ذهب الحوثي بالسفينة واكتفى التحالف بالتهديد

يتعامل معنا التحالف وكأننا بلا ذاكرة ، ينقلنا من أزمة إلى أخرى فينسينا الأولى ، بالأمس نقل سفينة إماراتية محملة بأسلحة سعودية إلى الحوثيين وادعى أن الحوثيين اختطفوا السفينة ، وهدد وتوعد وأزبد وأرعد وأعطى مهلة لعودة السفينة ،فلا سفينة عادت ولا هو أوفى بما وعد ، بل راح يشغل ذاكرة اليمنيين في منطقة بعيدة من الحديدة لينسيهم قصة السفينة وحقيقة أمرها .

سقطت بيحان نعم ، هرب الحوثيون نعم ، فرحة في الشارع اليمني نعم ولكن لا أحد من شعوب الأرض أعلم منا نحن اليمنيين ، أن هذا جميعه سينتهي ، مثلما انتهى في المرات السابقة وأن العواطف ستنطفئ ، ولن يبقى حولنا سوى الخرائب واليتم والتشرد ، فما يجري في بيحان وغيرها يؤكد أن الحوثي فقاعة وأن هزيمته ممكنة ، فقد كنا في نهم وعدنا إلى مأرب وكنا في الحديدة وعدنا إلى المخاء وكانت كل الجوف معنا وأصبحنا بلا جوف وهكذا يلعب بنا التحالف وبذاكرتنا .

لقد كتبت كثيرا وقلت في كثير من تحليلاتي للقنوات إن مليشيا الحوثي فقاعة وهي أوهن من بيت العنكبوت وهزيمتها مثل لمح البصر ، ومع ذلك أقول لكم اليوم ، إن ما يجري في شبوة يأتي ضمن عمليات الرتوش الأخيرة المتعلقة بالحدود الوهمية التي يسعى إليها التحالف ، وقد تمت مقايضة الحديدة بشبوة للتصفية النهائية لخريطة التقاسم ، وعليكم أن تعودوا إلى موضوع السفينة والسكوت غير المبرر لحادثة تعتبر إهانة للتحالف وقرصنة تهدد الملاحة في البحر الأحمر ، لكنها قرصنة متفق عليها .

جيوب الاختلاف والتنافس الذي سيلي الانتصار في شبوة هو الوجه الأصعب ، وهو الذي يحرص كل طرف على الخروج منه بأحسن النتائج ، في صورة ستكون أقرب إلى اختلاف اللصوص على السرقة بعد اقتحام المنزل ، وهذه الجيوب قد تكون نفطا أو نفوذا سياسيا أو منفذا بحريا ، فالصراع على الجيوب هو الذي يلجم الصواريخ على الإمارات ، أما الدمار الذي تحقق منذ اليوم الأول فهو الديون لإنهاء الدولة اليمنية .

يمكن القول إن صراع الإمارات مع حزب الإصلاح كان النقطة التي انتهت عندها مقاومة الحوثي بعد أن كانت المعركة مفتوحة لكل اليمنيين ، لتحل محلها مقاومة التراشقات المليشاوية التي احتكرت الفعل المقاوم ، وأطفأت الجبهات ، لتتحول هذه المليشيات المدعومة إماراتيا إلى حارس حدود لتأمين الحوثي .

الحدث الذي يختصر الأمر كله في اليمن التي يدور على أرضها القتال اليوم ، هو استقبال الجميع لمليشيات الحوثي في صنعاء عام ٢٠١٤، بأذرع مفتوحة ، وكل طرف اعتقد أنها ستكون يده التي يبطش بها خصومه ، ومنذ ذلك الحين ، والجميع مازالوا سكارى إلى حد الثمالة وعاجزين عن استرداد الوعي ولو للحظات ليواجهوا أنفسهم بسؤال بسيط : أليس النظام الجمهوري هو الرابط بيننا ، فلماذا لا تتعاضد قوى الجمهورية ، حتى وإن تباينت المنطلقات والغايات ؟

ألم أقل لكم إن ذاكرتنا الجمعية قصيرة ، وبسبب ذلك يقودنا التحالف من معركة إلى أخرى وفي كل مرة نحتفل بالتحرير ، ثم يعيدنا التحالف إلى نقطة الصفر ، لماذا تنشغل ذاكرتنا الجماعية بمناوشات هنا وهناك وتنسينا معركتنا الكبرى ، وأنا هنا لا أتحدث عن عواطف الناس ولا أشكك بمشاعرهم ، وإنما أتحدث عن سياق المصير ، فبعد كل انتصار على الحوثي تظهر لنا انشقاقات وإقصاءات جديدة داخل الشرعية .

بلا شك الانتصارات في شبوة ستحدث إنهيارات نفسية في صفوف الحوثيين ، وهي بنفس الوقت تقدم برهانا على تفاهة الحوثيين وأنهم ساقطون بالمفهوم العسكري  ، ومع ذلك فإن هذه الانتصارات لن تغير واقعا عسكريا مستمرا على الأرض لأنها إنتصارات آنية ستنتهي بفتح صراع جديد مع قوى داخل منظومة الشرعية .

سأخاطب هنا الإعلاميين والنخب السياسية ،  لمراجعة طرق تفكيرهم واتخاذ مواقف بعيدا عن العواطف الساذجة ، حتى لا يمارسون على أنفسهم لعبة الفيقان قليلا والإغماء طويلا ويصيبهم العشى السياسي وعمى الألوان فيفقدون القدرة على التمييز ، فقد أثبت اليمنيون جميعا خلال هذه الحرب أن لديهم قابلية للنسيان الجماعي وتحكمهم العاطفة في كل أمورهم ، فالحوثي لا يحتاج إلى مبررات لاقتراف جرائمه ، وما يفعله العمالقة في شبوة يمكن أن يفعله اليمنيون في كل مكان وفي آن واحد ، فهل يمكن أن نوحد رؤيتنا حول ما يجمعنا لا ما يفرقنا  ؟


عادل الشجاع

مقالات الكاتب