الحوار الجنوبي الجنوبي بين الدعوة و الرؤية

الحوار قيمة إنسانية وجدت منذ ما قبل بدء الخليقة و لعل القرآن الكريم جسد هذه القيمة بصورة واضحة و جلية حين قال الله تعالى و هو يخاطب ملائكته في السموات :(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) صدق الله العظيم. 


و من هنا قد ندرك بأن هذه القيمة الإنسانية العظيمة التي منحها الله لمن إستخلفه على هذه الأرض هي من أجل صلاح هذه الأرض و صلاح أحوال أهلها ، و ذلك قبل أن يوظفها الإنسان فيما بعد كأداة سياسية للوصول إلى حلول مرضية للعديد من القضايا العالقة و التي قد تقود إلى خلق نزاعات بين الأطراف بمختلف مشاربهم و تعدد إنتمائاتهم و مذاهبهم متى ما حاد البعض عنها و أحتكم إلى لغة القوة و مسبباتها و التي قد يترتب على خلق مثل تلك النزاعات كوارث إنسانية و بشرية هائلة و مكلفة جدا ، و لعل التاريخ الإنساني يبقى شاهدا بمختلف مراحله على حدوث مثل هذه النزاعات و ماترتب عليها من أضرار جسيمة مست جميع مناحي الحياة في تلك المناطق الجغرافية المختلفة في هذا العالم التي كانت ساحة لتلك النزاعات و بإختلاف أيضا المراحل الزمنية لها ، و ها نحن اليوم نقف شهود عيان على أحد تلك المراحل المعاصرة لذلك الموروث التاريخي للبشرية .


كان لي اليوم شرف المشاركة في ندوة تحمل عنوان :(( الحوار سبيلا لبناء التوافق الجنوبي إزاء التحديات الراهنة )) رعاها مركز عدن للرصد و الدراسات و التدريب بحضور رئيس المركز الأستاذ / قاسم داؤود علي و بمعية الأستاذة القديرة و الفاضلة / رضية شمشير و بحضور نوعي للعديد من الشخصيات سواء الممثلة للمكونات الجنوبية أو المستقلة منها و الذي كان لي شرف الاجتماع بها صباح الأمس الأربعاء الموافق 19 من شهر سبتمبر 2018 م .


الجدير بالذكر الإشارة إليه أن هذا اللقاء جاء مصاحبا للعديد من الدعوات التي أطلقتها بعض النخب السياسية الجنوبية و مفكريها و كذلك بعض المكونات السياسية الجنوبية التي دعت إلى الحاجة أن يكون هناك حوار جنوبي جنوبي، و لعل تلك النخب و تلك المكونات السياسية تقف اليوم أمام إختبار حقيقي يمحص مدى جدية تلك الدعوات للتوجه نحو هذا الحوار ليس بما تقتضيه الحاجة أو الاستحقاقات القادمة فقط بل لكون ذلك هو السبيل الوحيد و البديل أو الخيار الأمثل بين جميع الخيارات الأخرى للوصول أولا إلى ذلك التوافق حول جملة التحديات التي قد تواجهنا و كذلك الاستحقاقات التي تنتظرنا جميعا و من ثم الوصول إلى كيفية مواجهة تلك التحديات و أيضا كيفية الحصول على تلك الاستحقاقات.


