رسالة الرئيس علي ناصر محمد للبيض وصالح النصر العسكري لا يعني بالضرورة نصرا سياسيا

كريتر سكاي/خاص:


إعداد / د. الخضر عبدالله: 

اوضح الرئيس علي ناصر في الحلقة الماضية  كيف كان الشيخ زايد محقاً في تشخيصه للهدف الحقيقي من حرب علي صالح الظالمة على الجنوب تحت ستار الوَحدة .. وفي هذا الحلقة يروي لنا ان السلطة ليست نهاية الحياة بعد تركها عام 1986م .. حيث قال مسترسلا :" سألت نفسي هذا السؤال عشرات المرات، بعد أن تركتُ السلطة عام 1986م، وبشكل ملحّ عقب خروجي من صنعاء عام 1990م، أو إخراجي منها على وجه أدقّ باتفاق العليَّين (علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض).                           

كنتُ قد تعودتُ العمل ساعات طويلة في اليوم، عندما كنتُ رئيساً للوزراء في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لمدة 15 سنة كاملة، تتخللها ساعة أو ساعتان للسباحة في البحر يومياً، صباحاً ومساءً، وأُضيفَت إليها أعباء الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني ورئاسة الدولة لاحقاً (1980- 1986).     

ويواصل حديثه ويقول :"  كان عملي لا ينقطع طوال النهار، وفي جزء من الليل. كانت أعباء العمل الكثير تأخذني من نفسي، ومن عائلتي، ومن الأصدقاء، معظم الوقت. وكنتُ أقوم بتلك الأعباء وأنا راضٍ وفي منتهى السعادة، وباقتناع تامّ بأنني أخدم شعبي ووطني في الموقع الذي اختارتني فيه الأقدار  للإسهام في بناء دولة قوية ومَهيبة في المنطقة، ولمحاولة تحقيق السعادة والعيش الكريم لشعبنا الطيب. 

كان هذا في عدن.     

أما في صنعاء التي خرجتُ إليها بعد أحداث 1986م (وقد تحدثتُ عن ذلك بالتفصيل في مذكراتي)، فانشغلتُ في ترتيب أوضاع عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين الذين خرجوا معنا، ولم يتوقف سيلهم المتدفق، وفي قيادة عمل سياسي وإعلامي مضنٍ من أجل لمّ الجراح والعناية بأُسَر الشهداء ومعالجة الجرحى، ومحاولة استعادة الوحدة الوطنية دون أن يلقى ذلك آذاناً صاغية من رفاقنا الذين اختلفوا معنا حينها في عدن تحت نشوة أنهم انتصروا، بينما أكدتُ أكثر من مرة أنّ المنتصر مهزوم في معارك كهذه، وأنّ النصر العسكري مؤقت، ولا يعني بالضرورة نصراً سياسياً.                                         

وقد أثبتت الأحداث صحة هذه المقولة قبل الوحدة وبعدها، وحتى اليوم.

مذكرات ليس لها نهاية 

ويستدرك الرئيس ناصر في حديثه ويقول :" السؤال يلاحقني ويلحّ عليّ في دمشق، العاصمة السورية التي انتقلتُ إليها لتكون مقرّ إقامتي الجديدة. السنوات الأولى من وصولي إلى دمشق، وقد سبقني إليها القاضي عبد الرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري في الشمال (عام 1974م) بعد حركة 13 حزيران/ يونيو بقيادة المقدَّم إبراهيم الحمدي، قضيتُها في استكمال مذكراتي التي بدأتها في عدن وصنعاء. كانت دروس الحياة والنضال من أجل الاستقلال، وتجربة السلطة ودروسها التي لا أقوى على نسيانها، ومئات الأحداث، والذكريات، والوجوه الطيبة لمئات الناس الذين عرفتهم خلال مختلف الظروف، كلها تتقافز إلى ذهني، وتتحول إلى حروف، كلمات، جمل، على صفحات مذكراتي، حتى أوشكتُ على الانتهاء دون أن يكون لها نهاية، وهي تجربة غنية عن الثورة والدولة والوحدة بكل سلبياتها وإيجابياتها.   

