خالد بحاح سفير بحجم وطن
عبر بعض السجناء اليمنيين الذين يقبعون في السجون المصرية عن فرحتهم واعتزازهم بزيارة السفير خالد بحاح...
خرج الانتقالي من رحم حركة جنوبية واسعة كان لها مطالب حقوقية ، لكنه حولها إلى مطلب انفصالي تحت مزاعم استعادة دولة الجنوب ، وهو بذلك يعيد إحياء الصراع التاريخي بين الضالع وأبين ، فبرغم صغر حجم أبين إلا أنها قدمت ثلاثة رؤساء ومازالت مهيمنة حتى الآن ، وهذا ما دفع عيدروس الزبيدي لتسمية نفسه بالرئيس محاولا منافسة الرئيس هادي ، مع الفارق بينهما ، أن هادي رئيسا شرعيا ولكل اليمنيين ، بينما عيدروس رئيسا لمليشيا عجز عن تقديم نفسه باسم مشروع وطني جامع حتى على مستوى الجنوب ، فالمواطن الجنوبي لم يلمس شيئا حتى الآن من قبل الانتقالي ، ويرى أن معاناته من أجل لا شيء ، فحقوقه مازالت مهدورة ومعاناته تزداد يوما بعد يوم .
كانت هناك فرصة كبيرة للانتقالي بأن يصبح قائدا للمشروع الوطني الجامع وكانت الجماهير ستلتف حوله ، لكنه بدأ مشواره بتزوير الجغرافيا ومحاولة تبديلها ، حينما لجأ إلى طرد أبناء المحافظات الشمالية ومصادرة أملاكهم ، وهذا يدل على أن قيادات الانتقالي لم تقرأ التاريخ ، وإلا كانت أدركت أن ثوار اكتوبر لم ينجحوا إلا بالتحامهم مع إخوانهم في المحافظات الشمالية وكذلك ثوار سبتمبر لم ينجحوا إلا بانطلاقهم من المحافظات الجنوبية ، وأن قضية اليمن قضية واحدة لا تتجزأ عبر التاريخ .
وبما أن الانتقالي انسلخ من حركة وطنية كبيرة كانت تنادي بالإصلاحات السياسية والاقتصادية فقد انضوى في إطار مشروع غير وطني وتحول إلى تحد يواجه أمن اليمن واستقراره وتعطيل الشرعية وقد كان جزءا أصيلا فيها وفضل الارتباط بالمشاريع الإقليمية وتعريضه وحدة المجتمع اليمني لخطر عدم الاستقرار المحلي والإقليمي ، فالجميع يعلم الدور الإماراتي في صناعة هذا النموذج المليشاوي وتوظيفه توظيفا مناطقيا بهدف تعزيز نفوذها السياسي ولذلك جعلت من الانتقالي أداة من أدوات الفوضى وتحد أمام الشرعية .
وقد قادتني الصدفة للحوار مع أحد قادة هذه المليشيا وسألته كيف تلبسون في زيكم العسكري شعار الإمارات وتساعدونها على احتلال سقطرى وأجزاء أخرى من الجزر اليمنية ، ولأنه لا يمتلك الإجابة ، فكان رده ، حرروا أولا صنعاء من الحوثي وبعدين تعالوا اتكلموا عن سقطرى ، ورده شيء طبيعي لأنه لا يعتبر نفسه جزءا من معركة اليمن مع الحوثي ، وكأن صنعاء شأن الشماليين وسقطرى شأن الجنوبيين وتحديدا الانتقالي .
فكررت عليه القول : أنت يمني أليس كذلك ، وعليك أن تراعي مصالح اليمن لا مصالح الإمارات ، فقال ، أنا جنوبي والإمارات جاءت لتحررني من الاحتلال الشمالي ، حينها أدركت أن اليمن في خطر ، وأن تفكير هذه المليشيات لا يمت بصلة إلى العصر الحديث ولا إلى منطق الدولة العصرية ، فولاء هؤلاء لدولة أخرى ، حتى بعد أن أصبحوا حكاما في المناطق التي انقلبوا فيها على الشرعية ، فلا يمكن لأحد أن يستوعب أن شخصا سويا في موقع المسؤلية يمكن أن يقف ضد مصلحة بلده .
ما تنطلق منه هذه المليشيا ليس حكرا عليها ، بل يشاركها بعض من سقط المتاع من الشماليين الذين يدورون في فلك الإمارات ، فقد وقفوا كثيرا في وجه من يطالب بسيادة سقطرى وطالبوه بأن يحرر صنعاء أولا وكأن سقطرى في قداستها لا تساوي قداسة صنعاء ، وهؤلاء جميعهم يبرهنون بأنهم لا ينتمون إلى اليمن ، وإلا لحركتهم الغيرة على منشأة بلحاف الغازية التي حولتها الإمارات إلى سجن لليمنيين وسخرت مواردها لصالح الإمارات ، وكذلك تحويلها مطار الريان إلى قاعدة عسكرية لها وحرمان المواطنين من استخدام مطارهم في حلهم وترحالهم .
والعجيب في الأمر أن هذه القيادات لم تحركها الغيرة على شعبها الذي أغلقت الإمارات أبوابها أمامه وتعاملت معه وكأنه مصاب بداء الجرب ، في حين تستقبل كل جنسيات العالم ، حتى الكلاب تمنحها فيز في رفقة أصحابها ، بينما تمنعها على اليمنيين ، وهذا شيء طبيعي يفعله الإماراتيون ، فهم يشعرون بالصغار أمام اليمنيين ، كيف لا وزايد بن سلطان كان بالأمس يتسول أصله من اليمن ليقدم نفسه أنه يمني ، وأبناؤه اليوم يعكسون عقدهم النفسية في استحقار اليمنيين .
ينطلق الانتقالي في مشروعه من هوية مناطقية تابعة ومشوهة ، محاولا محو الهوية الجامعة ، لذلك فهو يحاول البحث عن سند تاريخي يمكنه من فصل هوية الجنوب عن هوية اليمن ويعيق الوحدة الوطنية ويعزز الانقسام لكي يضعف القدرة الكلية للشعب اليمني ويحاول تقوية الشعور بالمصالح الفردية ، والحقيقة أنه يؤسس لصراع مناطقي قادم طرفاه أبين والضالع وحلفاؤهم ، فالتاريخ يقول إن أبين والضالع جربتا كل آلية يمكن تصورها لتقاسم السلطة في الماضي ولكن دون جدوى ، وعوامل الاستبداد اليوم من كلا الطرفين ترشح لجولة جديدة من الصراع ، ويكمن الحل في الانضواء تحت لافتة المشروع الوطني الكبير الذي ناضل من أجله ثوار اكتوبر وسبتمبر .
عادل الشجاع