مقال ل نبيل الصوفي: #عن_نبيل_القعيطي
سكنت في المخاء، بمساعدة نبيل القعيطي. كنت انام في المعسكرات واقضي نهاري في الطرقات.. لم اتكيف مع حي...
“بعضاً من يومياتي مع الإخوان (الحلقة الثانية)
صراعات “تمويلات المؤمنين”.. من "رؤوفة حسن" إلى “جار الله عمر”
نظَّم قسم الإعلام وطلابه المتضررون من سيطرتنا الإخوانية رحلة طلابية خاصة بهم، رحلة طلابية مثل التي نظمناها، رحلة، وأغانٍ، ومسابقات، وفعاليات عادية، فصورنا كإخوان الرحلة كفعل منكر.. ويذكر فكري قاسم ما ناله من اتهامات بأنَّه قاد المجون فيها. تخيلوا رحلة إلى كوكبان لطلاب وطالبات يمنيين، ما بحوزتهم إلا قيمة باص جماعي وساندوتش.. نَصِفَهم بالمجون والخلاعة. فاستشاطتْ قيادتنا غضباً، كيف نسمح بالمجون، نحن إذاً قليلو إيمان. في أول رحلات نظَّمناها وقفت زميلة وغنَّت أغنية، فأصبح الإخوان يقولون لنا: "أنتم مشغولون تطبخون لهم، وهم يمارسون الرذيلة".
بعدها بعشرين سنة، اعتبر الأستاذ محمد اليدومي نشْرَنا خبراً عن أمسية للفنانة هيام يونس، ضمن فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة، نشراً للرذيلة، كنت معه في بيته، وحين قال لي هذه الكلمة طفح بي الكيل.. الرذيلة مرة واحدة.. وهيام يونس، ماهيش حتي نانسي عجرم.. يومها خرجت من بيته وتركت “الصحوة” لجمال أنعم ورفاقه.. وهذه قصة أخرى لكارثية التربية الإخوانية وقبح خلطهم بين المصالح والانتماء حتى تمحق الشخصية وتحول كل أفرادها مهما اعتدلوا مجرد ألوان في لوحة التطرف.
المسألة -إذاً- لم تكن مجرد تطرف أفراد، بل هو منهج إخواني ثابت لا يختفي إلا كضرورة باطنية، ثم يعود للأصل، للتقييم الثابت لكل خصومهم، بل ولكل اختلاف بيننا وبينهم، كأفراد أو قيادة، يتنافسون في التطرف وادعاء احتكار الدين. وسأذكر في حلقات تالية فصل “صادق أمين” اليمني، وكتابه الذي هزَّ الجماعة كلها حين اتهم ياسين عبدالعزيز ومحمد اليدومي ومحمد قحطان بمخالفة “دين الله” وممارسة “الرذيلة” وهي مصافحة الأجنبيات وموالاة النصارى ومحاربة العلماء.. ودفعهم جميعاً للتأليف والتسبيح وتجديد الإيمان، ومعالجة آثار النقاش قبل أن يؤثر على “تمويلات المؤمنين” في السعودية والخليج الذين وجه لهم صادق أمين هذا كتابه “النصيحة” داعياً إياهم للتوقف عن دعم المنحرفين.
كما أن حادثة اغتيال جار الله عمر، واحدة من هذه الأدلة على أنهم يعتدلون ويتطرَّفون حسب قدرتهم على تحمل عبء أي من الموقفين، وليس إيماناً بأي منهما، فالرجل الذي اغتيل بين أيديهم قال قاتله إنه قتله بناءً على فكر وخطاب الإخوان ضده، وحين تبنيتُ أنا اعتباره شهيدنا وشهيد اليمن وديمقراطيتها ضد التطرُّف، صمت الإخوان وقت الحادثة، لأنها هدَّدت كيانهم ووجودهم، وللأمانة فقد تجاوب معي آلاف من قواعدهم، باعتبار خطابي هو الصواب، لكنها وبعد أسابيع أو أشهر وجدت الخطاب الفاجر من أعلى مستوى قيادي فيهم: “كيف تصف جار الله بأنه شهيد”؟ ولولا جرأتي في الرد والنقاش معهم لتحولت “إدانة”.