 وكضى يقول:" ظل السؤال يلاحقني، حتى وأنا أكتب مذكراتي. كل شيء يتداخل... الزمان والمكان، أو (الزمكان) كما يقول أهل الأدب. الوجوه والأحداث، والأحاسيس، الفرح والحزن، السنوات والأمكنة، الطفولة وأيام الشباب، القرية والمدينة، المدن والبلدان والقارات، الماضي والحاضر والمستقبل.             

شعرت بعد كتابة مذكراتي، أو الجزء الأكبر منها، وفي زحمة اللقاءات التي كانت هي الأخرى تستهلك جزءاً من وقتي مع مئات الناس الذين يزورونني في بيتي في دمشق، من اليمنيين والعرب وغيرهم، ويحيطونني بأُلفتهم ومحبتهم، بأنني لستُ في غربةٍ في دمشق، لكثرة ما أحاطني السوريون بالعناية والاهتمام، وعلى رأسهم الرئيس السوري حافظ الأسد، إلى درجة أنّ الحكومة السورية وفّرت المنح العلاجية والدراسية المجانية التي استفاد منها مئات الطلاب والمرضى اليمنيين طوال سنوات، من طريق مكتبي في دمشق."   

خدمة للوطن العربي 

ويكمل الرئيس ناصر حديثه مستطردا ويقول:" بتُّ على اقتناع بأنّ السلطة ليست كل شيء، وتركها لا يعني نهاية الحياة. لكن السؤال يظل في صدارة التفكير: ماذا بعد؟ كان يغمرني شعور عميق بأنّ السلطة ليست نهاية الحياة، وأنه ما زال لي دور وعمل مفيد يمكنني القيام به، ليس لي، بل للوطن العربي والأمة العربية التي تحفّ بها الأزمات والمشاكل من كل مكان. " 

 فكرة إنشاء مركز الدراسات الاستراتيجية 

ويردف الرئيس ناصر ويقول:" لم يكن صوتي مفرداً، بل وجدتُ صداه في أصوات أخرى استحسنته، بعد أن استقرّ أمري إليه. وجهتُ عدداً من الرسائل إلى السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية، عصمت عبد المجيد، وإلى المدير العام لليونسكو، وإلى عدد من ذوي الشأن ممّن استأنستُ برأيهم،  وتوخيتُ أن يدعموا فكرة إنشاء المركز، ومن بينهم رؤساء دول عربية، ورؤساء مراكز بحثية عربية قائمة، استهللتُها برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وكان وقتها السيد بطرس بطرس غالي، إثر نصيحة تلقيتُها من خبير سوداني لدى المنظمة الدولية في دمشق، وكان يعمل قبلها في عدن، وقد تكفّل مشكوراً بإيصالها إليه، وجاء ردّ الأمين العام عبره بالموافقة،  وكلّف اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) دراسةَ المشروع. وكلّف السيد صباح بق ججي، الأمين التنفيذي للإسكوا حينها، الذي شغل قبل ذلك لسنوات عديدة منصب وزير التخطيط في سورية، فريقاً من المستشارين العاملين في اللجنة دراسةَ المشروع وإعداد النظام الأساسي للمركز، وتكوّن الفريق من الأساتذة عبد الله حسن العالم، مدير الشؤون الاقتصادية، وعقيل عيسى عقيل، مدير الشؤون الاجتماعية، ومحمد سيف ثابت، نائب مدير شؤون الموظفين، الذين عكفوا على دراسة المشروع ووضعوا أهدافه، ونظامه الأساسي، ومهماته، وقد قدّرت (الإسكوا) رأس مال المركز حينها بأربعة وعشرين مليوناً وأربعمئة ألف دولار أميركي (24,400,000$) لضمان نجاحه واستمراره، وحددت الجهات التي ستُسهم في تمويل مشروع إنشاء المركز، وهي (الإسكوا، جامعة الدول العربية، الدولة المضيفة، وهي هنا سورية، وبعض الصناديق العربية) للصرف على المركز من فوائد الوديعة، بهدف استمراره واستمرار نشاطه العلمي.

