بعد 33 عاما.. الرئيس علي ناصر محمد يروي تفاصيل حصاد تجربته السياسية(تفاصيل تنشر لاول مرة)

كريتر سكاي\خاص:

نشرت صحيفة عدن الغد مذكرات جديدة من حياة الرئيس علي ناصر محمد (جمهورية اليمن الديمقراطية 1967-1990) من اعداد. د. الخضر عبدالله


حصاد التجربة
.خلال الحلقات السابقة كشف الرئيس الاسبق علي ناصر محمد بعض الاسرار التي كان يحتفظ بها منذ 37عاما وكان منها الانقلاب على حكمه ونزوحه الى صنعاء
.وكيف عانى هو وقواته من التمزق فيها وتركه السياسة ونكران خدمتة السياسية واشتراط رحيله من اليمن مقابل توقيع الرفاق على دستور الوحدة اليمنية
:وكيف كان خروجه من صنعاء بعد كل هذه المحطات التي ذكرها في الحلقات السابقة،هو اليوم يروي لنا تفاصيل وصوله الى دمشق حيث يقول مستدركا
.في عام 1986م كان اخر عهدي بالدولة في اليمن الديمقراطية تدرجت فيها من محافظ الى وزير ورئيس وزراء ونائب رئيس 
.ثم رئيس في ابريل من عام 1980م لكن ذلك لم يكن اخر عهدي بالتطورات والاحداث التي حدثت بعد هذا التاريخ
. ولا بالاحداث والتطورات على مستوى اليمن ومغادرة السلطة لم تعن نهاية علاقتي بالناس
وعلى اية حال ان بقاء تلك الدولة لم يطل بعدي سوى اربعة اعوام تقريبا فقط وانتهى وجودها القانوني وكيانها السياسي في 22 مايو 1990م عندما اندمجت في دولة واحدة 
مع الجمهورية العربية اليمنية في ما سمي الجمهورية اليمنية ولم يبقى من هذه التجربة الا العلم وشعار الدولة التي يرتفع في المناسبات للتعبير عن التمسك بتلك التجربة
.او للاستفادة من هذا الشعار وهذا العلم لاغراض سياسية وشخصية بحثة.ويستخدم كقميص عثمان في الصراعات والحروب والشعار والعلم منها براء
.لان بعضهم يطالبون بدولة الجنوب العربي التي لم يكن لها وجود قبل الاستقلال اوبعده
قصة ظهور الدولة 
ويقول الرئيس مواصلا حديثه:اثناء سرد مذكراتي في صحيفتكم الموقرة تحدثت في البداية عن قصة ظهور الدولة في اليمن الجنوبي بينت كيف انها كانت نتاج ثورة مسلحة وكفاح شعبي
ضد الاحتلال البريطاني الذي استمر نحو  129 عاما وبينت كيف استطاعت الثورة لحظة انتصارها ان توحد نحو 23 سلطنة ومشيخة وامارة متفرقة في دولة واحدة
وشرحت ايضا الظروف التي احاطت بميلاد تلك الدولة والصعوبات التي واجهتها في سنواتها الاولى وتراجع الحكومة البريطانية عن تقديم التزاماتها تجاه الدولة الوليدة
التي وافقت عليها في مفاوضات جنيف وذلك لان النظام في عدن لم يسر في فلك السياسة البريطانية كاعطائها قاعدة عسكرية واقامة علاقات سياسية متميزة معها ولذا
راهن البريطانيون على سقوط النظام وكذلك شرحت الصعوبات في الفترات والمراحل اللاحقة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتوجهات السياسية والفكرية لها
وما دار حولها من صراع وخلافات حلال كل المراحل تقريبا 
وتحدثت باسهاب وتفصيل عن الانجازات التي حققتها في ظروف غير مواتية علي الاغلب من شح الامكانات المادية وحصار سياسي واقتصادي ومحيط اقليمي ودولي متوجسين 
.منها في اغلب سنوات وجودها ،وصراعات داخلية اسهمت مجتمعة في التقليل من حجم تلك المنجزات

عوامل موثرة:في مسار التجربة
ويستطرد الرئيس ناصر في حديثه ويقول:لاشك ان من اهم العوامل الموثرة في مسار التجربة كان الموقع الاستراتيجي لعدن المتحكم بباب المندب البوابة الجنوبية للبحر الاحمر
والمفتوح على القرن الافريقي وبحر العرب والمحيط الهندي والمتاخم للخليج العربي والجزيرة العربية ، الذي يستدعي دائما تدخلات خارجية
فعلى المستوى الاقليمي والدولي لم يكن مقبولا ظهور ووجود دولة وطنية تتبنى الفكر الاشتراكي العلمي وتقيم علاقات مع السوفييت والصين والدول التقدمية في منطقة تعتبر تاريخيا من مناطق النفوذ
الامريكية والغربية التقليدية حيث ثلثا احتياطي النفط العالمي وحيث الانظمة التقليدية الصديقة للغرب والمعادية للاشتراكية وللانظمة التقدمية الراديكالية
وهذا ماواجهته مصر كذلك بعد بناء السد العالي وتاميم قناة السويس واقامة علاقات سياسية وعسكرية مع المعسكر الاشتراكي  

