أبين تضحيات بلا مكاسب

هناك سؤال ملح يطرح نفسه لماذا ظل جرح هذه المحافظة نازفًا،ولم يقف دم شريانها رغم تعاقب الحكام،والأنظمة؟ 
لماذا ظلت مُدية الجزَّار مُسلطة على رقاب أبنائها ؟ وفي أقل الأحوال لماذا دائمًا تنال نصيب الأسد من فاتورة القتلى، والأيتام، والأرامل؟ ابتداءً بتصفيات الرفاق بعد الثورة التي اجتثت كل وجاهاتها القبلية،وأعدمت أغلب رموزها السياسية،وكوادرها المهنية،ومن لم يمت منهم على أعود المشانق،أمضى بقية عمره في منافي الشتات،وانتهاءً بالحرب الراهنة التي تُسعر بأجساد أبنائها منذ سبع سنوات وحتى اليوم .
لماذا كان التشريد من نصيب أبنائها دون غيرهم ابتداءً بالرؤساء،والوزراء وقادة الصف الأول، وانتهاءً بأبسط موظف مدني،أو عسكري بعد كل صراع سياسي؟ فلاتزال أطلال مخيمات تشريدهم لليوم في تعز،وتبوك، والسوادية كشواهد حية تروي فصول المأساة المتجددة رغم تغير السياسات،والدول !
لماذا تم اجتثاتهم من المؤسسة العسكرية والأمنية،بعد الثورة ؟ ولم  تفرّق قرارات التسريح للصالح العام  بين ضابط وجندي، وشريف وخائن !
لماذا ظل أبنائها وقودًا للصراعات في كل المراحل،ومحافظتهم مسرحًا لتصفية الحسابات بين قوى النفوذ في كل الأنظمة قبل الوحدة وبعدها ؟ 
لكن هناك أسئلة أخرى مقابلة تطرح نفسها بنفس القدر من الإلحاح والقوة،كيف حدث ذلك لمحافظة ظلت حاضرة في المشهد السياسي، وظل هرم السلطة حكرًا عليها؟فلم يحكم الجنوب رئيسًا من خارجها باستثناء الأربع السنوات الأخيرة من عمر دولة الجنوب، لتعود للواجهة بعد حرب94م لكن الحال ظل كما هو،فأين كان أبنائها حتى لحق بأهلها كل هذا الأذاء؟ هل كان أبنائها هم من يتآمر على بعضهم،كشرط للاستمرار في الحكم؟ أم هي سياسة فرضها أعدائها، للحد من الحضور الطاغي لأبنائها الذين كانوا يشكلون الغالبية العظمى في مؤسسة الجيش والأمن قبل الاستقلال ،فإذا كان هذا بسبب إرتباطهم بالوظيفة العامة للدولة،لماذا صُفيت رموزها النضالية،والقبلية،ووجاهاتها الاجتماعية التي لم يكن لهم إرتباطًا بالدولة؟ 
لكن مجموع هذه الأسئلة تفرض سؤالًا أهم ،وهو كيف جمعت هذه المحافظة سيفين في غمد؟ فحين تقرأ الطائفة الأولى من التساؤلات سيخيل إليك أننا نتحدث عن مظلومية تهامة ،وحين نقرأ الطائفة الثانية يخيل إلينا أننا نتحدث عن مركز الهضبة الزيدية، مع الفارق بين النموذجين من حيث المكاسب التي حصلت عليها الهضبة الزيدية من هيمنتها على الحكم، فجعلت من بقية أبناء اليمن جنودًا لحماية مصالحها،بينما نجد العكس تمامًا فأبين لم ترَ نفعًا من صعود أبنائها للحكم ،ولم تجنِ ثمرة من بروز نجم ساستها ،سوى القتل والتشريد،وطوابير طويلة من الأيتام، والأرامل .
فإذا قلنا أن ارتفاع منسوبها من ضحايا الحروب والصراعات، بسبب طيش تلك الانظمة؟ فهذه الأنظمة لم تحكم أبين دون غيرها،فلماذ كان القتل والتشريد من نصيبها وحدها؟ وإذا قلنا بسبب  الهرمونات النضالية الزائدة لدى أبنائه،ودهاء ساستها،فبماذا عادت عليها شجاعة أبنائها؟وماذا جنت من دهاء ساستها؟ فقد ظلت تعاني القتل،والفقر، والجهل مثل غيرها من المحافظات سابقًا،قبل أن تتفرَّد وحدها بالقتل،والفقر،والجهل لاحقًا . 
لذا بات لزامًا على أبنائها،وقبائلها،وكل رموزها السياسية، والاجتماعية،ونخبها الأكاديمية إعادة النظر بعيدًا عن التعصب لهذه البلدة أو عليها، من خلال محاكمة الأحداث التاريخية بالأدلة القاطعة،والبراهين الساطعة،والوقائع الدامغة، بعيدًا عن التسطيح المتعصب، والأحكام المسبقة،والقوالب الجاهزة،للوقوف على الأسباب الحقيقية، للوصول إلى إجابات مقنعة لتفسير هذه المعضلة المركبة التي تداخلت فيها العوامل السياسية، والاجتماعية،والجغرافية التي خلقت هذه المأساة،وساهمت في إعادة إنتاجها في كل مرحلة،من خلال تفكيك العناصر المكونة لها،للوصول إلى مراجعة سياسية واعية،للاستفادة من تجارب الماضي،لايجاد وعيًا جمعيًا؛ لتغيير القناعات الخاطئة،لإذابة جليد التعصب للأشخاص، على أساس الولاء المناطقي،وهذا لن يتم إلا من خلال مراجعة جادة للمواقف والخيارات،وإعادة النظر في رسم خارطة التحالفات،للخروج برؤية سياسية واعية، تتعاطى مع الواقع تعاطيًا عقلانيًا،للخروح من مربع الاستقطابات الإقليمية،وتجاوز ردود الأفعال المناطقية،والتجاذبات الحزبية،والمصالح الشخصية الضيقة، تحت مظلة أبين أولًا،إسوة ببقية المحافظات،التي جنبت أبنائها ويلات الصراعات، وحافظت على استقرارها السياسي،وأمنها الاجتماعي،فلو نظرت إلى نسبة القتلى في الحديدة، أو مأرب، أو شبوة، أو أي محافظة يمنية ستجد قتلى أبين أكثر من قتلى هذه المحافظة نفسها،ولو أحصيت قتلى أبين في الحد الجنوبي للسعودية ؛ستجد قتلاها أكثر من قتلى السعودية نفسها .
لذا فالظرف السياسي اليوم يحتم على قادتها،ونخبها إطلاق دعوة لإيجاد كيانًا يمثلها، يقوم على ميثاق شرف جامع،لانتشالها من وضعها المزري الذي تمر به اليوم،ويضمن تمثيلها غدًا على طاولة الحل النهائي بين قوٍٍ سياسية تقوم في الأصل على النزعة المناطقية،أوالخلفية المذهبية،أوالعصبية الحزبية .
               سعيد النخعي
          21/فبراير/2022م

مقالات الكاتب

خازوق هادي

ضحت الرياض بالشرعية، والقرارات الدولية المتعلقة بها، في أول موعد غرامي مع الحوثيين تزامنًا مع موسم ا...