رؤية الرئيس ناصر لحل المشكلة اليمنية وفقًا للتوازنات الدولية،وصراع القوى المحلية

في لقاء جمعني بالرئيس علي ناصر محمد،في منزلة في القاهرة،في زيارتين متتاليتن،بحضور قيادات سياسية -حزبية وحراكية كبيرة- طرحت عليه مجموعة من التساؤلات،ودارات حولها نقاشات مستفيضة،تناولت القضية اليمنية،وتعقيداتها المختلفة،ومحاولة القوى المتحكمة في الصراع المزج بين العامل الجغرافي بالتاريخي،والديني بالسياسي،والاجتماعي بالمذهبي، والأيدلوجيا ومبرراتها،بالمصالح والمنافع الاستراتيجية،وما نتج عنه من صراع سياسي وعسكري،وكذا دور القوى الإقليمية،والدولية،في إدارة الصراع عبر وكلائها المحليين، وتحويل اليمن إلى ساحة لتصفيات حساباتها،متخذةً من الأرض اليمنية ميدانًا لها،ومن الإنسان اليمني وقودًا يمد هذا الصراع بالحياة كلما خبت جذوته.


أكدَّ الرئيس ناصر خلال اللقاء على معارضته للحرب،مشيرًا إلى إن موقفه منها كان واضحًا منذ اللحظة الأولى،مستعرضًا عدد من الشواهد،التي تؤكد موقفة الرافض للحرب منذ انطلاق شرارتها الأولى،وما صاحب هذا الموقف من حملات التخوين له في لحظة تفوز العاطفة،وتفاعل اليمنيين مع شعار الحرب المعلن،قابلتها حملات تأييد لهذا الموقف،من الطرف الآخر، الذي رأى أن  موقفه يتماهى مع موقفها،ولو من الناحية المبدئية،بغض النظر عن اختلاف الأسباب والدوافع . 

ومن وجهة نظر الكاتب الشخصية، فإن قراءة  الفريقين لموقف الرئيس ناصر من الحرب؛ أتخذت منحًا متشددًا، بعيدًا عن الخوض في أسبابه الموضوعية،إذا حاولت القوى المؤيدة للحرب، التقليل من أهميته،معللة ذلك بإرتباطه بالنظام السوري،الموالي لإيران الداعم الرئيس لجماعة الحوثي،في حين حاول إعلام المحور الآخر،استغلال موقف الرئيس ناصر،وتسويقه كداعم معنوي لها، لتكثير سواد مناصريها،سوى على مستوى الأحزاب،والقوى السياسية،أو على مستوى الشخصيات والقيادات التاريخية،فذهبت تفسر هذه المواقف من منظور مصالحها السياسية، وفقًا لمشروعها السياسي،وتحالفاتها الإقليمية .


وأكد الرئيس ناصر خلال اللقاء،على مسألة التوافق اليمني اليمني،بعيدًا عن المزايدات،والشعارات،وخطاب الشحن السياسي،والديني،الغير منطقي،مع أهمية استحضار المصالح الإقليمية والدولية، في الصراع الدائر في اليمن،وأهمية البحث عن منطلقات للحل؛تقوم على تقاطع مصالح اليمن مع مصالح القوى الدولية،التي تتحكم في الصراع العالمي.


وعند سؤالة من أين يبدأ الحل للمشكلة اليمنية؟ التي حولت اليمن مصبًا ألتقت فيه جدوال الصراع الداخلي والخارجي،بمختلف أوجاعة  السياسية والاقتصادية،مع حمى سباق المصالحة الاستراتيجية،وصراع النفوذ،بين القوى المتحكمة في الصراع الإقليمي والدولي،ومحاولة هذه الأطراف مجتمعة تأجيج هذه التراكمات،وتغليفها بشعارات ثورية،حينًا،ومذهبية حينًا آخرًا، لتحويل الصراع من صراع مصالح استراتيجة لهذه القوى،إلى صراع محلي بالوكالة.

أكد الرئيس ناصر،إن الحل من وجهة نظرة الشخصية،ومن خلال استحضار تجارب صراعات سابقة مرت بها اليمن،ومثَّل لذلك بصراع الجمهوريين والملكيين،بعد ثورة سبتمبر1962م ،الذي استمر قرابة سبع سنوات،مذكرًا بدور المملكة العربيةالسعودية كحليف للملكيين،وجمهورية مصر العربية كحليف للجمهوريين،وما صاحب هذا الصراع، من خسائر بشرية ومادية،وحرب سياسية وإعلامية على أعلى المستويات،وحين رأت هذه القوى أنها تغرق في رمال بلد معقد التضاريس، مثقل بالفقر والجهل،،وصل الطرفان إلى قناعة تامة،بعدم  قدرة أي طرف على حسم الصراع عسكريًا،ذهب الرئيس جمال عبدالناصر،والملك فيصل، إلى السودان،واتفقا على وقف الحرب،والتفاوض حول الملف اليمني،وقررا إن يكون الحل سياسيًا وليس عسكريًا،و ضرورة تبني مواقفًا سياسية أكثر مرونة، والضغط على الأطراف المحلية المتصارعة للجنوح للحل السياسي،بدلًا من الصراع المسلح،الذي أنهك الجميع،وكان لها ما أردت .


