هادي وضرورة البحث عن بديل

كـُنَّا والى وقت قريب نظنُّ انفسنا في جبهة  إسترداد الدولة ومؤسساتها المنقلب عليها يوم ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م  ، فلم يكن بحسبان أحد منَّا أنه سيأتي اليوم الذي نطالب فيه بإستعادة السلطة الشرعية الى البلاد المحررة من قوى الإنقلاب .

كيف ولماذا حدث ما حدث ؟ سأقول لكم وبصدق وتجرد ؛ الشرعية أثبتت للقاصي والداني أنها سلطة ضعيفة وفاشلة ، وفشلها كان ذريعًا وتجلَّى في العاصمة المؤقتة للبلاد " عدن " .

فبعد مُدَّة نيَّفت الخمسة أعوام ما زالت المحافظات المحررة أسيرة المعاناة اليومية ، فلا الخدمات الاساسية عادت وانتظمت ، أو أن المرتبات توافرت للنَّاس وبشكل منتظم ، أو أن العملة الوطنية استقرت وتوقفت عن انهيارها المخيف " الدولار الواحد تعدى ال٦٠٠ ريال " ..

فالرئاسة عجزت كليًا عن إثبات وجودها رغم ما توافر لها من دعم وإسناد سياسي واقتصادي وعسكري ، فلم تستطع فتح قنصلية أو سفارة في عدن ؛ بل واكثر من ذلك ، عجزت عن نقل أيًا من الهيئات والمؤسسات الوطنية والدولية من صنعاء الى عدن . 
كما وفشلت في ممارسة سلطاتها برغم ما لديها من إمكانيات مالية وعسكرية ولوجستية ..
ومع كل تلك الإخفاقات المتتالية ، ظلَّ الكثير من اليمنيين يعوُّلون على هذه السلطة كي تحسم الحرب عسكريًا أو سياسيًا ؛ بل وانتظروا منها تجسيد مشروع الدولة الفيدرالية في واقع الممارسة   .
في حالة كهذه ، غفلنا حقيقة ان هذا الرئيس لم يستطع السيطرة على رجاله الموالين له ، والمعيَّنين بقرارات رئاسية من لديه ، عوضًا عن عجزه الفاضح في العودة إلى المحافظات المحررة ، فكيف في إدارتها أو سعيها لاستعادة المحافظات غير المحررة .

للأسف الشديد ، هذه المسماه " السلطة الشرعية " اثبتت خلال الأعوام الماضية أنها عاجزة عن مجاراة قوى الانقلاب دبلوماسيًا ونظاميًا وعسكريًا واعلاميًا .
أصدقكم أنني بت مقتنعًا ومنذ أعوام مضت أن الرئيس هادي صار خارج التغطية والخدمة ؛ ومع هذه الحقيقة المُرّة كنت أمنِّي نفسي بحدوث معجزة من أي نوع ، وأعتقد أنني لست وحدي فهناك الكثير ممن راهن على استفاقة الرجل الثمانيني ،من غفوته الطويلة .
 
لكن ذلك لم يحدث ، فلقد سلَّم الجمل وبما حمل ، لثلة صبيان جهلة وحمقى وانتهازيين .
 فإين حللت أو طرقت بابًا أو جهة فلا تعثر سوى على مسؤولين جاءت بهم المحسوبية وصنعتهم المناطقية ولدرجة أن الواحد يلعن الرئيس السابق بسبب ما خلفه لهذه البلاد من داء " السنحنة " و " القرابة " و " الموالاة " .

فما نعيشه اليوم من تدهور شامل وعارم طال الاقتصاد والخدمات والوظيفة والعملة ، وحتى الاخلاق ؛ بكل تأكيد ما كان لها أن تسود وتزيد وبشكل مخيف لولا الرئيس هادي الذي كان سيئًا للغاية في أدائه وفي اغترابه الطويل  .

لا أخفيكم أنني احترت في تصرفات السلطة الشرعية ، وتحديداً الرئاسة ، فكلما قلنا أنها سوف تفيق من سباتها عاجلًا م آجلًا ، رأينا العكس تمامًا ، إذ تفيق يومًا لتذهب في نومة أهل الكهف .

