إشكال وقف الحرب في اليمن
كان انطلاق حملة ”عاصفة الحزم” فجر الـ 26 من مارس (آذار) 2015 محل اختلاف بين اليمنيين، فا...
تناولت في مقالي الأسبوع الماضي حجم الآمال التي يعلقها الكثيرون على عودة الحكومة إلى عدن واعتبروها إنجازاً تاريخياً من دون أن يمنحوا أنفسهم فرصة الانتظار لحين التحقق من أفعالها، بينما رأى آخرون أن الأمر الطبيعي والإلزامي هو أن تمارس مهماتها من داخل الوطن وهو ما يمكن التعويل عليه في حال نجاحها الذي نأمله جميعاً لتحقيق اختراق إيجابي يلمسه الناس على الأرض، وفقط حينها يمكن الإشادة بها على الأفعال لا الوعود المتكررة والبيانات الإعلامية.
في واقع الحال، فإن ما يجب استمرار تأكيده هو أهمية وحيوية عودة الرئيس ونائبه ومستشاريه ومجلس النواب وقادة الأحزاب وكل مسؤول مرتبط بجدول رواتب الحكومة لاستكمال متابعة وتنفيذ كافة بنود اتفاق الرياض الذي قبلوا به مرجعيةً للعمل الحكومي والسياسي، ومن الضروري أن يتقدم الرئيس الصفوف بإعلان عودته، إذ إن تشكيل الحكومة وعودتها إلى ممارسة أعمالها من داخل البلاد، يسقطان كل المبررات التي يتشبّث بها المتمسكون بالبقاء خارج الحدود، وسيكونان بمثابة الدعم الحقيقي لها وتأكيد الوقوف إلى جانبها ومراقبة أعمالها.
من المنطقي أن يكون توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية تحت قيادة واحدة واجب التنفيذ بحسب الاتفاق، وسيمثّل المدخل الحقيقي الجاد لاستقرار الأوضاع ولكنه لن يتحقق إلا بوجود دائم للرئيس وكل طاقم الحكم الذي يعتمد عليه من مستشارين وقادة أحزاب، ومن واجبه الأخلاقي والوطني إبلاغ الجميع بأن الامتناع عن مرافقته في العودة سيكون بوقف رواتبهم في الخارج وتحويلها إلى الريال اليمني في الداخل ثم قطعها نهائياً. وهذا في حد ذاته سيشكّل نقلة جدية في أسلوب التعامل مع المال العام الذي جرى استنزاف الجزء الكبير منه في توزيع رواتب على المؤيدين في الخارج بالدولار وتضخم أعداد الموظفين في البعثات الدبلوماسية من دون استيفاء الشروط القانونية ودونما حاجة حقيقية لتعيينهم.
يستوجب الحديث الصريح القول إن الأوضاع لن تستقر جنوباً من دون توافق حقيقي معلن بين الرئيس هادي ورئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، ما يثير تساؤلات حول جدّيتهما في تنفيذ اتفاق الرياض. ومن دون تطبيق الشق الأمني والعسكري بكل تفاصيله، فإن الترتيبات الجارية حالياً لا تعدو كونها أكثر من محاولة بائسة لن يقدّر لها النجاح، ويجب التوقف عن التعامل مع قضايا وطنية كبرى بهذا القدر من الخفة التي يتناول بها البعض التشكيل الحكومي واعتباره عملاً خارقاً لأن غالبية الوزراء لا يمتلكون تجربة سياسية كافية ولا كفاءة إدارية، فصار الأمر توزيعاً للمغانم على أحزاب، أكثريتها بلا وجود شعبي مؤثر. أليس من العجيب أن هادي والزبيدي لم يلتقيا؟ وإذا كانا قد فعلا سرّاً، فسيكون ذلك مؤشراً يبعث على الريبة والشك في نواياهما الحقيقية.