نعود للطلاب.. كان القرار تكثيف المبيتات والمحاضرات الإيمانية لتربيتنا نحن كإخوان، وفي المقابل منع كل نشاط “ماجن” للآخرين..
وكانت أولى الفعاليات هي الرحلات، وتأتي هنا حكاية “الباص” الذي يقولون إني تمدّدت أمامه لمنع الاختلاط، ولطالما كانت هذه الحادثة واحدة من نقاط النقاشات بيني والزملاء المشاركين فيها، وكنت أرد بعمومية عنها، ولكنها اليوم أصبحت رواية إخوانية ضدي، ليس الأمر في ذكرها ضمن برنامج تلفزيوني ساخر، ولكن إعادة الإخوان الرواية في نقاشاتهم يؤكد أن هذه الجماعة لا تنتج إلا أفرادا بلا دين ولا ذمة، يمكن للإخوان أن يدينوك أنت بما هم أنفسهم يرونه بطولة لأنفسهم، فعل وتكفير مخيف يجعل التشارك في الحياة مع هكذا تنظيم كأنَّه تربية للأذى والأذية.
دعا قسم الاعلام للرحلة، وقرَّرنا نحن كاخوان منعها، فسبقنا طلاب الرحلة وملأنا مقاعد الباص، وبقينا في حوار داخل الباص، وفيما كنت أتكلم مع الدكتورة رؤوفة حسن التي كانت تحاول إقناعنا بترك الباص لطلابه اشتبك الأخ مجاهد البشاري مع الزميل أحمد الزرقة، وستعرفون أنتم مواقف الاثنين من خلال التعريف الذي استخدمته لكل منهما. وساهمت أنا والدكتورة في فض الاشتباك.
لم نكمل حتى كان قد نشب اشتباك آخر مع “المشرفين على ديننا”، قسم كلية التربية الذين جاؤوا للتأكد أننا لن نسمح بالمنكر.. حيث اعتدى أحد “إخوانهم” على الزميل “محمد القرشي” بجوار طقم استدعاه الأمن لمراقبة الموقف. وقبل أن يعتقل الطقم “أخانا في الإخوان”، تمكنا من تهريبه وقررنا منع الطقم من اللحاق به، إذ لو طارده قد تتطور المطاردة لاقتحام مقر الإصلاح وإطلاق النار عليه.. لم نكن مسلحين، ولذا عملنا دائرة على الطقم ولم نبتعد عن طريقه، رغم أنه هددنا بالدهس ووجه أفراده نحونا الأسلحة، فقال لهم أحدنا بسخرية: “بتعوروا عيني”. ويومها ضحك الضابط، فهل هؤلاء طلاب بعقلهم، كل هذا لمنع زملائهم من رحلة.
وكان هناك زميل يلتقط صوراً، فقفز أحد الإخوان معتدياً على من صور، يريد أخذ الكاميرا، سحبوا الفيلم وسلموا لنا الكاميرا، ولم ننتبه، وجاءت الزميلة رحمة حجيرة تتوسط، أتذكر أنها كانت تقول لي: نحن أخوة، فيقفز أحد إخواننا أصحاب الإسلام الأصلي يصيح: أعوذ بالله أن تكوني من أخواتنا..
طال الموقف وشعرنا بالإرهاق.. انسحبنا وتحرك الباص ولم تتم الرحلة وفق المخطط طبعاً، لكنهم ذهبوا أعتقد إلى مكتب الدكتورة رؤوفة حسن، الذي تعرض بعد سنوات من هذه الحادثة لحملة شعواء باعتباره وكراً لمحاربة الإسلام والمسلمين. تزامناً مع المعركة التي شنوها على صحيفة الثقافية ورئيس تحريرها “سمير اليوسفي” بالحديث عن إساءتها للذات الإلهية.
سأعود للحديث عن هذه القضايا، بعد أن أكمل الحديث عن صراعنا داخل الإخوان وضد الآخرين في الجامعة، فقد كان النشاط الآخر هو فرض انتخابات طلابية للتجديد لسيطرة الإخوان على اتحاد طلاب الجامعة.
وهذا الاتحاد يحكي واحداً من أسباب سيطرة الإخوان على دين وثقافة المجتمع في الشمال بأكمله من خلال الطلاب.
