الساعة صفر بتوقيت ألمانيا!
اعتادتْ صديقتي أنجليكا التعليق على كل شيء لا يعجبها، أو تريد التهوين من أهميته بقولها "Null -Uhr" وا...
"الوقت في رمضان فيه بركة"
هكذا كانت دائمًا صديقتي المقربة في فترة الثانوية تعتقد وتدفعنا مأخوذين بهذا الاعتقاد إلى مضاعفة ما نستذكر في رمضان على خلاف الأشهر الأخرى، مع ان اليوم ٢٤ ساعة في رمضان وفي غيره، إلاّ أننا حقًا كنا ننجز بمعدل أعلى، من ثم استمر هذا التخيل الذي زرعته في رأسي طوال السنوات التي تلت، وكنت أترقب رمضان في فترة الدراسة الجامعية حتى أنجز ما قد تراكم قبله، وهكذا بالفعل لاحقًا أنجزت أهم أجزاء رسالة الماجستير في رمضان.
فهل حقًا الوقت في رمضان أبرك من الوقت في غيره؟
ما يحدث هو أن إحساسنا بالوقت هو ما يتغير، وهذا دليل على قوة الاعتقاد وفعالية نوعية الوقت الذي نقضيه في إنجاز أمر ما، إدراكنا لقيمة الوقت المتبقي من اليوم بعد احتساب ساعات الصيام وإعداد الإفطار وبقية الواجبات الدينية، وهو منطقيًا أقصر بكثير من الوقت المتبقي لك في يوم عادٍ، ولكن هذا الروتين والوقع المنضبط الذي يمضي به اليوم هو ما يجعل إنجازنا فيه ربما أعلى.
أما قصصي مع الوقت وكيفية إدارته في بلاد لا تعرف ليلها من نهارها، فهي دسمة للغاية، أوقات طويلة من السنة نقضيها في شرف محاولات التأقلم، نصف السنة في محاولة التأقلم مع ظلام الشتاء الطويل والنصف الآخر في مواجهة نهار يمتد إلى ما لا نهاية، إلاّ أن أهم ما قد تتعلمه هنا؛ إن لم يكن بالترغيب فالبترهيب، هو احترام الوقت.
كانت واحدة من أكبر مشكلاتي في الحياة "مواعيدي المضروبة" ، الالتزام بشكل عام أكرهه ولا أحبه، وأجدني كائنًا بوهيميًا خلاف الصورة التي قد أصدرها عني، فأنا لم أكن أكتب واجبات المدرسة إلا بطلوع الروح، ولولا استيعاب استاذتي لي ولاجتهادي في كل ما لا يستلزم إضاعة الوقت في واجبات روتينية بليدة، لكنت الآن في وضع آخر.
لكني وللأمانة وبعد هذا العمر كله تأدبت، أو ربما أعيد تأديبي، في بلد البيروقراطية والمواعيد، لابد أن تعيد حساباتك فيما يتعلق بعلاقتك مع الوقت والمواعيد والروتين بشكل عام، أمور تضطر صاغرًا مذعنًا إلى الالتزام بها جميعها مهما كانت تبدو لك بلا طائل ولا معنى، لأنك إذا فوتت أحدها قد يكلفك هذا انتظار غيرها لأشهر طويلة، ولأنك قد تفضّل أن ترفع، بعد العديد من لكمات البيروقراطية؛ شعار "وجع رجلي ولا وجع قلبي".
المهم أني قضيتُ بقية اليوم وأنا اكتب رسائل، واراجع فواتير، وأغلف طرودًا يجب أن تُرسل، وبعد أن فرغت من كل هذه الواجبات المتراكمة منذ أسبوع ، تساءلتُ فيما إذا كانت هذه الطاقة والوقت المهدوران في الروتين إنجازات من الأساس، وفيما إذا كانت "بركة الوقت" في رمضان تشملهما هنا أيضًا؟