إنه زمن العقارب !

تصريحات وزير الصحة حسبلاوي، حول إصابة أستاذة بجامعة الوادي بلسعة عقرب أرقدتها في موت سريري لأزيد من أسبوع قبل وفاتها، جاءت وكأنها تعليق لشريط وثائقي على قناة " ناسيونال جيوغرافي". فليس من يجهل أن الحيوانات لا تعتدي إلا في حالتين، لما تكون جائعة، أو عند إحساسها بالخطر. لكن  هل هذا رد يليق بوزير الصحة، حتى يجلب لنفسه سخرية الجميع، ويظهر بمظهر المدافع عن العقارب، مع أن الضحية هي سيدة في مقتبل العمر واستاذة جامعية، ينتظر طلبتها رجوعها مع هذا الدخول، ولن تعود.

ربما نسي معالي الوزير، أنه فيعرفنا الشعبي نكره العقارب وننعتها بأبشع الأوصاف، لأنها تلدغ وتخدع، وتوصف المرأة المخادعة بالعقرب الصفراء، وهذا لم يأت من عدم.

ليس هذا ما كان يجب الرد به من قبل "بروفيسور"، والذي يبدو أنه يفتقد لمستشارين يشرحون له كيف تسير الأمور إعلاميا، ولا ما كان يجب قوله في قضية وفاة استاذة جامعية، راحت ليس ضحية لدغة عقرب مسكين مسالم، وإنما ضحية الوضع الكارثي الذي تعيشه مستشفياتنا وضحية منظومتنا الصحية، وضحية انعدام الضمير عند شريحة من الأطباء. ألم يتسبب الأطباء أيام الإضراب في "مقتل" العديد من المرضى عندما رفضوا توفير أدنى خدمة مثلما يقتضيه قانون الإضراب وأخلاقيات المهنة؟ ألم "تقتل" سيدة في مستشفى مصطفى باشا على كرسي الانتظار في استعجالات من  بضعة أشهر، لأن الأطباء المقيمون رفضوا فحصها أو حتى اعارتها أدنى اهتمام، فلفظت أنفاسها على مرأى من الجميع، لكنها المسكينة، ليست شخصية عمومية ولا تملك حساب فايسبوك يبكيها من خلاله أصدقاء، مثل الدكتورة عائشة رحمها الله؟

نعم العقارب "المسكينة" تقتل كل سنة العشرات في الجنوب، وفي ورقلة وحدها تقول تقارير أنها لدغت 1200 شخص في السنة ، وقتلت خمسة أشخاص، وما الأستاذة إلا رقم جديد يضاف إلى قائمة مفتوحة، أمام افتقار المؤسسات الصحية في الجنوب على قلتها، للأمصال المضادة لسموم العقارب والثعابين لإسعاف المصابين.

ماذا نرقع وماذا نترك، فكل شيء مهترئ، وإن وجد أطباء بضمير حي، تعوزنا الوسائل، وإن وجدت الوسائل، تتغلب عليها الفوضى؟ 

لا باس أن اروي هنا قصة حقيقية، لأحد سكان بسكرة، عاش رعبا حقيقيا خوفا من أن تلدغه عقرب، فهاجر إلى فرنسا، واشتغل حمالا بميناء مارسيليا، وهناك كلف يوما بإفراغ شحنة من دقلة نور القادمة من بسكرة، لكن لسوء حظه، كانت عقرب "مسكينة، طيبة" تنام بين حبات التمر، فلدغته ومات.

لوكان وزير الصحة أو أي مسؤول آخر عرف هذه القصة، لكان رده" اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " صدق الله العظيم.

فالقضية ليست قضاء وقدر، وإنما قضية مسؤولية وجب على أصحابها تحملها، فبلديات المناطق التي ينتشر بها التسمم العقربي كان عليها أن تقوم بحملات تطهير من العقارب، وأن توفر ما يكفي من الأمصال لحماية المصابين في أوانها قبل أن يدخل المصاب مرحلة لا ينفع معها اي علاج، مثلما حدث مع المرحومة عائشة ، التي قيل أنها دخلت مرحلة الموت السريري قبل أن تصل إلى المستشفى.

رحم الله الاستاذة والهم اهلها صبرا جميلا.

مقالات الكاتب

هنيئا يا جزائر !

كل شيء فيك جميل هذه الأيام يا جزائرنا، انتصارات الفر يق الوطني التي أعادت الأمل للشباب بعد سنوات من...

هلموا إلى الحوار !

لا أدري إن كانت المجاهدة، جميلة بوحيرد، ستقبل أن تكون ضمن الهيئة التي اختارتها منظمات من المجتمع الم...

الهويات القاتلة !

لا بأس أن أستعير من الروائي العالمي، أمين معلوف، هذا العنوان لكتابه "الهويات القاتلة"، لأعبر من خلال...