لا أخفي عنكم سرا حين وجهت لي الدعوة إلى حضور هذه الندوة كنت حينها قد وصلت إلى قناعة ما حول ما تشهده الساحة السياسية الجنوبية بالذات بعد أن رسخت جملة من القضايا التي نعيشها اليوم هذه القناعة ، و كنت أتسأل في قرارة نفسي أين ذهب نخب القوم و مفكريهم و كيف تركوا تلك الرقعة الشاسعة من تلك المساحة الوطنية بأن يرتع فيها الدواب مع أجهل أهل هذه الأرض التي نسير عليها اليوم و بهذه الصورة العبثية التي تعييد بالكثيرين إلى حقب ماضية قد يكون القادم في ظل سيادة هؤلاء على تلك الرقعة هو أشد قتامة و سوء منها ؟ ، و لعلي اليوم وجدت بعض الإجابات على بعض أسئلتي تلك و أسئلة أخرى أيضا من خلال حضوري لهذا اللقاء ، الشاهد في الأمر أعزائي و المهم فيه بأنه و من خلال اللقاء الأول الذي جمعنا اليوم بالحاضرين جميعا يمكنني الجزم بأنني لم أكن نكرة حين كنت أحمل في رأسي تلك الأسئلة ، بل أنني وجدت أغلب الحاضرين و المشاركين يحملونها أيضا و أنني أكتشفت أمرا آخرا مهما أيضا بأن النكرة هم فقط من يريدون الذهاب وحدهم بعيدا عن كل ما يطرحه هؤلاء و غيرهم آخرون زعمهم للذهاب منفردين بأنهم هم فقط من يملكون الحق الشرعي لتمثيل هذه الشعوب مستندين على ذلك أما بسلطة الأمر الواقع العسكري و ليس الجماهيري أو السياسي أو الديمقراطي و التي منحت هؤلاء الحق الحصري في تقرير مصير جزء من تلك الشعوب الواقعة تحت سطوة سيطرتهم العسكرية عليها ، أو بحجة مرجعيات أصبحت مهترئة و لا تمثل الواقع و بحاجة إلى إعادة النظر في مضامين أدواتها التي أصبحت مشاكل و ليست حلولا بعد ما أفرزته الحرب أو بحجة التفويض الشعبي الذي هو الآخر خسر كثيرا من مسببات ذلك التفويض و فقد معها جزء من تلك الشعبية التي إستند عليها دوما خطابه السياسي .


في الأخير أود أن أقول بأن اللقاء إجمالا كان مفيدا جدا و ناجعا جدا و خلصنا إلى جملة من التفاهمات حول العديد من القضايا المهمة، كم كنت أود ان يسعني المجال هنا للإستطراد و ذكر بعضها أو أهمها و لعلي سأكتب عنها لاحقا ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا بدا هذا الأمر و أعني هنا ذلك الحوار أو النقاش الذي دار ممكنا و سهلا و بسيطا و متاحا بينما نراه عكس ذلك تماما على مستوى صناع القرار أو بالأصح دعوني أقول أدوات صناعة ذلك القرار ؟


الجواب بصورته البسيطة لأن المتحاورون فيه لا أحد فيهم يملك أوراق ضغط أما عسكرية أو سياسية أو إقليمية و دولية و لأننا جميعا كنا نناقش و نتحاور و لا تقف خلفنا لا مصالح سياسية و لا إقتصادية و لا أيضا إقليمية و دولية ، هذا الأمر يفسر بأننا لا نحتاج فقط لدعوة للحوار الجنوبي الجنوبي فقط بقدر ما نحن نحتاج إلى رؤية و خارطة طريق تجمعنا في ذلك الحوار .


#كتب / نزار أنور

مقالات الكاتب

الإعلام رسالة

مارست الإعلام كمهنة حينما دعت الحاجة إلى ذلك  ..  و أعني بالحاجة هنا ليس الإفتقار إلى الما...

#من_المسؤول؟

عذراً للزملاء الأعزاء في قناة المستقلة لإستعاراتي هذا العنوان في مقدمة منشوري هذا عن برنامج تلفزيوني...

من مثل نجيب

نجيب محمد اليابلي أحد أهم الكتاب و الصحفيين السياسيين في عدن و الجنوب و اليمن  .. فحين يأتي ذكر...

حكومة بلا وجه

نتحاشى كثيرا الكتابة في ظل ظروف هي الأسواء و الأسود على الإطلاق تمر بها البلاد منذ عقود طويلة مضت، ف...