اطماع القوى الصاعدة والقوى الاستعمارية 
ويتابع حديثه بالقول: كان هذا الموقع على مدى التاريخ محل اطماع القوى الصاعدة والقوى الاستعمارية وجرت محاولات عديدة لاحتلاله والسيطرة عليه عن الاحباش والفرس
والرومان والبرتغاليين والعثمانيين والفرنسيين والمصريين في عهد محمد علي الكبير وتوجت هذه المحاولات باحتلال البريطانيين الذين ادركوا اهميتها الاستراتيجية وعرفوا كيف
يحتفظون بها لاكثر من قرن وربع قرن فيما عجزنا نحن ابناء البلد او بعضنا على الاقل عن ادراك اهمية الموقع الذي بين ايدينا وخطورته وما يمثله من اهمية لنا وللعالم
ومايزخر به من امكانات نمو فلم نستطع الاحتفاظ به سوى 23 سنة فقط
ولم نكن نحن اصحاب التجربة على ذات القدر من الاتفاق على طبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية ولم نكن ندرك بالقدر نفسه خطورة تلك التوجهات على الوضع الداخلي
والاوضاع الاقليمية المحيطة وعلى نتائجها على الصعيد الدولي
ومثلما كان هناك خلاف وصراع على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسات الداخلية كان هناك ايضا خلاف وصراع على التوجهات في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية 
والاقليمية 
كان هناك خلاف وصراع بين انصار العلاقة المتميزة مع الاتحاد السوفيتي وانصار العلاقة مع الصين الشعبية وكان هناك خلاف بين من يويد اقامة علاقات مع دول الجوار كالسعودية
وعمان ودول الخليج العربية ومن يقف ضد هذه العلاقة
بالمقابل كان هناك في تلك الانظمة تحديدا من كان يعمل على اسقاط النظام في اليمن الجنوبي ويصدر اليها المخربين كما كان فيها عملاء رأوا ان من المصلحة اقامة علاقات دبلوماسية مهمة
وتقديم المساعدة حتي اذا كان ذلك في بعض الاحيان ينطلق من الخوف من ان يسقط النظام في احضان الشيوعية حتى النهاية وكان في مقدمتهم الشيخ زايد بن سلطان
و وما اريد قوله ان عدن بحكم موقعها الاستراتيجي صارت مجددا في موقع التنافس الخارجي ليس هذه المرة لاحتلال موقعها الاستراتيجي بل للسيطرة على سياساتها وتوجهاتها وقراراتها
وكل ذلك له تاثيره في التجربة وطبيعة الصراعات التي خاضتها وهذا ما جرى ويجري اليوم ايضا في عدن منذ حرب 94م وحتى 2019م
لهذا لم تكن التجربة بمنأى عن طبيعة الصراعات عليها وعلى من حولها في الوطن العربي وفي العالم وقد ادت البيئة العالمية دورا حينذاك في توجهات اليمن الديمقراطية وخاصة الحرب 
الباردة بين العملاقين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية وما تمخض عن ذلك من استقطاب دولي حاد
ويضيف قائلا:وكان هذا الموقع ذاته مهما جدا للاتحاد السوفيتي الذي كان اسطوله في المحيط الهندي يبحث عن موطئ قدم له لمراقبة الاسطول السادس الامريكي ويرغب في ان تطا اقادمه
المياه الدافئة منذ عهد القيصر الروسي ويحاول الحصول على ارض صديقة يتكئ عليها 
وبرغم ان الروس لم يجدوا لهم قاعدة في اراضي اليمن الديمقراطية كما ارادوا وطالبوا مرارا وتكرارا لكنهم وجدوا التسهيلات لاسطولهم ووجدوا في نظام عدن الذي اعلن توجهاته
الاشتراكية وميله الى الاتحاد السوفيتي موقعا يكونون قريبين فيه من منابع النفط  واحتياطاته الاتسراتيجية
ولكن كما بدا لم يكن الاتحاد السوفيتي ينظر الى النظام في عدن بالقدر الذي يستحقه من اهمية خاصة بعد تجربته المريرة مع مصر وطرد السادات للخبراء الروس وطرد 
الجنرال سياد بري لهم ايضا من الصومال وبالتالي لم يقدم مساعدات مالية كافية لكي ينهض باوضاعه الاقتصادية ويكون النموذج لدول المنطقة ولنجاح التجارب الاشتراكية
كتلك التي قدمتها الدول الغربية لاصدقائها في المنطقة والعالم