لذا نؤكد اليوم أن حل المشكلة اليمنية يجب أن يكون سياسيًا،وليس عسكريًا،لأن حقيقة الصراع هو صراع مشاريع سياسية محلية،وجدت فيه القوى المتحكمة في الصراع العالمي ضالتها،فقامت بتوظيفه،لتصفيت حساباتها،متخذةً منه،وسيلة لتمرير أجندة، تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية،ولاتخدم اليمن.

لذا يرى الرئيس ناصر إن الحل يجب إن يكون يمنيًا، يبدأ حسب رؤيته للحل، بتنفيذ نقاطه الأربع، التي طرحها على المبعوث الدولي مارتن جريفت أثناء زيارة الأخير له، وأكد عليها في لقاءاته المستمرة،مع مختلف الشخصيات السياسية اليمنية،بكل توجهاتها،ومشاربها،مؤكدًا وقوفة من الجميع بمسافة واحدة،بالإضافه إلى تأكيده لهذا الموقف،أمام المنظمات،الدولية الرسمية،وغير الرسمية،في مختلف المحافل العربية ،والدولية،وتتمثل هذه النقاط في الآتي:

1- وقف الحرب .

2- تشكيل حكومة وحدة وطنية .

3-نزع السلاح من كافة المليشيات المسلحة الخارجة عن الدولة،وحصره في وزارة الدفاع الوطنية.

4 - إعادة بناء القوات المسلحة والأمن، بناءً وطنيًا .

مؤكدًا على أن هذه النقاط،هي مدخلًا للحل،وبداية الانطلاق،لحل المشكلة اليمنية،وليست وصفة سحرية،ستنتج حلًا جاهزًا،دون موافقة أطراف الصراع المحلية،ودعم ومباركة القوى الإقليمية،والدولية،لأن الصراع لايخدم الداخل ولا الخارج،فالحرب دخلت عامة الخامس،دون أن تحقيق الأهداف،المعلنة للطرفين،ولن تصل إلى تحقيقها،في حال أصرَّت على المضي،في اختيار الحل العسكري،خيارًا وحيدًا، لتحقيق أهدافها،دون قراءة واعية لإفرازات هذا الصراع على اليمن والمنطقة ،لذا على قوى الداخل والخارج اختصار الطريق،ووقف نزيف الدم،وتدمير مقومات اليمن،وخلق بؤر جديدة تفاقم المشكلة اليمنية، المتفاقمة أصلًا،وتأجيج الصراع بين  دول الإقليم،وتمزيق عرى الجوار،وتبديد فرص    التعاون،والشراكة فيما بينها،بدلًا من خلق مناخات للتعايش،والتعاون الاقتصادي،لما يخدم شعوب المنطقة،وخلق حالة من الاستقرار،سيكون لها ثمارها الإيجابية على المنطقة والعالم .


وحول رؤيته لحل القضية الجنوبية،أكد الرئيس ناصر،على تمسَّكه بمخرجات مؤتمر القاهرة،مع تأكيده لاستيعاب المتغيرات الحاصلة،على مستوى اليمن عمومًا، والجنوب خصوصًا،وتحذيره من الإنجرار،خلف المشاريع التي تحاول إذكاء صراع شمالي جنوبي،أو صراع جنوبي جنوبي،أو شمالي شمالي،مستغلة اختلاف وتناقض المشاريع السياسية الموجودة على الساحة،والتأصيل لها دينيًا،وفقًا لروئ مذهبية،مزَّقت عرى الكثير  من المجتمعات العربية.

مؤكد أن الصراع الشمالي الجنوبي لم يفض إلا إلى الصراع،والصراع الجنوبي الجنوبي أفضى إلى المشاريع الارتجالية،التي سلمت الجنوب،لنظام علي عبدالله صالح، في وحدة غير مدروسة،حولت الوحدة اليمنية من مشروع قومي،ناضل اليمنيون من أجله،إلى إنتكاسه،حين ظلت الأطراف الموقعة عليها الطريق،فأقامت بناءها،على أسس غير سوية،حولت مشروع الوحدة اليمنية من حلم،وهدف من أهداف الثورة إلى كارثة .

لذا أكدنا في مخرجات مؤتمر القاهرة،على دولة من أقليمين،وبهذا نكون ضمنا حقوق الجنوبيين والشماليين،وخلق شراكة حقيقية،وإعادة تصحيح مسار الوحدة،في آن واحد.

مقالات الكاتب

الطبيب الإنسان

كنت طفلًا صغيرًا حين كانت أمي تحملني على ظهرها في فوج من النسوة؛ فيهن الراجلة على قدميها، والراكبة ع...