تقارير: السعودية تكلف أرامكو بتزويد اليمن بالمنحة النفطية تجنباً لفساد حكومة "الشرعية"

عدن(سكاي كريتر) ديبريفر

كشفت تقارير إخبارية ومصادر مطلعة، اليوم الخميس، إن المملكة العربية السعودية رفضت محاولات الحكومة اليمنية "الشرعية" المعترف بها دولياً، السيطرة على توريد المنحة النفطية المقدمة من المملكة لتزويد محطات الكهرباء في اليمن بالمشتقات النفطية بقيمة ٦٠ مليون دولار شهرياً.


وذكرت المصادر، أن الحكومة اليمنية "الشرعية" التي يرأسها الدكتور أحمد بن دغر، حاولت فرض رجل الأعمال اليمني، أحمد العيسي، المعروف باحتكاره لعملية استيراد المشتقات النفطية لعدن وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة، كمورد لهذه المنحة التي أعلنتها الحكومة السعودية.


وأوضحت المصادر أنه قبل إتمام الصفقة تفاجأت حكومة "الشرعية"، بصدور توجيهات من الديوان الملكي السعودي بأن يتم تقديم المنحة عبر شركة "أرامكو" النفطية السعودية، التي ستتولى أيضاً إيصال الكميات إلى خزانات مصافي عدن بعيداً عن العيسي وناقلاته النفطية التي رفضت السلطات في المملكة السماح لها بدخول موانئها.


نقل موقع "عدن برس" الإخباري عن مصادر خاصة قولها، إن حكومة بن دغر بذلت جهوداً حثيثة لإجهاض هذه التوجيهات من خلال تقليل كميات الوقود المصروفة لمحطات الكهرباء في عدن بهدف الضغط على الحكومة السعودية ودفعها إلى شراء الديزل من التاجر العيسي، لكن السعودية أبلغت الحكومة اليمنية قبل أيام أنه تم استكمال تحضيرات شحن الديزل إلى عدن.


ووقع اليمن والسعودية، في 12 أغسطس الماضي، في الرياض على مذكرة تفاهم خاصة بالمنحة النفطية المقدمة من المملكة لتزويد محطات الكهرباء في اليمن بالمشتقات النفطية بقيمة ٦٠ مليون دولار شهرياً لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد.


تأتي هذه المنحة كمحاولة من الحكومتين اليمنية والسعودية لامتصاص الغضب الشعبي في بعض المحافظات اليمنية الجنوبية جراء الانقطاعات المتزايدة في الكهرباء بالإضافة إلى تفاقم الأوضاع المعيشية في البلاد.


وكان السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، أعلن مطلع أغسطس، صدور توجيهات العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، "بمنح مشتقات نفطية لمحطات الكهرباء في الجمهورية اليمنية بقيمة (٦٠) مليون دولار شهرياً لتشغيلها على مدار الساعة".


وحينها، قالت مصادر حكومية يمنية لوكالة "ديبريفر" للأنباء، إن المنحة السعودية مخصصة لمدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة للبلاد، بالإضافة لمحافظتي أبين ولحج المجاورتين.


 


اتهامات للحكومة بالفساد


يأتي الكشف عن سعي حكومة "الشرعية" اليمنية، لتولي العيسي أمور المنحة السعودية، وسط اتهامات موثقة بصفقات فساد كبيرة في استيراد المشتقات النفطية إلى عدن، فضلاً عن تحذيرات أطلقتها شخصيات سياسية وسكان محليون في جنوبي اليمن، موجهة للسعودية بعد إعلانها المنحة، من عبث الحكومة بهذه المنحة سيما مع توغل الفساد في القطاع الحكومي بصورة مخيفة.


وقال السياسي في جنوب اليمن، أحمد عمر بن فريد في تغريدة له على حسابه بموقع تويتر حينها: "أنا على يقين أن ٥٠% على الأقل من هذه المنحة سوف تذهب كما ذهبت مليارات غيرها إلى حسابات الفساد وأركانه طالما وأنه لا يوجد عليهم رقيب أو حسيب".


وخاطب بن فريد السفير السعودي قائلا: "سعادة السفير أنتم تتعاملون مع مجموعة لصوص ولا يمكن أن تثنيهم عن جرائمهم هذه إلا انتفاضة شعبية جنوبية".


 ويؤكد مسؤولون محليون في عدن أن ما يجري في قطاع الكهرباء عدن يشوبه عمليات فساد ضخمة في صفقات الطاقة المشتراة من القطاع الخاص، مشيرين إلى إن السلطات المحلية في عدن تواجه صعوبات وتحديات غير مسبوقة في ظل الأوضاع المتردية التي تعيشها المدينة.


وتعيش محافظة عدن منذ قرابة عشرة أشهر من دون محافظ بعد استقالة المحافظ السابق عبد العزيز المفلحي في 16 نوفمبر الماضي عقب أشهر قليلة من تعيينه.