وتابع حديثه :ولم تستطع التجربة ان تكون بمناى عن تاثيرات الاحزاب اليسارية والقومية وخصوصا حركة القوميين العرب وتنظيرات بعض قياداتها المغامرة المدمرة
امثال نايف حواتمة الذين نظروا ومهدوا نظريا منذ وقت مبكر من استقلال الجنوب لصراع طبقي دون طبقات وباشروا باقامة تجربة اشتراكية ابتداء من حضرموت ولم تكن مقوماتها
موجودة على ارض الواقع وفي ظل المجتمع المحافظ وقد اججت تلك التنظيرات الخلاف داخل قيادات الجبهة القومية وقواعدها في وقت مبكر وادت بالنتيجة الى مايسمى صراع اليمين
او اليسار الذي اطاح افراد الصف القيادي الاول للجبهة والثورة
وكانت الوحدة اليمنية موضع جدل كبير وكانت تثير المناقشات والخلافات الحادة منذ 1967م حتى عام 1990 ومابعده وذلك ليس حول اهميتها او ضرورتها او كونها في صلب اهداف 
الشعب اليمني في الجنوب والشمال وفي صلب سياسة التنظيم او الحزب الحاكم بل حول طريقة تحقيق هذه الوحدة
كان الصراع بين من يرى اقامة الوحدة بالقوة عبر اسقاط النظام في صنعاء ومن يرى الحوار والطرق السلمية الاسلوب الاسلم لتحقيق الوحدة بين النظامين في صنعاء وعدن وكان هناك
من لايرى امكانية لتحقيق الوحدة الا باقامة تجربة مماثلة في الشمال كتلك القائمة في الجنوب فابتدع لذلك وحدة اداة الثورة تمهيدا لاقامة النموذج المتصور المصدر لتلك الوحدة 
من ثم اعلان قيام الحزب الاشتراكي اليمني عام 1979م واعتباره الوريث الشرعي للحركة الوطنية في اليمن وهو لم يكن كذلك 
وكان هناك ايضا من لايهمه طبيعة النظام الذي ينتج من هذه الوحدة ،وبالمقابل،كان هناك في الشمال من لايرى امكانية لتحقيق الوحدة الا باسقاط النظام في عدن او بعودة الفرع الي الاصل
كما كان البعض منهم يعبر عن ذلك
وكان هناك من يرى ان من المهم ان تتحقق ولو كانت وحدة مع الامام لو عاد وحكم صنعاء من منطلق مبدئي ومثالي هو تحقيق الوحدة بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسية والاجتماعية
للانصاف اقول ان معظمهم كانوا وحدويين لكنهم كانوا يختلفون في طرق تحقيقها واساليبه ولقد دفعنا نتيجة ذلك الثمن غاليا وفقدنا خيرة الرجال والمناضلين على دربها وهذه حقيقة ويجب ان تقال
وان اراد البعض ان يتعسف التاريخ ويشوه نضالنا ونضال شهدائنا وشعبنا في سبيل الوحدة ويصور كل ذلك بانه كان صراعا على السلطة والكرسي او صراع قبائل ويجير كل التاريخ لمصلحته
كانه الصانع له كذلك كان للقوى الاقليمية والدولية موقف معاد للوحدة اليمنية والوحدة العربية
في سياق اخر لايمكن اغفال حالة التخالف والفقر التي كانت مسيطرة في عدن والمحميات فالاستعمار البريطاني تركها في حالة فقر وتخلف مريعين وما عدا عدن العاصمة التي اهتم بتطويرها
لاسباب تتعلق بمصالحه ووجود قاعدته العسكرية ووجود المركز السياسي والاداري للمستعمرة فيها فان التطور لم يمس بقية انحاء الجنوب
ومع ذلك ينبغي ان نعترف لبريطانيا باننا ورثنا منها نظاما ماليا واداريا حديثا وادارة كفوءة وجيا وامنا محترفين وكوارد موهلة وعملة قوية ساهمت في ادارة الدولة في الجنوب
كما ساهمت فيها قبل الاستقلال في عدن والمحيمات وبرغم ما تعرض له الجهاز الاداري الموروث من مزايدات في بداية الاستقلال والمراحل الاولى من بناء الدولة وهو ما ادى الى هروب البعض
لكن من بقى من ذلك الجهاز بالاضافة الى الكوادر الجديدة ادى دورا بالغ الاهمية في بناء الدولة وبرغم كل الصراعات والخلافات التي شهدتها البلاد ظل الجهاز الاداري الاقل تضررا 
وكان له تاثيره الايجابي في النمو الاقتصادي وادارة موسسات الدولة والقطاع العام والمعاملات المالية والادارية وفي تطبيق السياسات والقوانين التي تقرها الحكومة