صرح اقتصادي هام ومخزن استراتيجي اهم للمشتقات النفطية بعدن

بعد الحرب العالمية الأولى وتحديداً مابين الاعوام 1914م و 1918م ، وبالاستفادة من سلبيات الحرب ، ظهرت حاجة بريطانيا إلى ضرورة وجود وتوفير مخزون نفطي واستراتيجي لتموين عملياتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط ، وعليه فقد تم اتخاذ القرار  لتكون مستعمرة ( عدن ) واختيارها باعتباره افضل موقع استراتيجي لبناء تلك الخزانات النفطية الاستراتيجية الهامة ، وعلى هذا الأساس جرى في العام 1920م الشروع في انشاء خزانات نفطية في منطقة حجيف بالمعلا ، وقد اشتملت العملية على بناء ( 4 ) خزانات صخرية في بغدة الجبل بسعة ( 14 ) ألف طن متري لكل خزان ، كما جرى ايضاً انشاء ( 8 ) خزانات أخرى على ارضية المساحة التي تم اختيارها مسبقاً في اطار حرم المنشأة بسعة ( 12 ) الف طن متري لكل خزان ، اي بسعة إجمالية بلغت نحو ( 152 ) الف طن  متري .
                                                                            وأثناء الحرب العالمية الثانية ومابين الاعوام 1939م و 1945م لعبت خزانات المنشأة التي عرفت حينها بمنشأة حجيف دوراً هاماً واساسياً في عملية تموين العمليات العسكرية للقوات الجوية والبحرية البريطانية ، وكانت خزاناتها عبارة مخزناً هاماً من مخازن الوقود .

ونظراً لاهمية المنشأة النفطية ودورها في الحرب العالمية الثانية ، قامت القوات البريطانية - آنذاك - بعملية إخفاء للخزانات الأرضية وحمايتها من القصف النازي الألماني عن طريق بناء جدران من الأحجار  بمحاذاة الخزانات الأرضية ، ليتم بذلك اخفاءها  وهو ما تم فعلا حينها . 

وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية تم إزالة تلك الأحجار وتوزيعها واستخدامها في بناء الوحدات السكنية في مدينة عدن .

ومالا يعرفه الكثيرين اليوم ان منشاة حجيف النفطية والتي جرى تسميتها لاحقاً بمنشأة الشهيد سهيل عوض النفطية ، مع المنطقة التابعة لها في مرسى عاجورا ، تبلغ مساحتها الاجمالية حوالي ( 195 ) ألف متر مربع ، وتتألف من جزئين الأول مهمته تموين البواخر والسفن بالوقود والزيوت والماء ، والجزء الثاني عبارة عن ورشة صيانة ومستودعات ويتبعها مرسى صغير ترسو فيه القوارب التي تشترك في عملية تموين البواخر وتسمى بمرسى عاجورا .

وتعد هذه المنشأة الحيوية الهامة اليوم احدى الأصول التابعة لشركة النفط اليمنية - عدن ، بل ومن أهم المنشآت النفطية الاستراتيجية على مستوى اليمن .
                                                                                         وبالعودة للماضي قليلاً ، وللتذكير فقد جرى في الاول من مارس عام 1974م تأجير الجزء الأول من المنشأة لما تسمى بالشركة اليمنية الكويتية ، وقد كانت عبارة عن شركة مختلطة بلغت مساهمة شركة النفط الوطنية فيها - آنذاك - بما نسبته 51% بينما بلغت مساهمة شركة البترول الوطنية الكويتية فيها بما نسبتة 49% وكانت من المهام الرئيسية للمنشأة حينها تولي مهمة تموين البواخر بأنواع مختلفة من الوقود ، وقد استمرت الشركة إلى أن توقف نشاطها عقب حرب الخليج في العام 1990م ، حيث جرى بعدها اعادة ( المنشأة ) إلى أحضان شركة النفط الوطنية في عدن حتى العام 2003م ، والذي تم فيه تأجير ( المنشأة ) إلى رجل الأعمال المتنفذ - انذاك - توفيق عبدالرحيم ، بناءاً على قرار صادر من قبل رئيس مجلس الوزراء - آنذاك - عبدالقادر باجمال ، وبثمن بخس وايجار سنوي بلغ نحو ( 400 ) ألف دولار سنوياً ، وبالطبع خلال مدة العقد لم يلتزم ( المستأجر ) بشروط العقد مستقوياً بنفوذه وسلطته حينها وحتى 11 مارس 2013م ، حيث انتهى عقد التأجير - لكن نجل المتنفذ محمد توفيق عبدالرحيم ، رفض حينها اعادة تسليم المنشأة لمالكها الاصلي ممثلاً بشركة النفط - عدن ، وللعلم ان ( المنشأة ) وفي عهد بقائها تحت سيطرة المستأجر لم تشهد اي أعمال تطوير اوتحديث بعكس ما ادعاه المستاجر ، وهو الامر الذي يخالف ماورد في سياق العقد المبرم بين الطرفين ، وتم حينها اللجوء إلى ( القضاء ) الذي قال كلمته وقرر اعادة المنشأة إلى شركة النفط عدن ، ولكن ( المستأجر ) رفض وقام باستقدام مجموعة مسلحة لمنع أي محاولات لاعادة المنشأة الى عهدة الشركة وبالقوة على الرغم من صدور قرار قضائي بهذا الشأن قد كان الفيصل في الامر .
 