بالله عليكم ، شعب تفتك به الاسقام والمجاعة والغلاء والوباء والحرب ، ويطل علينا الرئيس هادي عشية ذكرى ثورة ١٤ أكتوبر ، ومن الرياض ؛ ليخطب فينا خطبة مرتجلة هزلية غير لائقة مطلقًا بشخص عادي لا يفقه ابجديات  السياسة ، فكيف إذا ما كان المتحدث هنا هو الرجل الأول في الدولة .

ومثلما حدَّثنا سابقاً من نيويورك عن عظمة ثورة ٢٦ سبتمبر ٦٢م وفي وقت قبل السحور وفيما اليمنيين يغطون في نومة اهل الكهف ؛ أطل علينا ولأكثر من مناسبة وبشكل أسوأ من أي وقت اخر  .
في كل مرة يخطب الرئيس هادي ، فلا اجد جديدًا ، خطاب مرتبك وصادم وعبثي ، احاول ان التقط جملة مفيدة ولها مغزاها ومدلولها ، فلا اعثر إلَّا على أنه لن يسمح باقتتال الجنوبيين ، وكذا التزامه بمقررات مؤتمر الحوار ، وبتجسيد الدولة الاتحادية ذات الستة الأقاليم ، وان الذي حدث في صنعاء لن يسمح بتكراره في عدن  .

في كل إطلالة للرئيس هادي ، لا أجد جديدًا ، وانما هي ذاتها الخطبة والجمعة ، فما تحدث به قبل أعوام يعاد تكراره وبشكل عبثي ومُمِل وكأنه خارج التغطية تمامًا .
 
فقصة تسلمه السلطة وكيف كانت العاصمة صنعاء وكم نهب الحوثيين من أموال البنك المركزي وكيف أن الشقيقة سارعت لنجدة البلاد ؟؟؟ . الشيء الوحيد الذي لا يستحضره هو كيف أنه أضاع بلده بتركه فريسة للفاسدين وتجار الحروب ؟ وكيف أنه صار مغتربًا في السعودية ودونما يؤثر به مكوثة الطويل ؟.
 
طبعًا ، لا أنكر أن الانتقالي وأتباعه ومعهم الامارات يتحملون مسؤولية سياسية وأخلاقية ، عما حدث في المحافظات المحررة ، ومع هذه الحقيقة المُرّة لا يعني أن السلطة الشرعية لا تتحمل معظم هذه الأزمات على أقل تقدير . 

فالانتقالي وقادته ، صنعهما هادي والتحالف ، كما ومنحهما السلاح والمال والمكانة مانحًا أياهما سلطة وسطوة سرعان ما أنقلبت عليه ، متحدية إياه وفي سابقه خطرة تماثل قصة حجَّام جبلة في الجزاء ، فكما هو معلوم بين اليمنيين بأن اول ضحايا حجَّام جبلة كانت أُمُّه وليس سواها .
والحال يتساوق مع دول التحالف التي كان تدخلها في اليمن لاستعادة شرعية هادي ، لكنها وبمضي الوقت ، وبسبب ما اكتشفته من ضعف وعجز وتبعية وفساد وموالاة عمياء من أغلب مكونات الشرعية ؛ تبنت ودعمت فصائل  وخيارات مناوئة للسلطة الشرعية .
 .
ونعم ، الامارات والانتقالي ، للأسف ، اسهما وكل من ناحيته في إعاقة وتعطيل جهود الحكومة والرئاسة ، وبرغم هذه الحقيقة الصادمة ، اجد أن ضعف وغياب السلطة الشرعية كانا لهما الحظ الأوفر في تأزيم المأزوم ، وفي إطالة أمد الحرب .

لا معنى للحديث هنا عن مليشيات حوثية قوية بسبب سيطرتها على ترسانة جيش الدولة ، ما جعلها حصينة عصية الاختراق .
فما هو ثابت ومؤكد أن السلطة الشرعية كان أداؤها ضعيفًا وباهتًا ولا يرتقي لمصاف السلطة الحاملة لغاية وطنية كبيرة .
وهذا سبب كاف ووجيه كي تصير الجماعة الآتية من كهوف الثأر والانتقام ، قوة لا يستهان بها عسكريًا ودبلوماسيًا، فيكفي الاشارة الى أنها فرضت ذاتها على الأمم المتحدة وأوروبا وامريكا وروسيا وسواها من الدول التي تعاملت معها باعتبارها قوة مسيطرة ونافذة على جغرافية تقطنها اكبر كثافة بشرية .