أعيد التأكيد أن عودة الرئيس هادي أمر لا يحتمل التأجيل، فليس من المعقول استمرار إدارة الدولة منذ 6 سنوات عبر "واتساب"، وليست منطقية مطالبة بقية منتسبي كشوفات رواتب الشرعية بكل درجاتهم وفئاتهم بالعودة من دون أن يتقدمهم رئيس الدولة وكل طاقمه، وهو استحقاق وطني ملزم سيسهم في بث الطمأنينة عند الناس وسيرفع معنوياتهم، أما إذا ظلّ ممتنعاً عن ذلك لأسباب نجهلها، فعلى رئاسة مجلس النواب مواجهة الموقف واتخاذ القرار بعودة أعضائه كافة الذين لم تنقطع رواتبهم منذ سنوات لبدء إجراءات منح الثقة للحكومة الجديدة قبل انتهاء المدة الزمنية المنصوص عليها في المادة 86 من الدستور، التي تلزم الحكومة تقديم بيانها قبل انقضاء 25 يوماً من تاريخ تشكيلها (لم يبقَ أكثر من ثمانية أيام لتنفيذ ذلك).
ما زال البعض يعتقد أنه على الرغم مما شاب الاجتماع اليتيم لمجلس النواب في مدينة سيئون من أخطاء دستورية تثير غباراً كثيفاً حول قانونيته، إذ شارك فيه أعضاء تغيرت صفتهم الدستورية ولم يكُن يحق لهم حضور اجتماعاته، إلا أنه المؤسسة الوحيدة المتبقية التي تمتلك الجزء الأكبر من الشرعية الدستورية ومناط به حماية واحترام الدستور ومراقبة تنفيذه، وما زال قادراً على أداء واجباته. ومن هذا المنطلق، فإنه يستطيع الإمساك بزمام الأمور إذا اقتنعت هيئة الرئاسة وامتلكت الجرأة بما منحه الدستور لها، وأن تتذكر أنها غير قابلة للعزل ولا تحتاج إلى إذن أو توجيهات للقيام بواجباتها الوطنية من أي هيئة حكومية ولا يليق بها أن تظل رهينة توجيهات الرئيس ومكتبه ورغباته أو الاستمرار في السعي لإرضاء الحكومة لاستمرار صرف نفقاتها.
لقد طال غياب الرئيس ومستشاريه ومجلس النواب عن البلاد، وصار استمرار استقبالهم المسؤولين الأجانب والاجتماع والتواصل ونشر الصور معهم من داخل الفنادق الفاخرة مثيراً لاستهجان وغضب المواطنين وسخرية الضيوف الأجانب. وإذا كان الأمر مقبولاً في بدايات الحرب، فقد أصبح غير لائق لأنها تصرفات يمكن التجاوز عنها لأيام وأسابيع وربما لأشهر عدة، ولكنها تحوّلت إلى عادة تهز صدقيتهم وتدمر ما بقي من ثقة الناس بهم.
غير معلنة حتى الآن الأسباب التي تمنع العودة الكاملة إلى الداخل ولم نسمع تصريحاً أو بياناً رسمياً يشرحها للناس غير التسريبات التي يتبارى كل طرف لترويجها، كل بحسب توجهاته ومن غير المقبول الركون إليها، والبعض يردّ الأمر إلى رغبة الكثيرين في الإبقاء على امتيازاتهم في الخارج وهي قضية يجب حسمها فوراً، ولا يجب التعويل، لأسباب كثيرة، على وهم أن العالم سيواصل تقديم المنح والمساعدات، فالأوضاع المالية عالمياً وإقليمياً لن تسمح إلا بأقلّ القليل، كما أن غياب رئيس الدولة وعدم وجوده في الداخل يثير القلق والغضب عند المانحين ويرسم صورة غير مطمئنة لهم عن قدرات المسؤولين ورغباتهم الحقيقية.
أعيد القول إنه ما لم تحدث تفاهمات واضحة وصريحة وتوافر قناعة كاملة تؤدي إلى ضبط الأمن تحت سيطرة سلطة الدولة اليمنية الواحدة التي اعترف بها المجلس الانتقالي، فسيبقى المواطنون مرتهنين إلى المزاج الشخصي والأهداف المتناقضة وستزيد مساحات الإحباط والارتباك والفوضى.