واتهم المفلحي في خطاب استقالته قدمه حينها للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الحكومة اليمنية برئاسة الدكتور أحمد بن دغر، بأنها تعمل ضد التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية، داعياً إلى محاسبة الحكومة عن فسادها والمسنودة بالتحالف العربي الذي ينفذ، منذ 26 مارس 2015، عمليات برية وجوية وبحرية ضد جماعة الحوثيين (أنصار الله)، دعماً لقوات الرئيس هادي لإعادته إلى الحكم في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ سبتمبر 2014.


 


أزمة وقود خانقة


وتشهد مدينة عدن حالياً، وكذا مدينة صنعاء العاصمة الرسمية للبلاد والتي يسيطر عليها الحوثيون، أزمة وقود خانقة ومتزايدة منذ نحو أسبوع.


وارتفعت أسعار مادة البنزين اليوم الخميس، بشكل كبير ولافت في محطات البيع الخاصة في مديريات عدن الثمان، مع استمرار أزمة انعدام الوقود وازدهار السوق السوداء.


وشاهد مراسل وكالة "ديبريفر" للأنباء ازدحاماً شديداً للسيارات أمام المحطات الخاصة للتزود بالبنزين في عدن والتي تبيع بأسعار جديدة، حيث ارتفع سعر اللتر البنزين إلى 475 ريال أي ما يعادل 9500 ريال يمني للدبة سعة 20 لتراً، مقارنة بـ 8000 ألف ريال قبل أيام في المحطات الخاصة، و6600 ريال السعر الرسمي المحدد من شركة النفط.


ورغم السعر المرتفع إلا أن البنزين غير متوفر سوى في عدد قليل من المحطات، ما تسبب في طوابير طويلة من السيارات أمام المحطات بغية تزودها بالوقود، بينما وصل سعر الدبة البنزين سعة 20 لتراً في السوق السوداء، اليوم الخميس إلى نحو 13 ألف ريالاً، وسط اتهامات من مواطنين لبعض الجهات والأطراف المسؤولة، بتسهيل وازدهار السوق السوداء من أجل التربح المادي.


وجددت مصادر حكومية مؤكدة في شركة النفط بعدن التأكيد في تصريح خاص لوكالة "ديبريفر" للأنباء أن أزمة المشتقات النفطية المفتعلة حالياً في عدن، سببها رجل الأعمال أحمد العيسي المتعهد الوحيد بتوريد النفط إلى المحافظة، والذي ما يزال يعمل على افتعال الأزمات في الأسواق بين فترة وأخرى، من خلال رفضه تفريغ شحنات البنزين، والديزل، والمازوت المتواجدة على بواخره الراسية في أرصفة ميناء الزيت التابع لمصفاة عدن، التي أصبحت أشبه بالملكية خاصة للعيسي، وفقاً لمسئولين، بعد أن كانت من الممتلكات العامة.


وأشارت إلى أن العيسي يقوم حالياً بإمداد شركة النفط الحكومية بكميات محدودة، وبدورها تقوم الشركة بضخ هذه الكميات إلى المحطات الوقود التابعة لها، لكنها ليست كافية لتغطية السوق بشكل كامل.


وأكدت المصادر عينها أن العيسي ما يزال يصر على استلام مبالغ شراء الوقود بالعملة الصعبة ما يجبر شركة النفط الحكومية على شراء قرابة ثلاثة ملايين دولار شهرياً من شركات الصرافة المحلية بالسعر الحالي، بمبلغ يفوق اثنين مليار و100 مليون ريال يمني لتسديد قيمة الوقود للعيسي، وهو ما يتسبب في أزمة انعدام العملة الصعبة في السوق بصورة مستمرة، ويساهم في انخفاض القيمة المحلية "للريال" أمام الدولار.


مسئولون حكوميون يشغلون مواقع متعددة في شركة النفط اليمنية الحكومية في عدن، قالوا في تحقيق سابق لوكالة الأنباء "ديبريفر" إن العيسى يمارس الابتزاز على شركة النفط الحكومية المختصة بتوزيع الوقود محلياً في المحافظات الجنوبية، كون الشركة تشتري من العيسي المشتقات بالسعر الذي يحدده هو، وبالعملة الصعبة وبزيادة عن الأسعار العالمية، ما يترتب عن ذلك خسائر فادحة على الشركة الحكومية.


وتشتري شركة النفط، الوقود بمختلف أنواعه، من شركة "عرب جلف"، التي تحتكر عملية استيراد الوقود في عدن وبقية المحافظات والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.


وشركة "عرب جلف"، شركة تجارية استثمارية خاصة مملوكة لرجل الأعمال اليمني أحمد العيسي، الذي صدر مؤخراً قراراً بتعيينه مستشاراً للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.