وللأسف، كانت ميزانية على الورق فقط، إذ لم تقدِّم الإسكوا ما وعدت به، وهي صاحبة المقترَح بسبب ما قيل إنه الضائقة المالية، لكنها أسهمت في المؤتمر التأسيسي للمركز، وفي تنظيم بعض المؤتمرات والندوات التي أقامها في مقرّها في بيروت. " 

ويتابع الرئيس ناصر حديثه ويقول :"  أما جامعة الدول العربية، فقد أكد لنا الدكتور عصمت عبد المجيد، وكان الأمين العام حينها، أنّ الوضع المالي للجامعة لا يسمح بالمشاركة في ميزانية المركز، وأنها تعجز حتى عن دفع مرتَّبات موظفيها، بسبب إحجام بعض الأعضاء عن دفع مساهماتهم السنوية، واكتفت الجامعة بدورها في المشاركة في المؤتمرات والندوات التي ينظمها المركز في مقرها في القاهرة. والمشكلة ليست في الجامعة نفسها، بل في موقف معظم الدول الأعضاء التي بدأت في تكوين تكتلات إقليمية، كمجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي، ومجلس الاتحاد المغاربي، ما أضعف دور الجامعة، بحيث إنها لم تعد قادرة على حلّ الأزمات التي تواجه أعضاءها.

أما سورية، حيث المقرّ الرئيس للمركز، فقد موّلت المؤتمر التأسيسي للمركز الذي أقيم في دمشق في أبريل عام 1995م، وقدمت بعض التسهيلات الأخرى، كالمقر الذي كان في المزة، والاشتراك السنوي من بعض الوزارات والمؤسسات السورية في إصدارات المركز. 

   ورغم الظروف المالية التي واجهها المركز، والتي أشرتُ إليها، فقد افتتحنا فروعاً له في كل من القاهرة وصنعاء وعدن والإمارات العربية المتحدة (رأس الخيمة).

منذ إشهار المركز العربي للدراسات الاستراتيجية لأول مرة في دمشق، في نيسان/ أبريل عام 1995م في حفل مهيب برعاية الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، رحمه الله، وبحضور عدد كبير من السياسيين وقادة الفكر والمثقفين والصحافيين في الوطن العربي، ورؤساء عدد من الجامعات ومراكز الدراسات والبحث، استطاع أن يسجل حضوراً لافتاً من خلال اهتمامه بالقضايا والدراسات في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والترجمات."

نشاط مركز الدراسات الاستراتيجية 

ويقول الرئيس ناصر :" أصدر المركز وفروعه عدداً من الإصدارات الدورية، هي: قضايا استراتيجية، ترجمات عالمية، قضايا راهنة، أوراق يمانية، قضايا خليجية، ترجمات خليجية، وترجمات عن اليمن والجزيرة. وبلغ عدد العناوين التي أصدرها المركز وفروعه 229 إصداراً، وتنوعت القضايا والمواضيع التي تناولتها تحليلاً بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية العربية. 

 كذلك نظّم المركز عدداً من المؤتمرات والندوات العلمية بالتعاون مع عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، كجامعة الدول العربية، والإسكوا، وجامعات عربية وأجنبية ومراكز أبحاث مثل: مؤتمر التنمية والتخطيط في ظل المتغيرات الدولية، والندوة الحوارية حول مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومؤتمر إعداد الوطن العربي للقرن الحادي والعشرين ودور الجامعة العربية، الذي أُقيم في أبو ظبي برعاية كريمة من صاحب السموّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. 

 ولم يقتصر نشاط المركز على ذلك، بل اتجه إلى إصدار الكتب، فأصدر نحو 30 كتاباً، كذلك نظّم المركز عدداً من المؤتمرات والندوات العلمية بالتعاون مع عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، كجامعة الدول العربية، والإسكوا، وجامعات عربية وأجنبية ومراكز أبحاث مثل: مؤتمر التنمية والتخطيط في ظل المتغيرات الدولية، والندوة الحوارية حول مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومؤتمر إعداد الوطن العربي للقرن الحادي والعشرين ودور الجامعة العربية، الذي أُقيم في أبو ظبي برعاية كريمة من صاحب السموّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله. " ( للحديث بقية) 

عدن الغد