وصارت هذه الانتخابات، مادة للصراع اليومي بيننا، والمؤتمر والاشتراكي، تركنا بسببه قاعات الدراسة وتفرغنا للعراك الحزبي، وكان خطابنا قائماً على واجب حماية الدين والأخلاق.
تصدقون أني تعبت بمجرد استحضار كل هذا التعب، عن أي حزبية تتحدثون.. هل هذا حزب يحق له استخدام قانون الأحزاب للسيطرة على البلاد بهذه الطريقة؟
نظَّم الناصريون فعالية، فاعتدى الإخوان عليهم، وقررتُ الذهاب إلى مقر الناصري لمعالجة الاثار، وأتذكر كيف أن الناصريين يومها قبلوا زيارتي لكنهم كانوا يسألون أسئلة لا أملك لها إجابات: لماذا تعتدون على الطلاب بالضرب؟ لماذا لا تتركون الأمر للمنافسة؟
حاصرنا إدارة أمن الجامعة، وصلينا صلاة الخوف في محيطها، اقتحمنا قاعات للمحاضرات أمام أساتذة الجامعة.
وآخر المطاف، صعَّد الإخوان من عدوانيتهم، وذات يوم ولمنع حفلة فنية جمعونا بعد الفجر، للترتيب لإفشالها بالقوة، ووزّعوا علينا “بسباس أحمر مدقوق” كسلاح فردي “فمن لا تستطيع ضربه، انفخ البسباس الأحمر في عينه”.
يا إلهي.. طفح بنا الكيل.. لكن من طفح بهم الكيل هذا كانوا قلة، لم نكن إلا ثلاثة: الصرمي وقحطان وأنا.. خرجنا من الاجتماع احتجاجاً.. أتذكر أني قلت لهم: سيفقد الناس بصرهم.. هذه عقوبة كأنها حد من الحدود.. فما هو الحد الذي يوجبه من يسمع الأغاني؟
فرض الإخوان سيطرتهم بهذه القوة والإرهاب والتطرف على الجامعة، وأخضعوها إدارياً وسياسياً، وبدأت موجة الانتماء للسلفية كحالة رفض لهم دينياً، أما المؤتمر فإنه لا يهتم لصراع المضامين هذا، ويكاد يكون إخوانياً في توجهه الاجتماعي والثقافي، وبقت الدكتورة رؤوفة حسن، تدير مواجهة جبارة، نجحت من خلاله في إحداث التغيير حتى داخل الإخوان، أنا شخصياً كانت هذه المرأة واحدة من العوامل التي تفتحت عقليتي بسبب منطقها، هي لم تكن تواجه، بل تعمل على الجذور، تثير لديك الأسئلة التي تبدو بها أمام نفسك مداناً، قررت علينا كتاباً عن التجربة اليابانية، تجربة تحترم الدين وليست عدوانية، لكنها تجربة وطنية، شكلتنا في حلقات مختلطة، كل حلقة طلابية لابد أن يكون بها طلاب وطالبات، وأمام الاختلاط تتذكر أنك ابن قرية كانت قريتكم بخير وأنتم تعيشون مختلطين، وحين حملنا تقاليد الإخوان النجدية إلى القرى باسم الدين، تهشَّم الدِّين والدنيا.
أتمنى أني أواصل محيطاً بكل الحكايا، وأن يتفاعل معي الإخوان باحترام، بحيث يرون التفسير الذي يخص كل واحد منهم لهذه التفاصيل، لنقيِّم ماضيهم، ونضعهم أمام أنفسهم كما هم على حقيقتهم..
أعرف أن الإخوان، يحتفون بك حين تتغير لصالحهم، أما أن يكون التغيير ضدهم، فهو -إذاً- مثل كل معتقد ودين وفكرة وأخلاق وحق، مُدان وجريمة، يبيحون لأنفسهم كل شيء في مواجهته، وهذا يجعلك في خطر المواجهة، يستبيحون كل شيء، ولكني مؤمن أنه كلمة الحق عن سلطان جائر هو الدين، ولا أكثر جوراً من هذه الغشاوة التي تعميهم وتعمينا بهم..
وإلى حلقة أخرى، بإذن الله..