والحل باعتقادي لا يكون بغير نقل السلطة من هادي إلى مجلس رئاسي يتمتع بصفات الفاعلية والنزاهة والشجاعة ، فبهذه الآلية يمكن التفاؤل باخراج البلاد من وضعها الراهن إلى شاطئ النجاة والأمان .

وعلى الرئيس هادي أن يدرك بأنه صار عبئًا ثقيلًا على اليمن واستمراره في منصبه لن يفضي لغير صيرورة الحرب وازدهار الفاسدين وتجارة السلاح ، ومزيدًا من الأزمات الوطنية الداخلية ، ما يعني تمزيق المجتمع وتدمير فرص إنقاذه ، وهذه مجتمعه مهددة للسلم والأمن الوطني والإقليمي والدولي .
وإنتقال كهذا لن يحدث دون دعم من مجلس الأمن الدولي  ، فمثلما كانت هذه الدول داعمة للرئيس هادي يتوجب عليها الآن دعم مسألة نقل السلطة منه إلى السلطة الجديدة .
 كما ويلتزم الاتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات بدعم السلطة البديلة والضغط على الأطراف اليمنية المختلفة كي تتوافق على سلطة توافقية بديلة سواء ومن خلال عملية تفويض أو أي شكل آخر يُمكِّن السلطة من إدارة اليمن وفي مرحلة استثنائية ومعقدة كهذه .

دون ذلك ، تبقى اليمن مرشحة للذهاب أبعد من استدامة الحرب ، إذ وفي حال ظلت الحالة اليمنية على هذا المنوال من الإنحدار والإخفاق السياسي والعسكري ، فإن البدائل لن تكون خيارات سياسية متاحة مثلما يظن البعض ، بقدر ما تكون بدائل كارثية فرضها منطق السلاح ، وحتمًا ستعثر لها على من يمدها بالمال والسلاح ما بقت البلاد بلا سلطة أو سيادة .

الحديث عن تسليم سلطات الرئيس هادي لرئيس البرلمان الموال للشرعية سلطان البركاني ، لا اعتقد أنه سيكون مقبولًا لا جنوبيًا ولا شعبيًا ، نظرًا لسجل الشخص المعروف زمنًا بكونه قطبًا رئيسًا في النظام السابق ، ما يعني البحث عن تؤليفة توافقية أو شخصية تتوافر لديها شرطية القبول والرضاء الشعبي  .
فكما هو معلوم أن انتخاب الشيخ البركاني رئيسًا للبرلمان كان مقدمة لنقل السلطة من هادي إليه ، على اعتبار أن الرئيس بات عاجزًا عن إدارة السلطة ، ما يتوجب نقل صلاحياته إلى رئيس البرلمان بناء والدستور اليمني ، الذي يشير إلى تولي الاخير مهام رئيس الجمهورية في حالة استقالة الاول أو وصلت البلاد إلى حالة الفراغ الدستوري .

لكن تلك الحماسة فترت وتلك الخطوات توقفت فور انتهاء اجتماع سيئون ، وذلك بسبب حالة الارتباك التي يعاني منها أيضًا التحالف ، وتحديدًا السعودية  .
ما يعني أن تلك الجهود لإختيار نائب يتمتع بالمسؤولية ويحظى بالتوافق بين الدولتين السعودية والإمارات على أقل تقدير ، ذهبت أدراج الرياح أسوة بغيرها من المبادرات الثنائية التي كان مصيرها الفشل .

وكانت الأمم المتحدة قد سعت لما اسمته هيئة حكم انتقالية كشرطية يجب أن تتوافر في اليمن لإنهاء الحرب .
ففي كافة الاحوال ينبغي القول أن الرئيس هادي صار عاجزًا صحيًا وعمريًا وذهنيًا عن ممارسة سلطاته وصلاحيته على الوجه المأمول ، ودونما ضغط دولي وأقليمي لإجباره على تسليم السلطة ستزيد الحالة تعقيدًا وكارثية ، خاصة أمام إصراره على البقاء ورفض فكرة نقل السلطة إلى شخص آخر ، فضلًا أنه لا يثق بأحد .

محمد علي محسن

مقالات الكاتب