الساعة صفر بتوقيت ألمانيا!

اعتادتْ صديقتي أنجليكا التعليق على كل شيء لا يعجبها، أو تريد التهوين من أهميته بقولها "Null -Uhr" والمعنى الحرفي للكلمة هو الساعة صفر، والضمنى ما يقابله بالعامية في التعبير الساخر عن اللامبالاة، بالقول  "اللي بعده".

منتصف الليل في ألمانيا يتم التعبير عنه  بطريقتين، إذا أردت أن تتحدث عن منتصف الليل باعتباره نهاية يوم الأحد فيتعين عليك أن تقول أنها الساعة ٢٤، أما إذا كان المقصد بداية يوم الاثنين فهي الساعة صفر، وهكذا يتم مثلًا وضع الوقت للقطارات الواصلة والمغادرة في منتصف الليل.. القطار القادم إلى المحطة في منتصف الليل سوف يأتي في الساعة ٢٤، والذي يغادر سيترك المحطة في الساعة صفر. وبالمثل كل شي تريد أن تتجاوزه إلى تاليه،  مهما كنتَ ممتلئًا به، أحله إلى الحالة "صفر"، وانطلق ل "اللي بعده".

وقفتُ البارحة في منتصف الليل حائرة من جديد بين يومين أحدهما، بساعته ال ٢٤ كاد يوشك على الانتهاء، وأحدهما يدلف جديدًا "مصفّرًا العداد"! إنها معضلة يوم عيد ميلادي، يومٌ جُبلتُ على الاحتفال به ويومٌ يليه مدّونٌ في الأوراق الرسمية.. وبين الروايتين اختلف الرواه. أهلّتني هذه "اللخبطة" الحصول على تهنئتين من أهلي، ومن زوجي على هديتين..  لكن الحياة لا تعاملنا دائمًا معاملة الأحبّة، فرص الحياة غالبًا خاطفة ولا تتكرر، ان اغتنمتها في لحظتها فهي لك، والاّ فهي ل"اللي بعده".

اعتدتُ كل عام الكتابة في مثل هذا اليوم، يوم ميلادي؛ العام الماضي لم أستطع،  كنتُ عالقة في فقاعة، ربما أنها الأمومة، لم أكن وقتها أتخيل أن يأتي وقت أكون فيه قادرة على فعل أي شيء آخر سوى مراقبة هذا الكائن الصغير الذي اقتسم كينونتي فجأة بل وحوّلها إلى ملكية حصرية.. توقفتْ ساعتي ولكن الزمن كان يمضي كما هو مقدّر، كنت ألاحظ ما يفعله مع طفلي، ذرفت الدموع مرات كثيرة، يوم قعد، ويوم حبا ويوم مشى ويوم تمتم لأول مرة بكلمة ماما، بعد فترة فقأت الفقاعة، عادت ساعتي تتابع تكّاتها ببطء. تعرقلت عقاربها مرارًا في محاولة التوفيق بين الوقت والتوقيت.. إنها معضلة جميع الأمهات، العاملات على وجه التحديد، الإحساس الدائم بأن شيئًا قد فات وأن شيئًا لا زال ينتظر، كل هذه المسؤوليات التي تلاحقك كل يوم إلى "اللي بعده".

أخفيتُ يوم ميلادي من إعدادات الفيس بوك، حتى اختبر ذاكرة أصدقائي، لم ينجح في الاختبار إلاّ رنا، رهاني على رنا لا يخطئها. لكني للأمانة لم أكن يومًا ممن يقيسون المحبة بالمكيال، تعلمتُ من جملة ما تعلمت أننا لسنا في حياة بعضنا لننصب الكمائن.. حسن الظن والتماس العذر هو أنبل ما يمكن أن تبنى على أساسه العلاقات.. وهو أسلم مايمكن أن تقدمه لإنسانيتك، لنفسك وللآخرين..أحيانًا أفكر بأن العيش دون توقعات قد يخلص هذا الكوكب من الملايين من "ملوك الدرما"!  ولكن لا أحد يريد أن يعيش حياة تشبه كتاب الرياضيات.. نحن نبحث عن الدراما لأنها تحفزنا، وعندما نشعر أن الجرعة الواقعية منها أقل من اللازم، نهرع إلى إلى الروايات والمسرح والسينما.. وربما نتفلكس! لحظة هروب شبه يومية من واقع حالك إلى التصبّر والأمل في "اللي بعده".


أجلس الآن في لحظة تشبه الهدنة، سعيدة بهذا القدر من السطور المكتوبة أعلاه، كمن يتعلم المشي من جديد بعد وعكة، تتفتح أمامي الآن عشرات المواضيع، وأريد أن أكتب كل شيء دفعة واحدة، أن ألتهم هذه الوليمة كلها بعد وقت طويل من الجوع.. لكني سأكتفي، وربما أترك شيئًا ل " اللي بعده".

مقالات الكاتب

تقرير جو حطاب عن عدن

أعجبني الفيديو الذي نشره جو حطاب عن عدن. وظهرت فيه أم المساكين كما نعرفها، لا هي منهاتن ولا سنغافورة...

أصبحتُ أمًا!

قلتُ لصديقتي رنا عندما سألتني عن إحساسي بالأمومة بعد أيام عصيبة مرتْ علينا أنا وطفلي، بأنها "إحساس د...