا.
انطلقت عاصفة الحزم،بدعوى إعادة الشرعية،في تحالف ضم أكثر من عشر دول عربية،بعضها مشاركة عسكريًا،والبعض الآخر اقتصرت مشاركتها سياسيًا فقط، تحالف شابه الكثير من التأرجح،في الأهدف والمواقف .
تأرجح هدف العاصفة حتى خرج عن مساره المعلن،فالتحالف الذي يفترض إنه جاء لإعادة الشرعية،أصبح عائقًا،بعد تحول بعض أطرافه إلى طرف معادِِ للشرعية،وهذا ما جسَّده سلوك هذه الدول، في المناطق المحررة،من خلال إنشائها كيانات سياسية،وعسكرية موازية للشرعية،وتشجيعها لهذه القوى على تعطيل مؤوسسات الدولة الشرعية،التي يفترض أن التحالف جاء لاستعادتها،بل وصل الأمر إلى الصدام المسلح،وهذا خلق حالة من الازدواجية في القرار السياسي،في المناطق المحررة جنوبـًا،وتوجسًا حذرًا شمالًا، وهذا أدَّى إلى معارك ثانوية،حولت مسار الصراع،من حرب من أجل استعادة الدولة،وتحرير باقي المحافظات من قبضة المليشيات الحوثية،إلى صراع داخل التحالف نفسه،سواء على مستوى الدول المشاركة فيه،أو على مستوى القوى السياسية المحلية المنضوية تحت راية التحالف،وهذا ولَّد مشكلات جديدة؛ زادت حدتها مع مرور الوقت،بسبب تغليب كل طرف منها لأهدافه الآنية الخاصة،على حساب الهدف الرئيس المعلن، فانشغال هذه القوى ببعضها،أدَّى إلى تفاقم الخلاف،حتى فجر التحالف من داخله،أو كاد.
وهذا خدم المليشيات الحوثية،وأعطاها حيزًا واسعًا، لتسويق نفسها سياسًا؛كمنظومة متماسكة،تقاتل تحت راية واحدة،وهدف واحد،وهذا أضعف التحالف خارجيًا؛أمام المنظمات الدولية،وموسسات صنع القرار العالمي،بالإضافة إلى عجز التحالف عن تقديم نموذجًا مغريًا للمحافظات التي لاتزال في قبضة الحوثيين داخليًا،وفشله في تسويق الشرعية كممثل للدولة ،وطرف يعتمد عليه،في تقديم رسائل مطمئنة للمجتمع الدولي،توحي بإن اليمن يسير في طريقه للتعافي،في بناء دولة قابلة للحياة،تلبي تطلعات اليمنيين؛ ولو في حدها الأدنى،لتبعث رسائل مطمئنة للخارج،كطرف قادر على الشراكة، يعتمد عليه المجتمع الدولي في تحقيق الأهداف المشركة .
فالصراع المحتدم بين دول التحالف،الذي أدَّى إلى انسحاب بعض الدول منه انسحابًا معلنًا،وبعضها فضلت عدم إعلان انسحابها،وهي في الحقيقة في حكم المنسحبة واقعًا، وهذا حول صراع القوى السياسية من صراع مع جماعة الحوثي،إلى صراع مع بعضها،بعد أن أصبح خوفها من بعضها أكثر من خوفها من عدوها الرئيس جماعة الحوثي،التي لاتزال تسيطر على المناطق الأكثر سكانًا.
كان لهذا الصراع أثره الواضح على حياة المواطن اليمني؛نتيجة للتراجع الواضح في المستوى المعيشي،وانتشار المجاعة،وانتشار المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون؛وممارستها للانتهاكات الإنسانية،كالقتل والسجن والإخفاء القسري،وهذا مع مرور الوقت خلق حالة من الفتور ،وحول الحماس الذي أبداه اليمنيون تجاه العاصفة إلى خيبة أمل، وخلق حالة من التيه والتخبط،والحيرة،وهذا كله يصب في مصلحة إيران،وحليفتها جماعة الحوثي،وبعض الدول، التي دخلت الصراع مؤخرًا،حين رأت إن تمدد الدولتين المحوريتين في التحالف سيكون على حساب مصالحها.