وفي يوم 2 ابريل  من العام 2013م وأثناء نزول لجنة لإستلام المنشأة بموجب القرار والحكم القضائي الصادر ، تعرضت اللجنة لوابل من الرصاص من قبل حراسة المنشأة التابعين للمتنفذ محمد توفيق عبد الرحيم ، وهو الامر الذي أدى إلى استشهاد خيرة ابناء وموظفي الشركة وهو شهيد الواجب الأخ / سهيل عوض العولقي والذي كان يشغل حينها وظيفة مدير إدارة المحطات في شركة النفط وكان ايضاً أحد أعضاء اللجنة المكلفة بالنزول واستلام المنشأة . 

وبعد انتهاء حرب عام 2015م وتمكن المقاومة الجنوبية بمساعدة التحالف من إخراج الحوثيين من ( عدن ) ومع أواخر شهر أكتوبر من العام 2016م استطاعت شركة النفط بقيادة مديرها العام الاسبق الدكتور عبدالسلام صالح حُميد ، وبمعية محافظ عدن الاسبق اللواء عيدروس الزبيدي ، من إستعادة المنشأة النفطية واطلاق اسم الشهيد سهيل عوض العولقي على المنشأة تخليداً لذكرى استشهاد الرجل وباعتباره قد لقى حتفه وهو يدافع عن المنشأة .

وبالطبع نتيجة للحرب الاخيرة على عدن ، فقد كانت المنشأة اسوة بغيرها من محطات ومنشآت الشركة ومرافق الدولة .. قد تعرضت لأعمال قصف وتدمير ، وبالتالي فقد بدأت أعمال التأهيل والإصلاح والتحديث للمنشأة وبشكل تدريجي إلى أن تسلم المدير العام الاسبق الاخ / ناصر مانع بن حدور زمام الامور في الشركة وتحديداً في 11 ديسمبر من العام 2016م ،  حيث قام الرجل باستكمال أعمال الصيانة والتحديث للمنشأة النفطية والاستراتيجية الهامة ليتم في 31 مايو من العام 2017م استقبال اول باخرة وقود وتفريغ شحنتها مباشرة إلى خزانات المنشأة عبر مرسى عاجورة وبكمية بلغت نحو ( 18 ) ألف طن متري من مادة الديزل التجاري التابع لشركة الخيرات ، وللامانه برغم الظروف المحيطة بالامر حينها الا انها كانت تجربة أولية ناجحة نالت اشادة الكثيرين وخصوصا الصحافة المحلية ، وبعدها في 17 سبتمبر من العام 2017م ، تم تشكيل لجنة للقيام بأعمال تصفية خزانات المنشأة من المواد النفطية الراكدة ، لتستمر ووتتواصل عملية التأهيل واعمال الصيانة للمنشأة حتى تولى قيادة الشركة من قبل المدير العام ممثلة بالاخت انتصار عبدالله العراشة ، في الخامس من شهر مارس من العام 2018م ، حيث قامت بدورها بإستكمال عملية التأهيل والتطوير والتحديث الشامل للمنشأة لتتوج اعمال الصيانه ويتم يوم الخميس الموافق 26 نوفمبر من العام الماضي 2020م وتزامناً مع ذكرى مرور  ( 50 ) عاماً على تأسيس شركة النفط - عدن ، قيام الأخ أحمد حامد لملس - محافظ العاصمة عدن وبمعية المدير العام للشركة الأخت انتصار العراشة ، بوضع حجر الأساس الخاص بإعادة تأهيل المنشأة بشكل نهائي وكامل والاستعداد لإستقبال بواخر وسفن المشتقات النفطية للقيام باعمال التفريغ والخزن الاستراتيجي للمشتقات النفطية في المنشأة ، ومع ذلك مازالت أعمال التطوير مستمرة ومتواصلة حتى اللحظة واليوم .. ومايزال الكثيرين يعولون على هذه المنشأة الحيوية والهامة في توفير مخزون استراتيجي يغطي احتياج العاصمة عدن ومختلف المحافظات المحررة الواقعة في نطاق التموين الجغرافي لشركة النفط اليمنية - عدن ، من المشتقات النفطية  وعبر خدمات الشركة الوطنية الرائدة والمتميزة والتي ستظل كذلك في خضم رعاية واهتمام الدولة بها ودفاع عمالها وموظفيها عنها وعن كافة اصولها وممتلكاتها التي تعود ملكيتها في الاساس للشعب والبلد .

مقالات الكاتب