اول تعليق من ابنة إسماعيل هنية على اغتياله ( مؤلم)
علقت ابنة القيادي في حركة حماس إسماعيل هنية على واقعة اغتياله اليوم الأربعاء .وقالت سارة إسماعيل هني...
آه كم أشتاق إليك اليوم ! وأنا أقف على ساقي الاصطناعية مع زملاء آخرين يبحثون عن سيقانهم وأذرعهم وأعينهم، التي سقطت منا ذات ليل مجنون، نقف على مشارف جزائرنا نرنو إليها، نتذكر ذلك اليوم الذي عاهدناها فيه أن نطفئ نيرانها بدمائنا، نمنع السواد أن يكحل مقلتي نسائها وجدرانها الناصعة البياض، ذلك البياض الذي أبهر أشهر الرسامين فخلدته لوحاتهم.
أه يا ساقي المبتور ! سامحيني ، سامحيني على ما فعلت بك، لكن لا تخافي لن أنساك، لن أحب هذه الساق البلاستيكية ، حتى أنني أنزعها كلما عدت إلى البيت وأرميها جنب حذائي، أبدا لن تدخل فراشي ولن تنام تحت الملاحف التي دثرتك، ما زلت في حلمي ويقظتي أتحسس مكانك ، وأحس أن دمائي ما زالت تجري في عروقك، وابحث عنك كل صباح وأنا أخرج من فراشي، قبل أن تعود كل المشاهد الدامية إلى ذاكرتي. نعم هو نفس الإحساس الذي يرويه كل منا نحن المعطوبون، ليس في معركتنا ضد الإرهاب والخونة ، بل في معاركنا في حب الجزائر، لكل منا قصته مع ساقه أو ذراعه المبتورة أو عينه التي لم تعد هنا ليرى من خلالها كيف نبتت الزهور مكان بع دمائنا التي سالت على السفوح وبين الأودية ،ولكل منا قصته التي يرويها كل ليلة إلى طرفه المفقود، يستأنس بها من الألم، نعم الألم ، فألم فراقك لا تصبره المسكنات التي أتناولها كل مساء، لكني أحمد الله في صلواتي أن أختي لم يغتصبها خنزير، وجارتي لم يختطفها أمير، كل اعتزازي أن بلادي ما زالت شامخة واقفة، ودمائي ليست أغلى من دماء آبائنا الشهداء، أحمد الله أن الافغاني لم يحولها إلى كابول أخرى، فقد انتصرنا بفضلك ورفيقاتك على المحشوشة والمتفجرات والمجازر وكل الحواجز المزيفة.
نعم ساقي الشهيده ، كم يليق بك اسم الشهيدة، حتى وإن لم يكن لك قبرا بين مراقد الشهداء، فأنت سقطت في معركة الشرف ، شرف حماية جزائرنا البيضاء من قلوبهم السوداء وانتصرت.
أبكي أحيانا وأنا أتذكر كيف حملتني طفلا أركض بين المروج، وكيف كنت أركل الكرة، كنت أحلم أن أكون ماجر أو مرادونا، وأن أشارك في كأس العالم وأرفع علم الجزائر عاليا، أتذكر كيف كنت أركل زميلي الذي يجلس أمامي في القسم ممازحا، عندما نضجر من الدرس، وكيف ساعدتني على تسلق شجرة البرتقال في بستان جارنا، ثم أهرب عندما يركض خلفنا ينهرنا عن ثمارها، آه !كم كنت مشاغبة حملتني إلى مغامرات لا تحصى، لكن أكبر مغامرة كانت آخرها، كانت تلك التي بعد ومضة لهيب ورعد، رأيتك ترتفين عاليا في السماء مثل نسر كاسر ثم تتهاوين، ونمت، نمت لأستفيق بعدها على سرير مستشفى ، وحولي أناس يباركون نجاتي، وأنا في حيرة من أمري، كيف يبارك الناس لمن فقد ساقه؟ أستفيق لأرى وما تبقى من ساقي ملفوف في شاش ملطخ بالدم، و لتبدا رحلتي مع الألم،ربما يباركون لي لأني أكثر حظا من زملائي الآخرين، هؤلاء تركوا حياتهم وفازوا بالشهادة .
لكن كل الألم لا يساوي هذا الذي أعيشه اليوم وأنا أمنع من الصراخ. لا ألم يضاهي هذه المرارة التي تحرق حلقي، وزميل لي يرتدي الذلة التي كنت أملك مثلها يصدني ويصرخ في وجهي وآخر يضربني بالغاز المسيل للدموع ، وآخرون يسموننا المشاغبين ، وأعداء الأمس الذين يسمونهم التائبون يحكون أكفهم تشفيا فينا، لكني لن أندم لأنني أخترت الجزائر أحميها بحياتي بعد ساقي ولن ينجح من يريد انتزاع حب الجزائر من فؤادي.
كتب/حدة حزام