وكانت قيادة شركة النفط اليمنية في عدن، قررت مطلع سبتمبر الجاري، تعليق بيع الوقود للمحطات الحكومية إلى حين تدخل الحكومة والبنك المركزي وإيقاف عملية المضاربة بأسعار صرف العملة الصعبة.


وقالت الشركة في بيان وجهته للرأي العام، حينها: "من الأهمية بمكان أن يعلم المواطن أن الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني يؤثر وبشكل مباشر في عملية قيام الشركة بشراء المشتقات النفطية لاسيما في ظل عدم تدخل الدولة أو تقديمها الدعم اللازم للمشتقات النفطية, او حتى التدخل العاجل للسيطرة على الصرافين، والمساهمة بالتالي في عملية تثبيت سعر صرف الدولار مقابل الريال".


وأكدت شركة النفط ان عدم تدخل الدولة أو قيام البنك المركزي اليمني بفرض رقابه صارمة على الصرافين، أفسح المجال لهم للمضاربة بأسعار الصرف.. لافتةً إلى أن هذا الأمر سينعكس تلقائياً بالسلب على القيمة الشرائية للمشتقات النفطية، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الوقود تباعاً للارتفاع المتصاعد في أسعار الصرف، لأن الشركة تقوم بشراء المشتقات النفطية التي تسوقها لاحقاً في السوق المحلية، بالعملة الصعبة (الدولار).


وكانت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها في العاصمة السعودية الرياض والتابعة للحكومة اليمنية "الشرعية"، قالت الاثنين الماضي، إن رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وجه وزارة المالية، والبنك المركزي اليمني، بتخصيص عشرة ملايين دولار لتغطية احتياجات شركة النفط اليمنية لتغطية جزء من احتياجاتها لشراء المشتقات النفطية، على أن يستخدم هذا المبلغ لتوفير حاجة المواطنين من المشتقات النفطية، (ديزل وبترول)، ويورد ما يعادله بسعر السوق بالريال اليمني إلى حساب بديل لصالح إيرادات الدولة.


 


إلغاء الاحتكار فوراً


وأكد مراقبون ومتابعون اقتصاديون أن الحكومة اليمنية "الشرعية"، إذا كانت جادة في تحسين الأوضاع المعيشية في عدن والمناطق التي تسيطر عليها واستقرار المشتقات النفطية ووقف انهيار العملة المحلية، فعليها فوراً إلغاء قرار تحرير المشتقات النفطية الصادر من الرئيس هادي في مارس الماضي، وعودة نشاط أهم موردين اقتصاديين للبلد وهما شركتي النفط ومصافي عدن الحكوميتين.


وأشاروا في تصريحات لوكالة "ديبريفر" للأنباء، إلى أن قرار هادي بتحرير سوق النفط، عطل إحدى أهم الموارد المالية للدولة، وعمالقة اقتصاد البلاد (شركتي النفط ومصافي عدن الحكوميتين)، فضلاً عن أن القرار لم يطبق منه شيئاً يذكر بسبب سيطرة تاجر واحد على جميع خزانات شركة مصافي عدن، في إشارة إلى رجل الأعمال أحمد العيسي، المورد الوحيد للمشتقات النفطية إلى عدن والمحافظات المجاورة لها.


وحذروا من خطورة استمرار هذا القرار الرئاسي على الأمن القومي، وقيمة العملة الوطنية، وانعكاسات ذلك على الأوضاع المعيشية للمواطنين، في ظل غياب دور الدولة، وأجهزتها الرقابية الحكومية الفاعلة.


وتصاعدت في الآونة الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي، حملات ناشطين وشباب في المحافظات الجنوبية منددة وساخطة إزاء استمرار قيام العيسي بدور الدولة وتحكمه في أهم سلعة يحتاجها الناس، بما يشير إلى سيطرة مراكز وقوى نفوذ كبيرة على قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ـ الذي يبدو كشاهد ما شاف حاجة- أمام ما يفعله لوبي الفساد الذي يتزعمه نجله "جلال هادي" المرتبط بشراكات تجارية مع رجل الأعمال العيسي، وفقاً لتأكيدات مراقبون ووقائع عديدة.


ويُعد احتكار شركة العيسي لاستيراد الوقود في عدن، وبقية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية "الشرعية"، سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، إذ سلمت الحكومة أهم مورد اقتصادي ومالي للبلد إلى القطاع الخاص، بموجب قرار أصدره الرئيس هادي مطلع مارس الماضي، والقاضي بتحرير سوق المشتقات النفطية، وفتح مجال الاستيراد أمام شركات القطاع الخاص، وإخضاع عملية بيع وتوزيع المشتقات للمنافسة بين الشركات.


وجاء قرار تحرير سوق المشتقات النفطية، بعد إحجام حكومة هادي عن تغطية فاتورة واردات الوقود بالعملة الصعبة، وتوقف شركتي النفط الحكومية ومصافي عدن، عن استيراد الوقود وتحويلهما إلى مجرد مخازن للتجار العيسي.